في فرنسا التي يحكمها الاشتراكيون بلغ النفوذ السعودي درجة من القوة والحضور لم يشهدها أيّ حكم فرنسي، يمينياً كان أم يسارياً، بل إنّ فترة حكم شارل ديغول اليميني الذي كان مقرّباً من الكنيسة الكاثوليكية، لم تشهد وداً كبيراً للأنظمة الملكية العربية.
اقتربت فرنسا من دول الخليج في عهد الرئيس السابق فرنسوا ميتران الذي فتح علاقات متينة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، التي اعتبرها ميتران مدخلاً لشركات صناعة الأسلحة في فرنسا لاختراق الاحتكار الأميركي البريطاني لسوق السلاح الخليجي الذي يشتري أسلحة بمليارات الدولارات سنوياً. وأتى اليميني جاك شيراك ليوسّع العلاقة مع الخليج وتحديداً مع السعودية عبر صديقه المقرّب رئيس الحكومة اللبناني الراحل رفيق الحريري، ولم تشكل هذه العلاقة أيّ تحوّل في النظرة الفرنسية إلى موقع الرئاسة في لبنان، رغم أنها أدخلت عنصر التعاون مع السنة بدرجة أولى على حساب العلاقة القديمة مع الموارنة.
شكل وصول نيكولا ساركوزي إلى قصر الأليزيه نقطة تحوّل في نظرة نخب فرنسية نافذة ومحسوبة على يسار مجموعات يمينية غير مقرّبة من الكنيسة الكاثوليكية، أحاطت بساركوزي وبعضهم مقرّب من برنارد هنري ليفي، حيث اقترح لوبي الضغط هذا على ساركوزي العمل على تحويل منصب رئاسة الجمهورية في لبنان إلى منصب فخري على غرار تركيا والكيان «الإسرائيلي»، وكان الاشتراكي السابق برنارد كوشنير الذي عيّنه ساركوزي وزيراً للخارجية دور المحرك داخل أروقة قصر الاليزيه لهذه النظرية، غير أنّ اعتراض الكنيسة الكاثوليكية وعودة الانفتاح الفرنسي على سورية بعد مؤتمر دول البحر المتوسط الذي عقد في باريس عام 2008 وضع هذا الملف في أدراج الانتظار في صالونات وأروقة الاليزيه، ويبدو أنّ غبار النسيان قد نفض عن هذا الملف ليُعاد بحثه في الأروقة المغلقة خلال هذه الفترة.
مصادر فرنسية مطلعة قالت إنّ شغور منصب الرئاسة في لبنان دون أيّ أمل بحلّ في أفق معقول، مع صعود نفوذ إيران في بلاد الأرز واحتمال عودة نفوذ سوري معيّن بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، أعاد الحياة إلى هذا الملف في أروقة الاليزيه، حيث يبحث الفرنسيون احتمال طرح مشاريع تسوية في المنطقة منها إعادة صياغة جذرية لمنصب رئاسة الجمهورية في لبنان، بحيث تكون فخرية وبطريقة تعزز نفوذ السعودية عبر تقوية منصب رئاسة الحكومة، بينما يعوّض المسيحيون بشكل عام والموارنة بشكل خاص بتعزيز تواجدهم في مؤسسة الجيش اللبناني وزيادة عدد ممثليهم في المجلس العسكري الأعلى، وعبر تعديلات دستورية تعزز من قدرة مجلس النواب على مراقبة عمل السلطة التنفيذية…
وتشير المصادر الفرنسية إلى اتصالات يجريها مقرّبون من هولاند مع جهات في الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، لجسّ نبضها في إعادة إحياء هذا الملف، وتؤكد أنّ جهات في الاشتراكية الدولية فاتحت النائب وليد جنبلاط في هذا الموضوع.
|