إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

السعودية: هل تقامر من جديد؟

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2016-02-15

إقرأ ايضاً


المقامرة في الأدب الجاهلي كانت فخراً. ربما الآن تستعاد الجاهلية بكلّ أركانها. فالعقل البدوي الصحراوي استرجع نبضه، ليس شعراً وفروسية بل دسائس وديبلوماسية.

إذا كانت أميركا والغرب مستفيدتين من الحرب على سورية لإشباع نهمهما الاستعماري! وإذا كانت تركيا لها مشروعها لاحتلال شمال سورية طمعاً في النفط والمياه والخيرات! فما هو السبب البارز الذي دفع السعودية الى وضع مقدّراتها في هذه المعمعة؟ هل صحيح من أجل الحرية والديمقراطية؟ بمعنى آخر هل تريد تعميم قيَمِها المدنية الحضارية مثلاً؟ لقد خرجت هذه المقولة من دائرة العقل الى دائرة الكذب الصريح والواضح إلى درجة أنّ حكام السعودية أنفسهم باتوا بعيدين عن تصديقه.

لا شكّ في أنّ الوهابية هي النسخة المعرّبة للأصولية التوراتية الحاقدة والبربرية. وهي بفروعها الايديولوجية كافة صنيعة الغرب الإنكليزي أولاً والغرب الأميركي في ما بعد، وبالتالي قادة هذا «الفكر»، قديمهم وحديثهم، ليسوا إلا أدوات في المشروع الغربي الساعي إلى النهب.

لقد دمّرت السعودية وأعوانها الحدّ الأدنى المتبقي مما كان يُسمّى التضامن العربي بالحرب على سورية، وبالحرب على اليمن، وبالحرب على ليبيا وبالحرب على تونس وعلى مصر بعدما أجهزت على وحدة العراق. وما زالت تسعى الى تدمير ما بقي واقفاً بما فيه العقل والثقافة بالتجهيل الممنهج.

إنّ الدور السعودي الوهابي فاق حدود المنطق إلى درجة تعارضه مع مشغّليه الغربيين، بل صار عبئاً ثقيلاً طاول بإرهابه غير المدروس أوروبا نفسها. وتعدّى الخطوط الحمر المرسومة له، ما جعل الأميركي يعيد حساباته بالطرق والأساليب حفاظاً على الأهداف الساعي الى تحقيقها. ولم يكن «جنيف ــــ 3» إلا وسيلة كبح مرحلية تعطي الأميركي مزيداً من الوقت لإعادة برمجة مراحل مشروعه على إيقاع مصالحه.

ما يُحكى الآن عن تدخل بري في سورية، يقع في خانة المقامرة السعودية غير المدروسة، لكنها مضمونة الخسارة. فالميدان والوقائع والمبادرة ليست لمصلحة السعودية وتركيا. طبعاً، نقول تركيا حصراً لأنّ تحويل لبنان أو الأردن قاعدة انطلاق للعدوان السعودي سيجلب الحرب الداخلية الى هذه البلدان المحكومة بتوازناتها الداخلية. إلا إذا كانت السعودية مدفوعة بحقدها الى إلحاق لبنان والأردن بمنظومة التدمير الشامل. وهي مسألة لن تفيد السعودية بل ستأتي على البقية الباقية من جماعاتها. وهي مسألة أيضاً لن تفيد المشروع الغربي الساعي الى بقاء منصات انطلاق لمراحله اللاحقة، وبالتالي لن يسمح الغرب بالعبث بالقواعد الأساسية لمخططاته.

إذاً، لم يبق من مخرج إلا استخدام الأراضي التركية كمنطلق لعدوانها. تحاول كلّ من السعودية وتركيا الاستفادة من حالة الجمود التي تطاول الإدارة الأميركية نتيجة اقتراب الانتخابات الرئاسية فيها. غير أنّ حساب الحقل لن يطابق حساب البيدر. فالأميركي في هذه المرحلة الانتقالية التي تتجاوز السنة وربما أكثر لن يُقدم على أيّ إجراء من شأنه تبديل خططه الحالية بانتظار الإدارة الجديدة. من هنا لن يكون بمقدور السعودية وتركيا بعد الخسارات التي مُنيت بها المعارضات في ريف اللاذقية وحلب إلا دفع مرتزقتهما الى ريف الرقة. وهذه المسألة قد تكون مغامرة كبرى سوف تصطدم بقوى الجيش السوري المدعوم بالطيران الروسي، وربما بقوى برية روسية وإيرانية، الساعية أيضاً الى تحرير هذه المحافظة.

إنّ إرسال طائرات سعودية مع طواقمها الى قاعدة انجرليك التركية لن يزيد في الثقل العملياتي للمعركة، بل سيخفف ثقلاً عن المعارك الدائرة في اليمن، والتي لم تحقق فيها السعودية أيّ إنجاز باستثناء أخذ موافقة حكومة هادي على تأجير أرخبيل سقطرى الى الإمارات العربية بالوكالة عن الناهب الأميركي.

إنّ السعودية في هذا الوضع تلعب برصيدها الأخير مادياً ومعنوياً وربما وجودياً، فهي جزء من الرجعية العربية التي تخوض حربها الأخيرة.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024