إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

خفّف كي لا تنفلق

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2015-01-19

إقرأ ايضاً


يطالعنا بين الفينة والأخرى، متدكتر أو مستثقف، يعطينا درساً في التاريخ وكانه اكتشف لتوه الماء الساخن. وآخر إبداعات هؤلاء الجهابذة مقال بعنوان «إلى أصحاب الرؤوس الفارغة»، ومضمونه أن إمارة الشوف وجبل لبنان تمتعت باستقلال ذاتي قبل سايكس بيكو.

بالطبع، نحن لن نناقش الواقع اللبناني الحالي بعد استقلاله عن فرنسا عام 1943، ولن نتطرق إلى إنشاء «لبنان الكبير» بقرار من المندوب السامي الفرنسي المسيو غورو، ولن نتطرق إلى الصراع الفرنسي ـ الإنكليزي في هذه المنطقة، ولا إلى كيفية اختيار الرؤساء. بل نحيلهم على المذكرات الرسمية الفرنسية وأرشيف وزارة الخارجية البريطانية ومذكرات مود فرج الله وغيرها، ممن عاصر هذه الحقبة والتي إن دلت على شيء، فإنها تدل على الكيان الوليد الذي لم يخرج من الحاضنة «كوفيز» حتى الآن! إنما سنقول لهذا الجهبذ إن جبل لبنان كأرض موجود قبل سايكس بيكو وقبل العهد العثماني والعهود التي سبقت بل أكثر من ثلاثة آلاف سنة. فهو موجود كما بيروت والبقاع والشمال، كما جبال طوروس وسينا وحتى زيمبابوي منذ العهد الجيولوجي الثالث على أقرب تقدير، وباستطاعتنا إحالتك على الإنسان النيندرتالي في كهوف انطلياس. لكن كل هذه الوقائع، لا تؤهلك، أن تدعي بأن للبنان شخصية سياسية مستقلة قبل سايكس بيكو، وإن كانت مهمتك أيها الفهيم تبرير التقسيم الذي صنعه الاستعمار.

إن نظرية لبنان الملجأ، أسطورة مستمدة من زجليات «ابن القلاعي» ذات المستوى الزجلي الرديء. ومع ذلك، نقول إذا كانت هذه النظرية صحيحة، فلم لا تسمح لجماعة «داعش» و«النصرة» بإقامة دولة على شاكلة نظريتك في جرود عرسال؟!

وفي العودة إلى «الزبد» في مقالك، فإنك لمّحت إلى مرحلة الأمير فخر الدين باني لبنان الحديث، على رغم أننا لم نستوعب التاريخ القديم بعد. وطبعاً، قفزت فوق مرحلة الأمراء الشهابيين. وبالتأكيد «من دهنه سقّيلو». فالأمير فخر الدين وفي معركة مرج دابق التي تذكرها، قد خان أولياء أمره عندما رأى الكفة ترجح لمصلحة العثمانيين، ولم يشترك في المعركة بل وقف متفرجاً حتى انتهائها. فوقف خطيباً بين يديّ السلطان سليم الأول وألقى خطبته العصماء التي تبدأ بالتالي: «إني أقبل الأرض بين قدميك سبعاً». كي يبقي على إقطاعيته، هل تدرك معنى إقطاعية؟. والإقطاعية يا سيد الفهم، هي أن هناك من يعيّنك ويولّيك على أرض معينة، أي أنك لست سيداً ولا مستقلاً، أي أنك تابع لما هو أعلى منك، وبدورك بالنموذج اللبناني الذي ذكرت، أن تعطي إقطاعيات باطنية لمن هو دونك. وهذا ما يعني تقسيماً إدارياً للميرة «ضريبة الأراضي» والحسبة «ضريبة التجارة» والكوشان «ضريبة الحيوانات» وجمع السفربرلك. فالإقطاع الكبير جامع ضرائب من الإقطاع الصغير لمصلحة الوالي، والوالي لمصلحة السلطان. وللمناسبة لا بد من الإشارة إلى أن هذا التقسيم الإداري نفسه كان معتمداً منذ عهد المماليك. والعثماني أبقى على التقسيم القديم ولم يضع تقسيماً جديداً. والسياسة أيها العبقري اقتصرت في هذه الإقطاعات على تدبير الشؤون الضريبية وكيفية جمعها والتجهيز لتقديم المساعدة للحرب إذا ما طلب الوالي ذلك.

وهذه الإمارة التي ذكرت، كانت تتبع في ذلك الوقت إما لولاية دمشق أو لولاية عكا. ولعل المثل الأجدى هو عندما قام أحمد باشا الجزار بعزل الأمير بشير الثاني من الإمارة وتعيين أولاد أخيه يوسف بدلاً منه، أكثر من مرة، بمسعى من بشير بك جنبلاط، وانتهت بالقضاء على جنبلاط بعدما دفع الأمير بشير أمولاً طائلة للجزار ثمناً لذلك. وفي ما بعد لا تستطيع القول إن المتصرفية شكل من أشكال الاستقلال، فهي شكل من أشكال التقسيم الإداري السائد في العهد العثماني، وأقرب نموذج لها متصرفية القدس. إضافة إلى أن المتصرف وبشكل دائم كان غير لبناني بالمعنى التي تريد.

إن التقسيم الإداري أيها الممتلئ فهماً، لا يصنع دولة حتى لو اقترن بالقوة العسكرية. هل أحيلك على الحرب الأهلية بجيوشها ومعابرها وجماركها وضرائبها؟! إلا إذا كنت تعتبرها نموذجاً، وترسم في ما ترسمه للوصول إليها مع ما تطالب به من لامركزية إدارية وتقاسم النفط والمرافئ وغيرها.

أيها الممتليء فهماً، قراءة وجهة نظر واحدة لا تكفي، وزجليات ابن القلاعي ليست مصدراً للتاريخ.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024