في حديثه عن "مدرسة الارز النموذجية"(1)، يورد المربي الرفيق انيس ابو رافع كيف سارع صديقه ورفيقه حسن مرتضى، فور معرفته بقرار الرفيق انيس تأسيس مدرسة في عالية، الى نقل اولاده السبعة، وهو ابن صور، الى المدرسة المزمع افتتاحها، اول السنة المدرسية 1962 – 1963.
في الطبعة الثانية من مؤلفه "ونبقى معه" يورد الرفيق الاديب والمناضل القومي الاجتماعي حسن مرتضى في الصفحات 297 -299، نص الكلمة التي القاها في احد المناسبات في "ثانوية الارز النوذجية"، نعيد نشرها بالنص الحرفي، مع التنويه بما تضمنه الكتاب من مقالات وكلمات تضيء على جوانب عديدة من تاريخنا الحزبي، ومن تاريخ الادب في صور، والجنوب.
ل. ن
*
الى ثانوية الارز النموذجية
سيداتي سادتي... ايها الحضور الكريم
عندما قلت لها قررت الانتقال باولادنا الى عاليه...
هتفت على الفور... لقد عملها أنيس...
ودفعت فعلا بأولادي السبعة أطعم بهم مختلف صفوف هذه المدرسة الناشئة حينذاك...
أخذتهم من شاطئ صور، من ذلك المرفأ التاريخي الجميل الذي أبحر منه الحرف ليضيئ ليل العالم...
وكنت، في تصعيدي هذا الجبل، أكاد أشعر أنهم بدأوا يرتفعون فعلا الى السوية التي أريدها لهم... لمعرفتي بأنيس وثقتي بأنيس...
هذه الثقة التي جعلتني أقفز هذه القفزة الخطرة مغامرا بل مقامرا بكل ما أملك، هي موضوع كلمتي العابرة في هذه الامسية...
عندما تعرفت على الاستاذ أنيس ابو رافع...
... على هذه المجموعة العجيبة من الطاقات المتشابكة والمتداخلة بشكل نادر، وكنت ألمح فيه الاديب والشاعر والصحفي والممثل والخطيب...
ولكن صورته تأخذ حجمها الصحيح عندما يتكلم عن المدرسة...
المدرسة التي يريد...
تلك التي كان يحلم بها عندما كان طالبا والتي اصبحت هاجسه الوحيد عندما مارس التعليم...
العقل ليس شريطا لتسجيل النصوص وجمع المعلومات، وجواز مرور على الشهادة، بل حقل تفجير يصل الارض بالسماء...
مجتمعنا يعني مدارسنا، فإذا كانت هذه القواعد مخلخلة الاساس فلا يمكن قط أن يستقيم بنيان سليم عليها.
فوضى التعليم تعني فوضى الفكر...
عندما تنحرف معاهدنا تتخبط مجتمعاتنا في متاهات الضلال، نتمايل بلا جذور تشدنا لقواعد ثابتة مع النسمة العابرة والاهواء....
من البديهي اذا أن يبدأ بناء الوطن على هذه المقاعد...
ومن يربح معركة الاحداث فهو وحده الذي يربح معركة المستقبل...
مرافئنا تغمرها المياه وأمجادنا ترقد تحت تلال الردم...
لغيرنا أن يكشف عن قلاع صيدا ومعابد صور وهياكل جبيل وبعلبك، لغيرنا أن يتشاوف بعظمة هذه الشواهد، أما نحن فنريد ان نكشف عن النفس التي صنعت ذلك الماضي، ان نطلقها من أسار محنطاتها، ان نستلهمها لا لبناء الاسوار حولنا نعتصم خلفها بل لمدّ الجسور نصل بها الماضي الذي كان بالمستقبل الذي نريد، فوق هذه الهوة التي يتراكم فيها حاضرنا حيث لا نزال نراوح في مستنقعاته منذ ما يزيد عن الألف عام. نحن لم ننته، لم نستسلم لتنطفئ جذوة النضال والتحدي في نفوسنا لم ندر ظهرنا للشمس لنحنّط في متاحف التاريخ...
نحن أمة أبت أن يكون قبر التاريخ مكانا لها في الحياة...
بهذه الشحنة من الالم، من الامل، انطلق انيس ابو رافع...
يصب احلامه في قوالب هذا البناء فما ارتفع فيه حجر إلا بعد أن توشح بخيط من نزيف قلبه، وكم من المرات وقف وحيدا إلا من عزمه وارادته يجترح المعجزات ليكمل طريقه متخطيا حواجز الشوك كاشحا ضباب الاشاعات واثقا بغده...
واذا كنت لم اتوقف ولو قليلا عند تلك الوشوشات التي كنت اسمعها بين الحين والحين من اصدقاء ومعارف لا يتسامحون بنقصان تلك النقط القليلة في الكأس الممتلئ، فلأنني أجد فارقا كبيرا بين طريق الخطأ وأخطاء الطريق.
ربما بدأ البعض يهمس ويتساءل، هل هذه كلمة الاهل أم كلمة الادارة
في عرفي اننا في هذه المدرسة تكاد تنتقل الينا عدوى هذه الشخصية المتشابكة والمتداخلة، فنحن هنا معلمين وطلابا وأهلا تختلط أدوارنا ولكنها تتجمع لتصب في هدف واحد، الغد الافضل لأبنائنا، لمجتمعنا.
واذا كنتُ قد ركزت في حديثي على مؤسس هذه المدرسة، فلكي امسح، ولو مرّة بمنديلكم، بعض عرقه."
(1) كنا بتاريخ 04/02/2013 عممنا نبذة تضيء على تاريخ نشأة ثانوية الارز النموذجية. للاطلاع الدخول الى ارشيف تاريخ الحزب على الموقع التالي: www.ssnp.info
|