إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

نظام الدولة الاقتصادي أو دولة نظام العولمة

العميد الركن المتقاعد وليد زيتوني - البناء

نسخة للطباعة 2017-02-28

إقرأ ايضاً


يستحضر النقاش الواسع حول الميزانية وسلسلة الرتب والرواتب في الكيان اللبناني اليوم أدوات الصراع الفكري للانظمة الاقتصادية العالمية، والتي اعتبرت الرأسماليّة نفسها، بنسختها الجديدة النيوليبراليّة الممثلة للعولمة قد انتصرت في صراعها الأخير على الاشتراكية بأشكالها وصورها كافة، وبالتالي انتهى التاريخ بسيادة تامة وكاملة لسيطرة هذا النظام.

انطلاقاً مما تقدّم واستناداً لمرحلة تاريخيّة ليست قليلة نسبياً، استسلم كثيرون حتى من دعاة الاشتراكية نفسها لهذا الواقع، بل أصبح عددٌ لا بأس منهم يرتكز في كثير من تنظيراته على أطروحات هذه المدرسة التي تشكلت مع التاتشرية عام 1979 في بريطانية، وتبعتها الريغانية 1981 في الولايات المتحدة الأميركية. ومن الطبيعي أن يتمادى أصحاب النظرية الرأسمالية ومتفرّعاتها، في العمل على قوانين ناظمة للاقتصاد تخدم النيوليبرالية وأهدافها، باعتبار هؤلاء كانوا ومازالوا أتباعاً مخلصين لمن كان سبباً في وجودهم واستمرارهم، بعيداً عن مصلحة وطنهم ومواطنيهم.

إن الانقسام الحادّ اليوم حول مشروع الموازنة العامة، ومن ضمنها سلسلة الرتب والرواتب والضرائب الجديدة المفروضة على المواطنين، يستدعي من جديد طرحاً جدّياً لمسألة الاقتصاد الوطني. بمعنى آخر أي اقتصاد نريد؟

وهل يمكننا بناء اقتصاد وطني بعيداً عن الريعية القائمة على الخدمات والمصارف وأصحاب الرساميل الكبيرة المرتبطة بالرسمال الخارجي؟ وهل يمكننا أن نحصّن القطاعين الصناعي والزراعي ودعمهما؟ وفرض حماية جمركية كافية لجعلهما قادرَيْن في المرحلة الأولى للمنافسة ولو في السوق المحلية؟ وهل يمكننا مثلاً تخفيف أرباح المصارف، ولو مؤقتاً، لصالح تخفيف الدين العام؟ هل يمكننا دعم المناطق الريفيّة والبعيدة بإنشاء المصانع والمعامل، وتحقيق دعم نسبيّ للزراعات الاستراتيجية لإنتاج محلي يخفّف سلة الاستيراد للسلع الخارجية ومنافستها؟

بالطبع نحن مع المبادرات الإنتاجية الخاصة، ولكننا لسنا مع تخصيص القطاعات المنتجة الكبرى التي تشكّل ثقلاً استراتيجياً في قوة الدولة ومنعتها. لأن قوة الدولة في قوّتها الاقتصاديّة وليست في تبعيّتها الخارجية. نحن مع توزيع عادل ومنهجيّ ومستهدَف لإيرادات الدولة بما يتناسب مع القدرات لإنتاج نوعيّ يفيد تحقيق فائض إيجابي في الميزان التجاري العام مع الحفاظ على قطاع الخدمات كعامل مساعد ومكمّل لزيادة الرأسمال الوطني.

تبدو هذه الآمال بعيدة المنال في ظل سياسة وسياسيين يتطلّعون فقط الى الحفاظ على مكانتهم السياسية والاجتماعية والمادية. ولقد ظهر هذا جلياً من خلال مواقفهم المعلنة وغير المعلنة ودفاعهم المستميت عن مبادئ النيوليبرالية البعيدة كل البعد عن الإنسانية وعن القيم الأخلاقية الاجتماعية التي تفترض أن تكون في صلب كل مشروع يهدف إلى تقدم ورقي الإنسان.

تبدو هذه الآمال خافتة برفع وتيرة ومعدلات الضرائب التي تطاول الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة، وعدم إعطاء أصحاب الحق حقوقهم المشروعة في الحياة الكريمة في حين أن هؤلاء السياسيّين يخضعون لإملاءات الراعي الدولي لنظام العولمة المتوحّش، ولاقتصاد السوق القائم على هيمنة الدول الصناعيّة الكبرى وعلى رأسها الناهب العالمي، الولايات المتحدة الأميركيّة. ومن هنا نستطيع أن نفهم لماذا يقوم هذا الناهب بشنّ حروبه على الدول التي لم تتنازل عن سيادتها وخصوصياتها الاقتصادية والتمسك بالرعاية الاجتماعية لمواطنيها، بينما صادق وحالف الدول التي تقوم بالأساس على تفقير رعاياها، أو جعلت منهم مجرد أدوات إنتاجية رخيصة لدعم ثروات هذا الناهب.

بنظرة سريعة على تاريخ الكيان اللبناني، يظهر لنا وبما لا يقبل الشك، أن تدخّل الدول الكبرى في اقتصاد البلد، وعلى وجه الخصوص التدخل الخارجي بالتعاون مع أتباعهم في السلطة لإسقاط «بنك انترا» عام 1966 أدّى الى قيام الحرب الأهلية عام 1975. وأن تدخل هذا الخارج مع زبانيتهم الداخليين اليوم سيؤدي إلى ما لا تُحمَد عقباه، وخاصة بعد عام 1990 تاريخ الانحراف الواسع باتجاه النيوليبرالية.

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024