إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

في بيروت وبغداد.. حياكة سيناريو من نوع آخر

سماهر الخطيب - البناء

نسخة للطباعة 2019-11-01

إقرأ ايضاً


على مدى أيام متتالية صدحت في الشوارع اللبنانية كافة حناجر اللبنانيين بمطالب شعبية ناقمة على السلطة السياسية والسياسات الاقتصادية. وكان المشهد الأبرز فيها توحيد الجميع تحت العلم اللبناني بعيداً عن أيّ مظهر من مظاهر الطائفية اللبنانية.. فكانت الثورة عفويّة، في أيامها الأولى تشارك فيها كلّ الناس من جميع الأطياف والمناطق، وكان الشعب يضُخ بالشارع وجعاً وقهراً، فقراً وتعتيراً، فكانت الصرخة والدمعة موحَّدة، وكان الوجع حقيقياً يُسمَع عبره صوت الغضب والحاجة للتغيير..

كان الشعب يداً واحدة بوجه الفساد والظلم، ولكن سرعان ما انقسمت وتسيَّست هذه الثورة خاصة بعد أن أصبح أحد المطالب نزع سلاح حزب الله .. واستحواذ جهات معروفة بارتباطاتها الخارجية على التظاهرات وبدأ ظهور أموال السفارات، لتتبلور الخطة الأساسية لزعزعة الشارع اللبناني، وخلق ثورة تشبه الثورة السورية .. الهدف منها إسقاط الحكومة والعهد، وخلق فراغ دستوري، ونزع سلاح المُقاومة، والانجرار نحو خريف دموي يحمل في طياته حرباً أهلية تحت مسمّى تغيير و لبنان ينتفض …

وبات واضحاً أنّ المطلوب من الحراكات بلا لفّ ولا دوران هو رأس المقاومة ، إذ إنّ ما يحدث اليوم هو حروب بالوكالة بين أنظمة صمّمها الاستعمار ليكون الفساد عمودها الفقري، وهي اليوم في نهاية مدة صلاحيتها وبين حركات تحرير ومقاومة متحالفة مع روسيا والصين القطبين الصاعدين اللذين يصبوان إلى عالم متعدّد الأقطاب. في المقابل يخوض حلفاء القطب الأوحد الأميركي المأزوم، حرباً وجودية ظناً منهم أنّ حليفهم الأوحد باقٍ لا يضعف..

وما شاهدناه بالأمس على جسر الرينغ وسط بيروت، من دموع تلك الفتاة «الأميركية» اللبنانية التي رفضت حرق علم «إسرائيل» تحت مسمّى أنها ضدّ الكراهية، وغيرها الكثير من التصرفات التي لا تمتّ للثورة الإصلاحية بصلة من اعتداءات مشبوهة وألفاظ «دونية» علنية تستهدف رموز الدولة وتطال هيبتها لينقسم الشارع ويصبح بيئة حاضنة للفتن التي باتت علنية مع نداءات بالحذر والتركيز على المطالب الإصلاحية إنما على ما يبدو أنّ لا حياة لمن تنادي!

وبالرغم من أن لا أحد يستطيع إنكار أحقية مطالب المتظاهرين التي جاءت كنتيجة للنظام الطائفي والإقطاع السياسي والمحاصصة، فكان الفساد الذي بات كـ «السرطان» المستشري في مؤسسات الدولة نهباً للمال العام وينعكس على المواطنين فقراً وبؤساً وحرماناً يوماً بعد يوم حتى باتت مطالبهم هي حقوق أساسية من أساسيات الحياة كالماء والكهرباء لتزيد الطين بلة زيادة الضرائب يوماً بعد يوم مع ارتفاع العجز ليصبح الدين العام حوالي 100 مليار دولار.. حتى أصبح سقف مطالبهم إزالة هذه المظالم وتغيير هذا النظام الطائفي..

لكن التغيير المطلوب لن يتمّ بين ليلة وضحاها ولن يتمّ عن طريق التظاهر في الشارع حتى 100 يوم، وكذلك لن يتمّ عن طريق قطع الطرقات وزيادة الأزمة الاقتصادية، فهذا النظام الطائفي والإقطاع السياسي الذي انبثق عنه الفساد كتحصيل حاصل هو صنيعة الاستعمار الفرنسي وعملائه ومتنفذي الطوائف منذ 100 سنة إلى يومنا هذا.

ويتمّ تغيير هذا النظام بالإصلاح بطريقة مدروسة ومنظمة، من خلال قانون انتخاب على أساس الدائرة الواحدة والنسبية الكاملة ومن خارج القيد الطائفي، وهذا القانون كفيل بإنهاء كلّ ما يشبه الإقطاع السياسي ومعه حماياته الطائفية والمذهبية. كما أنّ محاسبة الفاسدين لن تتمّ في فراغ إداري ومن دون مؤسسات حكم كالقضاء مثلاً. والبدء يكون بشعار واحد وهو «محاسبة الفاسدين وإرجاع الأموال المنهوبة»، وبالتالي ستكون هذه العملية نفسها المساهم في إسقاط الإقطاع السياسي لتؤدّي بالنتيجة إلى نظام جديد.

أما عن قولنا بأنّ هناك من يستهدف المطالب المحقة وتوجيهها نحو مطالب مشبوهة ضدّ سلاح المقاومة، فإنّه لا يخفى على أحد ما يمرّ به الكيان الصهيوني من وضع مأزوم بوتيرة متسارعة، كما لم يكن من قبل، وعندما يهتزّ الكيان الصهيوني تهتزّ معه مراكز الهيمنة في واشنطن.. وفي هذه الحالة غير المسبوقة فسيهاجر نصف المستوطنين من فلسطين، حيث إن جميعهم ما زالوا يحتفظون بجنسياتهم من البلدان التي جاؤوا منها.

وهذا ما يفسّر مساعي الولايات المتحدة وحلفائها لتأمين مصلحة ربيبتها إسرائيل عبر إثارة الداخل اللبناني ضدّ المقاومة وحزب الله بعد أن فشل العدو الصهيوني بمواجهة هذه المقاومة التي باتت تشكل تهديداً وجودياً له لعلمه أن لا وجود له وأنّ الحرب مع كيانه الغاصب حرب وجود وليست حرب حدود..

وربّما ما قاله بنيامين نتنياهو في 27 تشرين الأول الماضي، في جلسة مجلس الوزراء المصغر الشرق الأوسط يمرّ بهزة أرضية مرة أخرى، إذ يعصف لبنان ويعصف العراق، بينما تتقدّم إيران قدماً، وبسرعة في كلّ هذه المساحات ، يفسّر خوف الكيان المهزوز من اجتياح يهدّد وجوده.. وليكمل سيناريو هذا الخوف الصهيوني من تمادي قوة المقاومة واتساع قاعدتها الشعبية تحذير الجنرال أفيف كوخافي من «اندلاع حربٍ شاملةٍ متعددة الجبهات»، محذراً من أنّ «حزب الله قادر على إدخال كلّ إسرائيل للملاجئ».. وبالتالي بات واضحاً تفسير المطالب التي استغلت التظاهرات الشعبية للمطالبة بـ»نزع سلاح المقاومة» و»إسقاط العهد».. ولا ننسى ملف أكثر من 200 عميل دخلوا إلى لبنان تحت غطاء من السفارة الأميركية، في الفترة التي سبقت الثورة بأسابيع قليلة ليتضح أنهم لم يدخلوا عبثاً في هذا التوقيت تحديداً!

والجدير بالذكر أنّ أهم ركيزتين في استراتيجية العدو تقومان على الحروب القصيرة، والقتال خارج أرضه المحتلة.. والركيزة الأولى في اعتماده على الحروب القصيرة أصبحت في خبر كان بعد فشلها الذريع أمام استراتيجية المقاومة والتي استطاعت أن تصمد بل وتهزم هجوم العدو لمدة 33 يوماً في لبنان وأكثر من 50 يوماً في غزة..

أما الركيزة الثانية في اعتماده على الحروب في أراضي الغير فقد تغيّرت بحيث انتقلت الحرب بفعل المقاومة لتدور داخل أرض الكيان نفسه، وتطال كل مرافقة ومدنه ومعسكراته وبنيته التحيتة.

كما أنّ الولايات المتحدة الأميركية أعلنت أنّها ستكشف عن تفاصيل صفقة القرن في منتصف شهر تشرين الأول وليست مصادفة توقيت الحراك اللبناني وكذلك العراقي في توقيت الكشف عن التفاصيل. فتأخير هذا الإعلان رغم أنّه نتيجة لعدم فوز نتنياهو بالانتخابات إلا أنه من غير المستبعد أن يكون التخطيط للحراك اللبناني والعراقي هو أحد تفاصيل تلك الصفقة. . فما يحصل في العراق هو نسخة طبق الأصل عما يحدث في لبنان. بعد أن قام الأميركيون بـ»لبننة» العراق عقب حرب 2003 ليصبح النظام العراقي نظاماً طائفياً قائماً على المحاصصة وجيء بالفاسدين على ظهور دبابات الاحتلال بما في ذلك الدستور الذي لا يمكن له إلا أن ينتج الفساد.

والحلّ في العراق كما في لبنان إصلاحات تصل لاقتلاع هؤلاء الفاسدين تلقائياً عبر تنفيذ أجندة إصلاحية وطنية قائمة على محاربة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة..

وما قلنا عنه من أسباب إثارة الشارع اللبناني ضدّ المقاومة ينطبق على الشارع العراقي، خاصة أنّ رئيس الوزراء الحالي خرج عن «الطاعة» لأميركا وتجاوز الخطوط الحمراء الأميركية مع ذهابه إلى الصين وإبرام الاتفاقات التجارية والاقتصادية وإجرائه المحادثات مع روسيا لشراء منظومات «أس 400» للدفاع الجوي من روسيا واتهامه «إسرائيل» بالهجوم على المنشآت العسكرية للحشد الشعبي، ومؤخراً إعلانه رفض بلاده ورشة البحرين الاقتصادية لـ «تصفية القضية الفلسطينية» وبالتالي كلّ تصرفاته مجتمعة أشعلت الغضب الأميركي لتشعل الشارع العراقي مستغلة المطالب الإصلاحية ووجب تغييره..

الخطة مدروسة وواضحة و المندسّون حاضرون والشعب هو الوسيلة لتحقيق غايات البعض المُتآمر…

 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024