يُعَدّ دونالد ترامب أول رئيس أميركي يبقي على علاقته الحميمة مع مواقع التواصل الاجتماعي بعد دخوله البيت الأبيض، وبصورة خاصة موقع «تويتر». الأمر الذي يثير تساؤلات حول سياساته في المنطقة والعالم التي لم تتضح معالمها حتى الآن وهي بين سلب وإيجاب تتمايل كأوتار مبعثرة في الهواء.
فهو من خلال موقع «تويتر» يوجّه رسائل متعددة إلى العالم من دون أن يعطي اعتباراً لبروتوكولات البيت الأبيض التي حافظت على وجودها مع 53 رئيساً أميركياً على التوالي.
فلطالما اعتدنا رؤية ذاك الناطق والمتحدث باسم البيت الأبيض ليعلن المواقف الأميركية تجاه قضية ما والتي تأتي بعد مباحثات واستشارات بين الرئيس الأميركي وفريقه الرئاسي.
إلا أن ترامب غيّر الصورة التشاركية في القرارات والمواقف وكسر الروتين في البيت الأبيض، وأراد الشهرة في عالم السياسة بعد شهرته في عالم الاقتصاد، من خلال علاقته الحميمة مع «تويتر» ليصبح المغرّد الأول بلا منازع ويعبر عن مواقفه بتغريدات موجّهة لجمهوره من جهة، وخصومه من جهة أخرى. ولم نعد ننتظر ذاك الناطق والمتحدث باسم البيت الأبيض إنما يكفي أن نكون أحد متابعي ترامب حتى نكون على علم بمواقفه ومشاعره واعتباراته.
ولو حصرنا التغريدات التي قام بها منذ انضمامه إلى موقع تويتر في آذار 2009، لاكتشفنا أنها بلغت أكثر من 34.418 تغريدة. ويصل عدد المتابعين له نحو 23.313.153 متابعاً، فيما يتابع الرئيس بدوره نحو 40 مغرداً.
وفي ضوء ذلك، يتبين أنّ عدد تغريداته السنوية يصل إلى 4302 تغريدة، ما يعني أنه شهرياً يقوم بتغريد نحو 358 تغريدة. وبالتالي، فإن ترامب، يغرّد بمعدل يومي يصل إلى 12 تغريدة، أي في كل ساعة يغرّد تغريدة واحدة، على اعتبار أنه يعمل 12 ساعة، فيما الساعات الباقية مخصّصة للنوم والراحة.
وهكذا يتبين أن ترامب هو «المغرّد الأول» من دون منازع، والذي لا يفوّت فرصة إلا ويعلن موقفاً أو رأياً، أو يوجه رسالة معينة، عبر منصته الأشهر «تويتر».
ومن الأمور المثيرة، أنّه وخلال حفل التنصيب في 20 كانون الثاني، قام بـ 13 تغريدة، تناول خلالها كل ما يجري خلال الحفل وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الأسباب التي تدفع ترامب إلى استخدام تويتر في التواصل مع الآخرين.
وبالإضافة للإشكاليات التي تخلقها تغريدات الرئيس الأميركي في أوساط السياسيين والدوائر الخارجية، يبقى السؤال: هل بالإمكان التعويل على تغريداته في قراءة أفكاره المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية؟.
وتعتبر التغريدات الأهم له، تلك التي تناول خلالها العلاقات مع المكسيك، وبناء الجدار، بالإضافة إلى تغريداته المتعلقة بالمهاجرين، والاتفاقيات التجارية مع دول عديدة، وتغريداته ضدّ بيونغ يانغ وغيرها الكثير من التغريدات التي أثارت السخرية والتعجّب من كونه رئيساً للولايات المتحدة. وأهم تلك التغريدات التي وضعت علامات استفهام أمامها، كانت تغريدة «كوفيفي»، كما أطلقها ترامب على موقع تويتر، وهي كلمة غير مفهومة وأثارت الحيرة لدى المتابعين والقراء. الأمر الذي دفع بالنائب مايك كويلجي من ولاية إلينوي إلى تقديم مشروع قانون «كوفيفي» الذي سيدخل تعديلات على قانون السجلات الرئاسية، وسيلزم إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية بتخزين التغريدات الرئاسية وغيرها من مشاركات الرؤساء على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث تصبح تغريدات ترامب في السجلات الرئاسية رسمية في حال إقرار مشروع قانون «كوفيفي».
وقال كويلجي، وهو عضو في لجنة المخابرات في مجلس النواب ببيان «إذا كان الرئيس سيستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان فجأة عن أمور تتعلق بالسياسة، فيجب علينا ضمان توثيق هذه البيانات وحفظها للرجوع إليها في المستقبل». وأضاف «التغريدات فعالة وتجب محاسبة الرئيس على كل منشور». وسيمنع القانون المقترح ترامب الذي يستخدم تويتر كثيرًا من حذف منشوراته، مثلما فعل من قبل في بعض الأحيان ما دفع مواقع إلكترونية إلى حفظ تغريداته المحذوفة في أرشيف.
وقال شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض «إن تغريدات ترامب تعتبر تصريحات رسمية لرئيس الولايات المتحدة».
كما أنّ ترامب حصل على مكتبة جديدة من نوعها كما يفعل كل الرؤساء الأميركيين لتخليد فترة وجودهم في الحكم، لكن مكتبة ترامب مختصرة لا تشمل سوى تغريداته على «تويتر». وفتحت مكتبة «تويتر» الرئاسية أبوابها في نيويورك، على بعد بضع بنايات عن أبراج ترامب الشهيرة المملوكة لرجل الأعمال الذي تحوّل إلى عالم السياسة. وجاءت فكرة المكتبة من برنامج تلفزيوني أميركي ساخر هو «ذا ديلي شو»، الذي يعرض مقتطفات من أشهر تغريدات ترامب على تويتر.
ولو أردنا تحليلاً كميًّاً وكيفيًّاً حول تغريدات ترامب على موقع تويتر نكتشف أنّ الرئيس الأميركي يدرك أهمية وتأثير التغريد الإلكتروني كأداة للتواصل المباشر مع الرأي العام، وأنه ينافس في قوته وسائل الإعلام التقليدية.
فمن خلال هذه التغريدات، استطاع ترامب تحديد ووضع أجندة النقاش، وفرضها على وسائل الإعلام، كما واصل التأكيد على آرائه ومواقفه تجاه خصومه السياسيين، وقضايا السياسة الداخلية والخارجية الأميركية، بالرسائل نفسها التي كان يستخدمها قبل توليه المنصب رسميًّا. حتى لو كانت متضاربة ومتناقضة لكونها تعبر عن آرائه الآنية والتي تتغير بلحظات مما يدفعه إلى تغيير آرائه عبر التغريدات والإنترنت يتذكر كل شيء، بما يخص تناقضات مواقف ترامب الحالية مع تغريدات سابقة له.
مثلاً في 2013، عندما جرى نقاش جماهيري في الولايات المتحدة إذا كان ينبغي الهجوم على سورية بحجة استخدام السلاح الكيميائي، أطلق ترامب أكثر من عشر تغريدات ناشد فيها أوباما «لا تهاجم سورية!»، وكتب: «أوباما ملزم بأن يحصل على إذن من الكونغرس قبل الهجوم». لكنه هاجم هو نفسه سورية من دون أن يأخذ أي إذن من الكونغرس.
وفي جوانب غير سياسية، وعد ترامب على حسابه في «تويتر»، بأنه حال وصوله إلى البيت الأبيض، لن يلعب «الغولف» مثل أوباما، ولكنه، لم ينقطع عن لعب الغولف مرتين في نهاية الأسبوع.
ولمن نسي، ففي العام 2013 كان ترامب هو الذي حذّر من «حرب عالمية ثالثة». يمكن لنا أن نأمل الآن في ضوء رياح الحرب التي تهبّ في شبه الجزيرة الكورية، أن يتذكّر جيداً ما غرّد به.
لابراهام لنكولن:
«إنك تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، أو بعض الناس كل الوقت، لكنك لا تستطيع أن تخدع الناس كلهم الوقت كله».
|