في سابقة لم تشهدها الحرب السورية أسفرت معركة حلب عن انتصارين كبيرين للدولة السورية… الأول تحرير المدينة الثانية في سورية برمزيتها ومكانتها، والأمر الثاني وهو الأخطر حيث أسفرت هذه المعركة عن ضربة قاسمة للفصائل السورية المعارضة خسرت فيها آلاف المقاتلين بين قتيل وجريح وأسير، وذلك كله بسبب تعنّت قيادات المسلحين خارج مدينة حلب الذين رفضوا كلّ عروض الانسحاب حتى ضاقت الأوضاع على المسلحين، ووجدت الدولة السورية وحلفاؤها فرصة كبيرة تتمكّن بها من الانتهاء من هؤلاء المقاتلين أسراً أو سحقاً في الحرب عوضاً عن إعطائهم ممراً آمناً إلى منطقة أخرى يقاتلون منها الدولة السورية.
في لقائهما السويسري حول حلب اتفق الاميركي والروسي في الصباح، وتراجع الروسي ظهراً، حسب مصادر في جنيف. وقالت المصادر إنّ التوافق الروسي الأميركي كان جدياً واللافت أنّ الروسي أعلن عن عدم وجوده ويبدو هنا انه يلعب اللعبة نفسها التي اتقنها الأميركي معه خلال الأشهر الماضية. ويبدو حسب المصادر أنّ الروسي كان غاضباً من الدور الأميركي في معركة تدمر، غير أنّ هذا لم يمنع الاتفاق بين الجانبين والذي فشل بفعل عراقيل وضعتها بعض الفصائل في محاولة منها للحصول على أكبر مدة زمنية ممكنة، فضلاً عن أنّ الأميركي حاول أن يمرّر مطالب هذه الفصائل التي رفضها الروسي واستقرّ الحال على استئناف اللقاءات بين الطرفين لثلاثة أيام أقصى حدّ.
المصادر الميدانية قالت في حديثها إنه يوجد في حلب أربع فصائل كبرى هي: نور الدين زنكي، النصرة، احرار الشام وتجمع «فاستقم كما أُمرت»، وتتواجد فصائل أصغر مثل جيش الإسلام وفيلق الشام، وقد نص الاتفاق الروسي الأميركي على انسحاب المسلحين في باصات خضراء مع سلاحهم الفردي على غرار ما حصل في كلّ عمليات الإجلاء التي حصلت في ريفي دمشق وحمص، وقد وافق الاميركي على ان يتمّ الإجلاء إلى محافظة إدلب، غير انّ العرقلة أتت من أحرار الشام المنقسمة على نفسها والتي تريد الانسحاب بكامل عتادها وسلاحها الثقيل وقد تبعها أيضاً فصيل نور الدين زنكي الذي يريد ايضاً الانسحاب بسلاحه الثقيل. ويملك الفصيلان ترسانة كبيرة من الأسلحة مخبّأة في مستودعات في مدينة حلب، كما انهم استولوا على مستودعات تجمّع «استقم كما أُمرت»، وهذا التجمع كان يملك أكبر مخزون من الأسلحة والذخائر في حلب وبلغت حصة فصيل نور الدين زنكي وحده ألفي قذيفة هاون من مستودعات تجمع «فاستقم كما أُمرت»، المحسوب على فصائل الجيش الحر.
المصادر قالت في حديثها إنّ المسلحين المنتشرين داخل حلب من الفصائل كافة يريدون الانسحاب، لكن القرارات التي تنادي بالبقاء تأتي من خارج حلب، كما انّ المطالب بالخروج مع الترسانة التسلحية كاملة تأتي من قيادات الفصائل خارج حلب.
الاتصالات التي رصدت من داخل حلب مع الخارج كانت تردّد أنّ الوضع ضعيف، وطلب المحاصَرون في حلب من قياداتهم في خارج حلب الإسراع بعمل أيّ شيء لأنّ الأوضاع صعبة وهم على وشك الانهيار، وربما ينتهي كلّ شيء في لحظة واحدة. وقالت المصادر إنّ القيادات المتواجدة في تركيا وإدلب في اتصالاتها مع المسلحين المحاصَرين في حلب طرحت محاولة القيام بعمل عسكري من جنوب المدينة بالتزامن مع هجوم تقوم به الفصائل من داخل حلب، لكن أغلب المحاصَرين يرفضون هذا الأمر الذي يعتبرونه انتحاراً وتضحية بهم فضلاً عن عدم إمكانية القيام بأيّ عمل من داخل حلب.
مساء أمس الاثنين عادت الاتصالات الأميركية الروسية لتأمين ممر آمن للمسلحين، غير أنّ روسيا رفعت سقف شروطها وطلبت أن يسلم كلّ عناصر جبهة فتح الشام النصرة انفسهم للتحقيق معهم، ما أرجع الوضع إلى المربع الأول، ويظهر من سير المعركة أنّ الدولة السورية وحلفاءها لن يتركوا فرصة القضاء على آلاف المسلحين تفلت من أيديهم هذه المرة.
|