معضلة سورية لم تفكّ رموزها بعد، وما أرادته الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ سنين لم تدرك منه ما يسدّ رمق عطشها لذاك التراب.
منذ اندلاع حرب 1967 وتوالت الإدارات وتعاقبت الاستراتيجيات نحو هدف واحد «كيفية السيطرة على سورية».
لم يتمكّن مديرو البيت الأبيض من حل ذاك اللغز العصي عن الحل وتلك الشجرة الراسخة في الأرض القابعة تحت شمس الحرية والمقاومة للرياح العاتية.
وما فشل في تحقيقه المدير السابق للبيت الأبيض أتى من بعده مَن يكمل سيناريو السيطرة إن بسياسته نفسها أو بصياغة سيناريو جديد يحنك فيه ويجمع له ما أتى من حنكة حقوقية وسياسية واستراتيجية هجينة تشمل ما أمكن من أساليب وأدوات استُخدمت سابقاً وتُجرّب للمرة الأولى علّها تجد لدمشق من مفتاح يفتح أحد أبوابها السبعة..
وما بعد تحرير درعا ليس كما قبلها، ومع توالي السنوات السبع العجاف على شعبها أدرك حق الإدراك ذاك المدير «التاجر» أنه لا يملك من الأمر شيئاً، وليس في جعبته سوى ما يملكه «لاعب الخفة»، إذ يعلم المشاهدون حق المعرفة أنّه فقط لتسليتهم.
أقرّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ سحب قواته كآخر ورقة يملكها في سورية هو مقابل تحقيق «الأمن القومي الإسرائيلي» ركيزة بلاده الأساسية في المنطقة. وكان العرض سحب الوجود الإيراني من الجنوب السوري، لا بل من كل الأراضي السورية وما تبعه من ضغط على الحكومة الإيرانية من الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني إلى فرض العقوبات الاقتصادية وصولاً إلى محاولة الاستثمار الأميركي في الداخل الإيراني بحجة «دعم المطالب الحقوقية الشعبية».
في هذه الأثناء، جاء الجواب الإيراني بالتهديد بـ «إلغاء مضيق هرمز». فإذا لم تتمكن إيران من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز، فلن يتمكن الآخرون أيضاً من فعل ذلك. كما جاء على لسان علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، مشدداً على «عزم بلاده على تصدير نفطها بمعزل عن العقوبات».
أما عن الوجود الإيراني في سورية ومحاولة ترامب المساومة مع روسيا عليه، فإنّ المستشارين العسكريين الإيرانيين سيغادرون سورية، إذا قالت السلطات الشرعية إنها ليست بحاجة لهم. هكذا كان الردّ الإيراني من وسط موسكو من دون إعارة أية أهمية، لما تصدح به الحناجر الأميركية و«الإسرائيلية» وكذا «المعارضة السورية».
وللتشديد على فشل وموت ذاك المطلب قبل أن يتصدر القمة الرئاسية المرتقبة بين الرئيس الروسي ونظيره الأميركي شدّد الإيراني بـ «الحرف الواحد» نحن سنوجد هناك وفق تقديراتنا، وكما نرى ذلك ضرورياً، وفِي بعض الأحيان سنؤدي دورنا في سورية بشكل مكشوف، وفِي أحيان أخرى بشكل مستور، وذلك بما يتناسب مع سياستنا المشتركة مع كل من روسيا وسورية.
بطبيعة الحال، واشنطن تسعى إلى «إخراج» إيران من سورية، بالضغط على طهران نفسها. معتمدة على سيناريو ترى فيه أنه «عندما لا يمتلك الإيرانيون الموارد اللازمة لدعم الموالين لهم ، فإن ذلك سيجبرهم على الرحيل»، مستخدمة «نتنياهو» لتقديم خدمات وساطة لبوتين في الحوار معها، علّ الاثنتين تجدان لدى الصديق الثابت لسورية وحليفتها إيران ما يسدّ رمق ثماني سنوات من الحرب!..
إنما ما يراه بوتين أنّ مطالب تل أبيب ومن خلفها واشنطن من موسكو «مستحيلة» وتعنون بـ «أن تنسحب إيران من سورية تماماً». وليس لدى موسكو أيّ قوة لإجبار صديقتها الثابتة دمشق أو حليفتها طهران ما يجبرها على اتخاذ مثل هذه الخطوة.
في الواقع، لدى موسكو مصلحة في شيء واحد فقط «أن لا تندلع حرب في المنطقة»، وأن لا تدعم «تل أبيب»، طواعية أو لا إرادياً، الإرهابيين الذين يحاربون الأسد.
في المحصلة يمكن أن تقلص طهران وجودها العسكري في سورية، برغبة مشتركة منها، ومن دمشق، لكنها لا تريد مغادرة البلاد بالكامل، وليس لدى موسكو ما يفكّ معضلة دمشق، ولربما تملك مفتاح الصداقة الثابتة، إنما مفاتيح دمشق السبعة مع شعبها وقيادتها وجيشها…
|