تميزت الفترة الرئاسية الترامبية بما قدّمته من سياسات ساهمت في فوضى النظام الدولي، وأبدعت في زيادة التوترات ليس داخل الأنظمة فحسب التي كان في رأس الأجندة الأميركية دائماً سياسة تعلو مجموع السياسات والتي تقول بضرورة تغيير الأنظمة التي لا تتناسب مع سياستها ولا ترضخ لأوامرها، بل انتقلت سياسة ترامب نحو المنظمات الدولية.
وليس هو العراب في هذه السياسة إنما هي امتداد تاريخي لما تقوم به إدارة البيت الأبيض من تجاوزات وهيمنة على الهيئات والمنظمات الأمميّة وليس فقط الإقليمية ليبدأ بتشكيل التحالفات وعقد المؤتمرات والعبث في الهيئات ورسم استراتيجيات تتخطّى في نتائجها حدود الدول الأطراف فيها.
وليست قمة البحرين ببعيدة عن قمة مكة من حيث الأهداف، ولو أنها بصورة سطحية تحمل اسم «الدعم الاقتصادي» وفي تجاوزاتها تتخطّى الحدود لتغيّر الحدود السياسية، وكذلك الحيوية للمنطقة.
وبعد إكمال السيناريو هناك دقة في الإخراج من حيث القوة الإلزاميّة لمضمون ومقرّرات تلك المؤتمرات والقمم والأحلاف الجديدة «الناتو العربي» مثال، والتالي هم بحاجة إلى إيجاد سبب حقيقي ومقنع بعد فشل سلسلة من «الخيارات المطروحة على الطاولة» من حجة التدخل الإنساني وفشل ما آلت إليه، إلى حجة التدخل المالي وفشلها، إلى حجة التدخل بالتهديد للأمن والسلم العالميين و»عدم الالتزام بالاتفاق النووي» التي فشلت أيضاً بتأكيدات اللجنة الدولية للطاقة الذرية، وغيرها الكثير..
إذاً الحجج سقطت جميعها مع ما تضمّنته الخيارات المطروحة على الطاولة.. فما كان للسياسة الأميركية إلا البحث عن سبب جديد، وإن لم يوجد توجده! فهو ليس بالأمر الصعب على سياستها وإدارتها التي لديها باع طويل حافل بتلك الأعمال..
وها هو السبب قد وجد من «رحم البحار» فحتى تقوم بواجب الدفاع عن الشرعة الدولية، وتكون «ضمير العالم» كما سبق لنيكي هايلي أن صرّحت منذ عام.. والتصريحات كثيرة..
وبما أنها تعتبر نفسها الحامي والراعي وشرطي العالم رغم أن هناك قانوناً دولياً عاماً يحكم المجتمع الدولي وينظم علاقاته وينسق الحريات ويحدد الجهات المعنية بمحاسبة الجناة في حال حدوث انتهاكات مع تعدّد محتوياته من إنساني إلى حقوقي إلى جميع التصرفات الصادرة عن الدول ضمن المجتمع الدولي باعتباره يشكّل سلطة رادعة، فكان لا بدّ من التوجه نحو البحار والاستفادة من «قانون البحار» للعب على مضمونه، وإيجاد بل خلق حجة للتدخل وفق مقتضاه بحجة «انتهاك القانون».
ولدى الولايات المتحدة سوابق عبر التاريخ في هذا المجال حيث كانت في الحرب العالمية الثانية تستهدف سفنها بالقرب من اليابان لتوفر التبرير المناسب لاعتداءاتها على اليابان.
وبما أنّ إيران أعلنت مراراً وتكراراً مسؤوليتها عن مضيق هرمز، وبالتالي هنا يكمن مربط الفرس ولصدفة القدر لم تحدث التفجيرات ضدّ السفن الناقلة للنفط، أي السفن التجارية، للمرة الثانية خلال شهر واحد، إلا عندما صعّدت كل منهما لهجتها ضدّ الأخرى، وتحديداً حينما رفضت إيران دعوة الرئيس الأميركي لها للتفاوض.
واستكمالاً للحرب الاقتصادية والطاقوية ضدّ إيران، حملتها أميركا المسؤولية عن تلك التفجيرات، لتبدأ بالبحث عن إجماع عالمي ضدّها بعد أن استطاعت في الفصل الأول من المسرحيّة حشد إجماع «عربي» ولإيجاد هذا الإجماع العالمي الذي مات في مهده، بوقوفه ضدّ الإرادة الأميركية في موقفه من الاتفاق النووي.
وبالتالي، لاحت ورقة تصدير النفط، وطرق الملاحة، وفقدان الأمن البحري والتجاري والطاقوي وكذلك ارتفاع أسعار النفط.. كل ذلك يقع في خانة التهديدات المفترضة التي تصوّرها الولايات المتحدة لحشد تأييد دولي ضدّ إيران و»جرّها» إلى طاولة المفاوضات وفق شروطها التي ستمليها إذا ما حققت نجاحاً بذاك السيناريو الذي كشفت فصوله قبل عرضه، وما هو إلا برنامج انتخابي ترامبي جديد وذريعة حرب العراق التي كانت البرنامج الانتخابي لجورج بوش الابن لم ينسَها العالم بعد وبناء عليه تعلم أنّ السياسة الأميركية الخارجية هي لخدمة سياستها الداخلية وهي لمصلحتها التوسعيّة خاصة.
سيناريو محكم مع إخراج ركيك ليس بموضع المتفوق، بل مكشوف الأهداف والنيات، فمن خلال التحقيقات التي ستقام لتكرار الفعل، وباعتبار أنّ ما حدث يهدّد أمن الملاحة الدولية، وكذلك البورصة العالمية الطاقوية، والمالية، فإننا سنعود لسيناريو استخدام المسؤولية الأممية عبر فصلها السابع باعتبار أن الانتهاك يهدد الأمن والسلم العالميين وباعتبار أن الفصل السادس قد طبق أساساً عبر العقوبات التي لم تضر سوى الشعب.
وطبعاً كما سبق وذكرنا ارتهان المنظمة الأممية لإرادة وأوامر شرطي العالم الأميركي قد جعلها تقلب الحق باطلاً وترسم تدخلاته وتطبيق قوانينه وفصوله الدبلوماسية والزجرية وفق الأهواء الأميركية..
وما يريده ترامب من خلال سلسلة الخطوات الاستفزازية التي أمر بها تجاه طهران وحشر نفسه في الزاوية الخطرة، بتعطيل تجارة النفط الحيوية مع تجنّب الهجمات المباشرة، يمكن أن تهزّ الاقتصاد العالمي، وبالتالي بحسب مخططه سيسارع المجتمع الدولي إلى التعاون من أجل تأمين الملاحة الدولية ووصول الطاقة، من «التهديد الإيراني لإمدادات الطاقة العالمية»، وبالتالي تدويل أمن الملاحة في الخليج ونشر قوات دولية في منطقة مضيق هرمز بذريعة حماية ممرات النفط وحماية السفن المدنيّة وناقلات النفط وتعديل الاتفاق النووي بإشراك دول أخرى وضمّ ملف الصواريخ الإيرانية.
والتحدّي أمامه هو التوصل إلى إجماع مع الصين وروسيا واليابان والأوروبيين بعد أن تمّ مع الخليجيين إنما فشل السيناريو قد ثبت قبل تنفيذه، فكيف الحال بنتائجه؟..
|