في كثير من النبذات، تحدثت عنه. فهو من اوائل الرفقاء الذين عرفتهم منذ انتمائي الى الحزب، واستمر.
مع بدايات العام 1957، كان اسمه يتردد في اوساط الرفقاء الطلبة الثانويين. كان متعاطفاً مع الدعوات التي بدأ يطلقها احد بناة العمل الحزبي في الشوف، مفوض لبنان اوائل خمسينات القرن الماضي، الامين السابق حسن الطويل.
فُصِل في تلك الفترة، فأثار ذلك موجة من الاستياء لدى الرفقاء الطلبة الذين كانوا على تواصل معه، معجبين به وبحيويته.
وعرفت في تلك الفترة عدداً كبيراً من الرفقاء الطلبة الثانويين اذكر منهم: حسن فضل الله، هيكل حداد، سامر غصن، ليلى شقير، امل المهتار، باسم مسلم، رياض وانور برادعي، الياس جمال، الياس جدع.
ومضت سنوات كنت فيها على تواصل متقطع مع الرفيق محمد، الى ان اختارني عميد المالية الامين عاصم داعوق، اوائل سبعينات القرن الماضي، لاتولى مسؤولية مدير ادارة مجلة "البناء" الصادرة اسبوعياً. مديرها المسؤول الرفيق زكريا لبابيدي. المحاسب الرفيق احمد كامل مزاحم المعروف بـ"ابو سمير"، تعاونهما الرفيقة اخلاص حردان التي اصبحت زوجتي، الرفيق طه غدار والرفيق الراحل يعقوب مواس الذي ما زلت اذكره بكثير من الحنين. ومن الرفقاء الذين عملوا في جهاز التحرير اذكر الامناء: ميشال نبعة، احمد اصفهاني، محمد معتوق، والرفقاء مصطفى زين، علي حمية، نبيل ابو مراد.
كان الرفيق محمد مكلفاً بجلب الاعلانات لمجلة الحزب، فتوطدت العلاقة اكثر، وشهدتُ على براعته في نسج العلاقات، متمكناً من معرفة شاملة ومعمّقة بعالم الطباعة في بيروت، مما جعله لاحقاً يؤسس مكتباً لتوفير الطباعة لمؤسسات وافراد، ومرجعاً يعتمده الحزب عندما يرغب طباعة اي شيء.
*
على مدى تلك السنوات لم انقطع عن الرفيق محمد، ولم ينقطع. كان يحفظ مودة كبيرة للامينة اخلاص مستذكراً سنوات العمل معاً. ودائماً كان يسألني عن "موجودة"، شقيقتها الرفيقة اليسار، التي كانت تسأل عن الرفيقة اخلاص في "البناء" بلهجتها العربية المطعّمة بورتغالياً، في السنتين اللتين امضتهما في لبنان، الى ان اضطرت بفعل الحرب المجنونة، التي انتظرتها كي تنتهي، فما كانت تتوقف.
كان للرفيق خليفة حضوره لدى عدد كبير من الرفقاء، خاصة رعيل الاربعينات والخمسينات، فكان يلتقي بهم كل اسبوع في مكتبه، او في احد مقاهي الحمراء. الى الموعد كان يحضر الرفيق حسن مرتضى من صور، الرفيق مارون حنينه من الجديدة، الرفيق عبد اللطيف كنفاني من منطقة الاونسكو، الرفيق محمد الشماع من صيدا، الرفيق نزيه الاسعد، الرفيق ذو الفقار قبيسي، وغيرهم وغيرهم. ودائماً حديثهم الحزب.
*
عندما فقد ابنه المحامي راجي، غمرني باكياً، مستعيداً بوجدانه وقلبه وعاطفته تلك العلاقة القديمة المستمرة.
كنت من حين الى آخر اتصل به هاتفياً، فأطمئن الى ان كان يوم 22/07/2015. لم الق جواباً. ساورتني الشكوك، فاتصلت بابنه المحامي مازن. كلامه لم يكن مطمئناً. وعدته ان ازور الرفيق محمد فور توجهي من ضهور الشوير الى بيروت، شارحاً له وضعي الصحي.
لم ينتظرني الرفيق محمد كي اصل الى حيث هو في المستشفى، اقعد الى جانبه واهمس في اذنه كلمات من سعاده، ومن علاقتي الوطيدة به، الكلّها محبة.
صباح اليوم، الخميس 23/07/2015 اتصل الحبيب مازن الذي رافقته طفلاً، فطالباً، فمحامياً ناجحاً. قبل ان استمع الى كلامه، استمعت الى ضجيج في اعماقي. لقد رحل الرفيق محمد خليفة.
بعض الناس، لكثرة حضورهم، وحيويتهم، يتراءى لك انهم لا بد، باقون. منهم الرفيق محمد خليفة الذي اعتدنا ان نراه، وان نستمع إليه، وان نلتقي به، وان يكون حديثه دائماً عن سعاده الذي عرفه منذ الشباب وبقي مقيماً في اعماقه.. سيمضي وقت طويل قبل ان اعتاد على غياب الرفيق محمد خليفة.
اعدك اني سأتواصل دائماً مع مازن، لعلني عبره اراك، واستمع إليك، واستذكر الكثير الكثير من علاقة لم تعرف سوى المحبة والثقة.
ان اتت "موجودة" وسألت عنك، تراني بماذا أجيب؟
هنيئاً لك يا رفيق محمد خليفة، انك رحلت قبلنا.
لروحك ارفع التحية كما فعلت دائماً اذ التقي بك، وقبل ان تعبطني بمحبتك، وحبك لرفقائك.
وداعاً "ابو مازن"، والبقاء للامة .
|