إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الفوضى بناءة أم خلاقة؟

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2014-10-13

إقرأ ايضاً


يبدو أن التعبير المأخوذ عن المشروع الأميركي للمنطقة يحمل أكثر من مضمون، وأهم هذه المضامين وربما أقربها للترجمة اللغوية وربما للترجمة الواقعية هي الغموض الكالح. وإذا ما دققنا في الترجمة المتداولة، نرى أن معناها لا يستقيم كمفهوم سياسي ولا حتى كمفهوم عسكري، فهو يحمل تناقضاً ذاتياً.

الخلق والإبداع والبناء تتطلب أساساً النظام، حتى الفن السوريالي كتشبيه، له قواعد عمله وأسسه التي يرتكز إليها. الفوضى مرحلة تستهدف الهدم والتقويض وهي بالتالي ليست هدفاً كما يتصور البعض. وعلى هذا الأساس يصبح مشروع الفوضى الأميركية، هو مشروع رديف لمشروع آخر، أو بأحسن حالته هو مشروع تضليلي لما يخبئه هذا الأميركي.

الحالة الحاضرة أقرب إلى الغموض منها إلى أي شيء آخر، لدرجة أن المراقب العادي وحتى المتمكن يصعب عليه تمييز الألوان والوقائع، ويتعذر عليه تبيان أسودها من أبيضها. فالفريق الواحد فرقاء، والمحور الواحد محاور، والمصالح متضاربة ومتلاقية في آونة واحدة. فهل نستطيع تأكيد أن أميركا تحارب «داعش» مثلاً؟ أم أنّ «داعش» جزء لا يتجزأ من الخطة الأميركية المرسومة للمنطقة؟ وهل الولايات المتحدة الأميركية مع الأكراد في مشروع الحكم الذاتي أم أنها مع تركيا في مواجهة الأكراد؟ هل «إسرائيل» مع الإرهاب باعتبارها تدعم النصرة و»داعش» كحركات إسلاموية؟ وهل هي ضد «الإخوان المسلمين» في مصر وقد أبرمت معهم اتفاق انتقال سيناء إليهم في غزة؟ هل الجامعة المسماة عربية مع سيادة الدول الأعضاء المنضوية فيها أم أنها ضد سيادة هذه الدول كما حدث في سورية والعراق وتسعى إلى تأليب الرأي العام العربي ضدّهما؟ هل الإسلام دين تسامح أم دين تذابح كما يحصل الآن؟ هل محور المقاومة في حالة الدفاع وتلقي ضربات مشروع الآخر، أم أنه بصدد تغيير الواقع المحلي والانتقال إلى نظام عالمي جديد أكثر عدالة من النظام العالمي الأميركي الحاضر؟

ربما باستطاعتنا طرح أسئلة تؤدي إلى الشك بكل الأعمال القائمة باعتبارها تحمل نيات مبيتة، أو تؤدّي إلى شك بالنيات كلّها باعتبارها أعمالاً مؤجلة. غير أن الإجابة على سؤال مركزي يعفينا من التمحيص كثيراً ويضعنا أمام رؤية تظهر لنا الخيط الأسود من الخيط الأبيض، ألا وهو: هل أميركا هي من خطط لهذه الفوضى وما هي الأسباب الحقيقية؟ أم أن أميركا استفادت من واقع الفوضى لتجذير منظومة نهبها الاقتصادي في بلادنا؟

لا شك في أن أميركا في تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة، قاربت ذروة الاستيلاء والنهب لكل مقدرات العالم. وأملت إرادتها السياسية والاقتصادية عبر آليات السيطرة الأممية المنبثقة عن الأمم المتحدة على دول العالم كافة. غير أن الجشع الأميركي غير المحدود المؤدلج بنظرية المحافظين الجدد، وصل إلى حد فكرة التخلص من بعض الشعوب باعتبارها عائقاً أمام استمرار النمو الاقتصادي الأميركي، وتشكل سداً حضارياً وإنسانياً أمام هيمنة «طريقة الحياة الأميركية». هذا التفكير جعل الولايات المتحدة تتجه إلى خلق بيئات متجاورة ومتقاتلة، تصفّي بعضها بعضاً فيما هي تعمل على سرقة ثرواتها وخيراتها.

لقد اشتغلت أميركا على البيئة النفسية الاجتماعية، وطورت حالات التمايز وضخمتها لجعلها منطلقاً للصراعات الداخلية. فصار التمايز الديني، والطائفي والمذهبي والعرقي والعشائري والاقتصادي سبباً مباشراً للصراع الداخلي، وطريقاً للصراع الخارجي مع الدول المتجاورة.

إن كرة النار ستكبر رويداً رويداً بحسب الحاجة الأميركية. أميركا ليس لها أصدقاء بل فعلة نهب واقتتال، وحقوق الإنسان فقط للمواطن الأميركي والحرية للإنسان الأميركي والسيادة للإمبراطورية الأميركية.

هل يدرك المتأمركون في بلادنا ذلك؟

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024