عرفت الرفيق باسل برازي منذ سنوات عديدة. كان دائما ناشطاً حزبياً متولياً المسؤوليات الاذاعية، الثقافية، التربوية متمتعاً بالكثير من فضائل الالتزام.
من المؤسف وقد سعيت كثيراً الى ان يسجل الرفيق باسل الكثير الحلو مما يملك من معلومات فما وجدت في ضهور الشوير من يستمع إليّ، ومن يحمل معي مسؤولية تاريخ الحزب. لا اريد ان اذكر أسماء الرفقاء الذين سعيت إليهم كي يكتبوا عن الرفيق باسل برازي وعن غيرهم.
الآن وقد رحل الرفيق باسل اشعر بعظيم خسارة الكثير مما يملك من معلومات تختص بثقافة الحزب. بتاريخه، كما بسبرة الرفيق باسل الغنية جداً.
تمكنت من زيارة الرفيق باسل اكثر من مرة، انما لم أتمكن من الجلوس إليه لتسجيل المعلومات المفيدة لتاريخنا. ارجو ان يكون قد سجل ذلك فننشره لاحقاً.
نورد ادناه الكلمة اللافتة التي نشرها الرفيق سامي سماحة وفيها من التعبير الحقيقي بما كان عليه الرفيق باسل برازي.
نأمل ان يكتب غيره عن الرفيق باسل الذي يستحق الكثير.
ل. ن.
*
الى الرفيق باسل برازي
بقلم الرفيق سامي سماحة
سخر من الحياة وقطف عنقودها حبة حبة.
طوى العمر صفحة تناطح صفحة، ولكل صفحة رواية وقصة، صفحته الأولى أورفا الجميلة التي اغتصبها الثور التركي بعد ان كبلّها بقيوده الثعلب الفرنسي، صفحته الأولى كانت الصفحة التي رفضت كل الأغلفة واختارت غلاف العقيدة السورية القومية الاجتماعية فكان عقابه النفي والرحيل الى الجهة الثانية من الوطن، الى الصفحة الثانية من العمر، الى ضهور الشوير منبع الغلاف الذي اختاره .
غادر أورفا الجميلة ولم ينظر الى الوراء فهو يعرف ان لا عودة اليها إلا اذا انمحت وقائع وتغيرت أقدار، وانقلب الآتي على وقائع الحاضر الذي كان يوم ذاك .
لم يكن سهلا عليه ان يغادر وحيدا، حيث كان رفيقه الكتاب والقلم والورق ورفقاء سيلتقي بهم في المكان الذي سيحط به .
هي الصفحة الثانية التي حولتها الأيام والأحداث، والملاحقة، والصداقة مع الفلسفة واللغة الى كتاب بمجموعة كبيرة من الصفحات .
باسل برازي سيد اللغة العربية دون منازع، ودون استكبار او شوفة حال، لم يحاول مرة واحدة ان ينال من أحد أخطأ في الكتابة او في القراءة، إلا اذا تمادى الآخر عليه فأظهر له بلياقة وهو سيد اللياقة أخطاءه .
باسل برازي هزم من زعموا انهم اباطرة اللغة العربية ولم يُسء اليهم، صحّح أخطاء في منجد اللغة العربية ولم يتكبر على صاحب المنجد وأشاد بإنجازاته. كان صديق الجملة الإبداعية، لذلك كانت جملته صعبة بألفاظها لأنه يعرف معنى الألفاظ بدقة ويعرف انه لا يجوز استعمال المرادفات لأن المرادف لا يأتي بالمعنى المناسب للفكرة ورفيق التعابير الفلسفية، انغرم بسعاده ونظرته الى الحياة والكون والفن فكان الساعي دائما الى الإحاطة بشمولية تعابيرها وشمولية معانيها، انكب على تفسير المصطلحات التي ابتكرها سعادة كتعبير الوجدان القومي والمدرحية والمتحد الاجتماعي، وكي لا يبقى جهده عبارة عن عبارات متناثرة هنا وهناك أصدر كتابه "شمولية سعادة" دراسة فلسفية في الخصائص النفسية للأسطورة السورية .
كان باسل برازي رفيق الليل حتى الدقائق الأخيرة من وقته لذلك كتب جنى الاسحار ليخبرنا عن أسطورة نهاية الليل وقدوم الفجر .
لعبت الحياة بالرفيق باسل برازي كما لعبت بالكثير من القوميين الاجتماعيين، فمن أورفا الى المتن الشمالي الى شتورة الى أورفا عندما دعاه الواجب، الى ضهور الشوير، الى العيرون المحطة الأخيرة في كتاب حياته .
من يعرف باسل برازي يعرف انه لا يمكن اختصار حياته بمقالة او صفحة تكون ورقة جديدة من أوراق عمر هذا الرجل الذي لم تنصفه الحياة ولم ينصفه حزبه، وحتى انه لم يُنصف نفسه في بعض وقائع حياته .
سخر باسل من الحياة فقطف عنقودها كأسا كأسا.
*
|