من الرفقاء الذين يستحقون ان يُكتب عنهم الكثير، رفيقاً مناضلاً عرفتَه منذ ستينات القرن الماضي، وشدّتني إليه اواصر متينة من المودة والثقة والارتياح، حتى اذا غادر الى الكويت، رحت أطمئن عنه كلما تسنى لي ذلك، الى ان عاد الى بلدته مرمريتا، فزرته متفقداً في سياق جولة حزبية قمت بها الى منفذية الحصن.
سرّني إذ التقيت به بعد غياب طويل، ومع السرور حزن عميق، اذ كان الرفيق الياس يمضي أشهره الاخيرة، مستعيناً بكمامة الاوكسجين، سجين المنزل، محاطاً بالرفقاء والاصدقاء والمحبين، وما أكثرهم.
كم تمنيتُ لو ترك لنا مذكراته، لو انصرف أحدهم الى تدوينها، لو أنه ضم الى المكتبة القومية الاجتماعية مؤلفات اخرى رائعة، كمؤلفه "حنان يا اصدقائي" الذي كان صدر عام 1968، متضمناً مقالات كان ينشرها في "النهار" في السنوات التي تلت الثورة الإنقلابية، وكان يتلقفها القوميون الإجتماعيون بشغف، وشكلّت، الى كتابات اخرى، واحة خضراء في واقع اسود.
في تلك السنوات كان الرفيق الياس مسوح احد الناشطين إذاعياً وثقافياً، كم تردّد الى منزلنا ليشرح سعاده لطلبة جامعيين، وكم التقى آخرين في أمكنة أخرى. فلا مرّة تقاعس عن واجبه، ودائماً كانت سويته العقائدية ومناقبيته وعمق تفكيره، سبيله الى القلوب والعقول.
وإذ انتقل الى الكويت كان من المجلّين في صحافتها، أكدها لي الامين شوقي صوايا وقد ترافق مع الرفيق مسوح سنوات عديدة، متحدثاً بفرح وتقدير عن تميّز الرفيق الياس سيرةً وأدباً وصحافةً وحضوراً راقياً.
*
نبذة شخصية
ولد الرفيق الياس مسوح في مرمريتا عام 1933.
انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي في مرمريتا عام 1949، وتسلّم فيها مسؤوليات محلية .
درّس في "ثانوية النهضة" بمرمريتا .
سُجن لمدة تسعة أشهر في سجن المزة بعد حادثة اغتيال العقيد عدنان المالكي عام 1955.
انتقل الى لبنان سنة 1957.
عيّن ناموساً لعمدة الاذاعة سنة 1958، وكيلاً لعميد الاذاعة سنة 1959، وكان في تلك الفترة مساعداً لمدير تحرير "البناء" حتى سنة 1960.
بعد الثورة الانقلابية تولى إدارة التحرير في جريدة "الهدف"، كما عمل في صحيفتيّ "نداء الوطن" و "الحياة".
كان ينشر مقالات في ملحق جريدة "النهار" بعنوان "الى حنان"، جمعها لاحقاً في كتاب بعنوان "حنان يا أصدقائي".
انتقل الى الكويت سنة 1969 متعاقداً مع جريدة "الرأي العام" بوظيفة مدير تحرير، وقد كانت مقالاته الافتتاحية، وعلى مدى سنوات، تعبّر اصدق تعبير عن إيمانه بمبادىء النهضة القومية الاجتماعية.
بقي مديراً لتحرير جريدة "الرأي العام" حتى سنة 1985.
اصدر في نهاية الفترة المذكورة كتاباً بعنوان "سنوات الرياح" وهو مجموعة مختارة من افتتاحياته في "الرأي العام" وقد صدر عن "دار رياض الريّس للكتب والنشر"، وأعدّ مجموعة شعرية تحت عنوان "همس الحبر".
انتقل سنة 1985 الى دمشق حيث تسلّم وظيفة مدير عام مساعد لوكالة الانباء السورية "سانا" حتى سنة 1990.
منح وسام العطاء والإبداع بموجب المرسوم رقم 24/75 الصادر عن رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي بتاريخ 16/03/2007
نتيجة اصرار صاحب جريدة "الرأي العام" (عبد العزيز مساعيد) الذي أبقى مكتب الرفيق الياس مسوح مقفلاً خلال سنوات خمس، اضطر الرفيق مسوح للعودة الى الكويت للعمل مجدداً في جريدة "الرأي العام" الا ان عمله فيها انتهى بعد سبعة اشهر بسبب هجوم الجيش العراقي على الكويت.
عاد بعدها الى دمشق ليتسلم مهام مدير مكتب جريدة "القبس" الكويتية حتى عام 2000. بعدها انتقل الى مسقط رأسه مرمريتا ليستقر فيها بين كتبه وأدويته وبستانه واصدقائه ورفقائه في القرية.
خلال عمله الصحفي اجرى مقابلات صحافية مع العديد من الشخصيات ابرزها مع كل من: الرئيس الراحل حافظ الاسد، العقيد معمّر القذافي والرئيس الجزائري هواري بومدين.
*
وفاته
بتاريخ 22/12/2007 وبعد معاناة طويلة مع المرض، غيّب الموت الرفيق الاديب والصحافي الياس مسوح. في اليوم التالي،23/12، شيّعته منفذية الحصن وأهالي بلدة مرمريتا في مأتم شعبي وحزبي حاشد. انطلق الجثمان من منزل الفقيد محمولاً على الاكّف بعد ان ادى له القوميون الاجتماعيون تحية الوداع. تقدم الموكب عدد كبير من الاكاليل في مقدمها اكليل باسم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي. شارك في المأتم عدد كبير من الامناء والمنفذين العامين وجمع من القوميين والاصدقاء، اضافة الى جموع غفيرة من مرمريتا ومختلف المناطق.
والقى اسقف الحصن المطران يوحنا يازجي(1) كلمة عدّد فيها مزايا الفقيد وقال:
"اذا كنا في هذه الايام على عتبة استقبال عيد ميلاد السيد المسيح ـــــ عيد تجسّد الكلمة ــــ فإننا نودّع كاتباً واديباً تعامل بالكلمة واعطى من خلالها ما اراده خيراً لوطنه ومجتمعه".
كما القت منفذة عام الحصن الامينة بشرى مسوح كلمة شكر باسم العائلة والقوميين، جاء فيها:
" بماذا اناديك... هل اناديك اخي... أم ابي... أم رفيقي... أم مرشدي.
لست ادري؟ ربما كنتَ كلّ ما سبق وأكثر...
يا أخي الغالي(2)
لم اكن اتصوّر بأنني سأقف وأرثيك وفي الرثاء عادةً، يعدّدون مآثر الفقيد... اما نحن فماذا نقول لهذا الجبل الشامخ من جبال أمتنا التي أحبّ وأعطى عُصارة فكره لخدمة قضايانا.
الياس.. مرمريتا بشيبها وشبابها تبكيك اليوم حزناً وألماً... الاصدقاء والاقارب والرفقاء وكلّ من عرفك يبكي فيك القلب الكبير... والرجل المتواضع... والرفيق المخلص... والكاتب المبدع.
في كل موقع حللت، كنت الوفي، وكنت الامين، وكنت الرائد.
رحيلك في موسم الاعياد ربما اردت ان تقول فيه ان الحزن يخطف الفرح من العيون، ولكن العيد يبعث الامل في الرجال الذين تركتهم ان يحفظوا إرثك وان يحققوا ما اردته لهم.
الياس... سلاماً لك وانت ترحل بجسدك عنّا بعيداً.
سلاماً لك يا اروع وأرقى الرجال.
سلاماً لتلك الابتسامة التي لم تفارقك يوماً.
سلاماً لصبرك في مقارعة المرض.
الياس مسوح... كنتَ الكلمة الصادقة والحرف الناصع، فمنحك حزبك، الحزب السوري القومي الاجتماعي، وسام الابداع والعطاء.
الياس... نم قرير العين مطمئناً فأمثالك لا يموتون.
هوامش:
(1) بطريرك انطاكية للروم الارثوذكس حالياً.
(2) توجهّت إليه هكذا، حباً وتقديراً، ولم تكن شقيقة له.
|