رحل باكراً وهو يعد بالكثير، انما هو باق لدى الكثيرين ممن عرفوه مذ كان طالباً في الجامعة اليسوعية، فرفيقاً شاعراً وملحّناً وموسيقياً وطبيب أسنان ناجح .
اني شخصياً وقد عرفته طالباً، يتردد الى بيت الطلبة في ساحة الدباس وينشط في مديرية اليسوعية في اوجّ نشاطها وقد ضمّت عشرات الرفقاء الذين كان لهم حضورهم المشعّ في جامعة تُعتبر معقلاً للفكر الإنعزالي. ثم تابعتُ نشاطه باستمرار، وكنت التقيه مع كثير من أواصر المودة، والارتياح لنفسيته. اني ما زلتُ أذكره دائماً، وأستعيده في ذاكرتي كلما استمعت مرة جديدة الى شريطه الأول "بواب الفرح" وما تضمنه من أغنيات رائعة.
يستحق الرفيق مخول قاصوف أن يصدر عنه مؤلف يحكي سيرته الغنيّة، وهذه دعوة صادقة لمن رافقه جيداً، ويملك الكثير مما يجب أن يُعرف.
كان الصحافي سمير كامل نشر في العدد 10491 تاريخ 27/10/1991 من جريدة "الحياة" هذا البحث عن الرفيق الدكتور مخول قاصوف.
عسانا اذ ننشره، نفيه بعضاَ من واجب.
*
" لم تمنعه مهنة طبيب أسنان من ممارسة هواياته الفنية المتعددة. تدخل الى عيادته فتتناهى الى سمعك موسيقاه وأغانيه، تجلس في انتظاره، فيقع نظرك على لوحات تحمل توقيعه، وعلى مكتبه تجد ديوان شعر من تأليفه، وتكبر دهشتك عندما يحدثك الدكتور مخول قاصوف عن بحثه الجديد وما اكتشفه من دور للموسيقى في معالجة المرض.
واذا كان الرسم خصوصاً وكتابة الشعر لا يعنيان كثيراً، فان الموسيقى تظل هماً من همومه اليومية، وبين الحين والآخر نسمع جديده ويكون جديداً فعلاً نسبة الى نهجه الفني. ومخول قاصوف كان أول من غنى ما يسمى "الأغنية السياسية" في صيغتها الجديدة في لبنان في بداية السبعينات (قبل أن يظهر رموز هذه الأغنية) ومسيرته الفنية الخاصة طرأ عليها الكثير من التغيير أن من حيث الشكل أو من حيث المضمون. وبين البداية والمرحلة الحالية، اختلف منظوره الموسيقي ورؤيته الغنائية.
" البداية كانت مع نمو الحركات الطلابية ومطالبها في لبنان، ويسجل له أنه كان أول من وضع أغان تتناول القضايا الاجتماعية والأحداث السياسية وكان أول من غنى للجنوب اللبناني. ومع اندلاع الحرب اللبنانية وتخرجه من الجامعة اليسوعية، وجد نفسه في المعركة، طبيباً وفناناً، ولم يتردد لحظة في الانحياز الى رسالته الانسانية، وظل في الوقت نفسه يغني بأسلوبه الخاص.
" مخول قاصوف كان أول من رفع "الشعار" في الأغنية لكنه ادرك لاحقاً أن الفن أكبر من الشعارية على رغم أننا نرى رموز هذه الأغنية ما زالوا يجيّشون ويعبّئون أغنيتهم بشعاراتها.
ومخول قاصوف لم يغيّر في خطاب الأغنية فقط بل بدّل في مضمونها الموسيقي. واذا كان قاصوف اول من حمل الغيتار على المسرح، ليغني أغنية عربية، فهو اكتشف باكراً أن هنالك مشكلة كبيرة في ايصال أفكاره اللحنية على آلة لا تعزف "الشرقي" فعمل على "تشريق" الغيتار ، ليطال مقامات عربية أساسية في الموسيقى، فتراجعت الأجواء الغربية البحتة في جملته اللحنية، التي نشأ وترعرع عليها لتحتل مكانها الروح الشرقية، ويظهر ذلك بوضوح في "شريطه" الجديد "كلو تمام" الذي صدر أخيراً. وهو الشريط الثالث له بعد "انتو كل الحكاية" و" بواب الفرح" ويتضمن ثماني أغنيات وقّع قاصوف كالعادة كلماتها ولحّنها. وخلافاً للعادة فإنه لم يؤدها بصوته، وكلها باستثناء "مثقفون" غناها الفنان سامي حواط، ونجح في تأديتها. وحسناً فعل قاصوف عندما ابتعد عن الغناء ليقدم عملاً احترافياً بكل معنى الكلمة صوتاً وتسجيلاً وتقنية، اضافة الى قيمة العمل نفسه تأليفاً وتوزيعاً وكلمة. ويلاحظ أن قاصوف بات يميل الى اعطاء اللون الشرقي حقه في أعماله ويساعد على ذلك صوت وأداء سامي حواط.
مخول "الشاعر" لا ينفصل عن الموسيقى. فكلمته مرتبطة تماماً بموسيقاه، ولا يبدو له أنه يمكن أن يكون شاعراً خارج موسيقاه، كما لا يمكن أن يكون ملحناً، بعيداً عن أجواء كلمته، على رغم أنه غنى سابقاً أغنية من كلمات طلال حيدر، وأخرى من كلمات الشاعر الراحل كمال خير بك.
مخول قاصوف اكتسب الكثير من تجارب الآخرين، وهو يتعاطى مع الفن بعيداً عن الروح التجارية المعروفة. وعلى عكس ذلك فهو يصرف من جيبه لانتاج أعماله الفنية جرياً على عادة القلة من الفنانين الذين وهبوا أنفسهم لإعلاء شأن فنهم.
" ربما لا يعجب البعض بفني، وربما العكس، لكني لا أدعي شيئاً. أنا أعبّر عن نفسي وأحاسيسي". هو ذا ما قاله مخول قاصوف في وصف تجربته الفنية".
|