ترافق مع معركة الجنوب السوري تحرك «إسرائيلي» في الأيام الماضية عدا تصريحات نتنياهو واتصالاته المكوكية التي ترافقت مع تقدّم الجيش السوري واستعادته أكثر من 1800 كم من سيطرة المسلحين. الأمر الذي دفع بالقِيادَة العَسكريّة «الإسرائيليّة» إلى إطلاق صاروخَين على مُحيط مَطار دِمشق الدَّولي، بذريعة ضَرب مَخازِن أسلحة ومُعَدَّات عَسكريّة لـ»حزب الله» اللُّبنانيّ.
ولأن للمنطقة الجنوبية من سورية والتي تضم إلى درعا محافظتي القنيطرة والسويداء، خصوصيتها التي تكتسبها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع الأراضي المحتلة والأردن، عدا عن قربها من دمشق. فإن هذه الخصوصية دفعت بـ»إسرائيل» إلى التهديد العلني، بأنّها ستتصدى لأي تقدم للجيش السوري باتجاه الجنوب، مؤكدة أنها ستدعم الفَصائل المسلحة، وستوفر لها مظلة قوية من الحماية، ولكن احتمالات الدخول في مواجهة مباشرة مع الروس والجيش السوري أيضاً جعلها تدرك يقيناً أنها لا تَستطيع تنفيذ وعودها هذه. فكان موقف نتنياهو السياسي المطالب بالعودة لتطبيق اتفاقية فك الاشتباك مع الجيش السوري المبرمة عام 1974.
وكشف نتنياهو أنه يجري «اتصالات مستمرة مع البيت الأبيض ومع الكرملين في هذا الشأن، كما أن وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي يُجريان اتصالات مماثلة مع نظيريهما في الولايات المتحدة وفي روسيا على حد سواء». لتكلّل تلك الاتصالات بزيارة رسمية إلى موسكو في محاولة عبثية منه لرصد بعض التصريحات التي قد تثلج قلبه!
وتزامناً أعلن الجيش «الإسرائيلي» عن إرسال تعزيزات عسكرية الى هضبة الجولان «تحسباً لأي طارئ» فيما يشهد الجنوب السوري هدوءاً حذراً بسبب مفاوضات بين الروس والمسلحين في جنوب سورية برعاية أردنية، في محاولة الى التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار.
من جهتها، كانَت الرِسالةً الروسية واضحة في الغارات التي شنتها على مواقع «النصرة»، وجيش خالد بن الوليد التابِع لتنظيم «داعش» لم يجد داعموهم صعوبة في فك شفرتها، تقول بأنّ قَرار استعادة الجنوب السُّوري إلى سيادة الدولة المركزية في دمشق، جاءَ ليس بِضوء أخضر روسي، وإنما بالمشاركة الروسية الميدانية أيضاً.
بدورها كانت واشنطن وفية لعهدها في التخلِي عن حلفائها، ولاستراتيجيتها المعهودة في استنزاف الجميع لأجل مصالحها ثم تركهم يواجهون مصيرهم الأسود وحدهم، فبعثت برسالةً صَريحةً وواضحة إلى قادة الفَصائِل المسلحة، تقول لهم فيها «إنها لن تتدخل عسكرياً لحمايتهم، وإنّ عليهم مواجهة النمر السوري وحدهم، وتحمل مسؤولية قراراتهم».
فيما يسعى الرئيس الأميركي من خلال قمته الاستثنائية مع نظيره الروسي إلى جني المبررات والتعويض لسحب قواته المرابطة في التنف إلى خارج الأراضي السورية.
الرئيس الأميركي و»التاجر العقاري» دونالد ترامب كانَ صريحاً وواضحاً، عندما أكد أنّ بِلاده أنفقت 70 مِلياراً في سورية، وكان المقابل صفراً مكعباً، ولهذا قرَّر الانسحاب، وترك ملء الفَراغ للحكومات الخليجيّة «السعودية والإمارات» التي انخرطت في المَشروع الأميركي الفاشل في سورية والعِراق وليبيا واليمن، وهي تكتوي بنار الحرب في اليمن مُنذ ثلاث سنوات، وتعجز عن تحقيق أي تقدم فيها ما يجعلها عاجزة عن تلبية المطالب الأميركية في سورية.
وما لم يدركه المسلحون أنّهم كانوا مُجرَّد أداة من الأدوات الأميركية في إطار مخططاتها التقسيمية للمنطقة، لإضعاف الدول التي تقف في خندق محور المقاومة. وعندما فشلت هذه المخططات قَررت الانسحاب من المشهد بِهدوء، ومن دون أن تَذرف دمعة واحدة، ناهيك عن قطرة دم واحدة، دفاعاً عن هؤلاء الذين راهنوا عليها، واعتقدوا أنها حليف يمكن الاعتماد عليه.
«إسرائيل» مرعوبة وتضرب ما بين هنا وهناك لإخفاء فشلها، وازدياد حالة ارتباكها، وضيق الخناق حول عنقها، فقد أغارت مئة مرّة في السنوات الخمس الماضية على العمق السوري، وظلت سورية صامدة، تكظم «الغيظ»، وتقاتل على سبعين جبهة في الوقت نفسه.
وتؤكد الانتصارات المتدحرجة في الجنوب السوري تكرار نموذج حلب والغوطة، ومعركة الجنوب السوري تُكمل معركة الغوطة، من حيث إن الأمور تسير وفق إرادة ورغبة وقرار دمشق بتحرير وتطهير كل شبر من تراب هذا الوطن من الإرهاب لتبدو معركة الجنوب باتت في خواتيمها ولحظاتها الأخيرة بعد انهيار وتهاوي المجاميع الإرهابية المتمركزة هناك. وهذا يعني أننا مقبلون على مرحلة جديدة من الحرب في معارك لم تنضج ظروفها بعد، قد تكون الأشرس والأصعب، لأن المعركة المقبلة والتي سوف تكون الأخيرة هي مع المشاريع والطموحات الإرهابية والاحتلالية والتقسيمية في الشمال والشرق السوري.
|