تحدث الأمين الياس جرجي قنيزح في الصفحات 75-79 من كتابه "مآثر من سعاده" عن محاولة الاغتيال التي كان سيتعرّض لها سعاده، فيما هو يقضي محكوميته في سجن الرمل.
كان الرفيق الراحل فريد صباغ اطلعني على هذا الامر ذاكراً لي اسماء وتفاصيل، وكلما حاولتُ تدوين معلوماته كان يمانع:
- بكرا بتقراها بمذكراتي. مؤكداً لي انه منكب على تدوين الكثير من المعلومات التي تفيد تاريخ حزبنا.
لكن المذكرات لم تصدر، فلربما دوّنت ولم تصدر. فعسى يتحقق ذلك، فلا نخسرها كما خسرنا مذكرات أخرى كان مفيداً جداً أن يصدرها امناء ورفقاء رافقوا مسيرة الحزب، فضاعت مع رحيلهم معلومات ثمينة جداً لن تعوّض.
ما يعرضه الامين الياس جرجي قنيزح ننقله بالنص الحرفي:
"بعد أيام قلائل من بدء الحملات المسعورة التي شنّتها سلطات الإرهاب على الزعيم والقوميين الاجتماعيين يأتي احد أفراد الدرك المكلّف(1) بحراسة غرفة انفراد الزعيم الى رفيق من ذويه ليهمس في أذنه بحذر مكدود خشية انكشاف أمره ويقول: " الزعيم في خطر شديد، وفي نية السلطة القضاء عليه. وقد قدّم إليه اليوم طعام مسموم وكان على وشك تناوله ووقوع الكارثة الرهيبة لكنني غامرت بوظيفتي وحياتي وأعلمته بالأمر فامتنع حالاً عن الطعام واعلن الإضراب المستمر عن كل طعام وشراب منذ ظهر هذا اليوم. وقد طلب الزعيم منّي إعطاء المسؤولين خارج السجن علماً بالمؤامرة النكراء ليصار الى اتخاذ التدابير الواجبة عاجلاً ".
فما كان من إدارة الحزب المركزية التي تتولّى القيادة حينذاك بمنتهى السرّية والترقّب إلا أن أعلمت أحد أقرباء(2) الزعيم بضرورة إقامة دعوى شخصية على السلطة بوصفه القريب المخوّل بالمطالبة بحياة الزعيم وسلامته وتحميل السلطة مسؤولية كل ما قد يناله من أذى في السجن ويتعرّض له من خطر متهماً إياها بمحاولة اغتياله بينما هو قيد التوقيف والتحقيق القضائي. ثم قام المركز بتوزيع بيان مفصل على الصحف والرأي العام شارحاً الواقعة ومحذراً من عواقب المؤامرة على حياة الزعيم. وقد أُرسلت نسخ من البيان الى جميع سفارات الدول العربية الموجودة في كيانات الوطن السوري، كما أُحيطت جميع المؤسسات الدولية علماً بالحادث بموجب البيان نفسه مع مذكرة رسمية وُجّهت إليها باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي. وقد وُضعت صفوف الحزب بأقصى حالات التأهب والاستنفار لمواجهة أسوأ الاحتمالات وأخطرها . وكان الاضراب عن الطعام قد عمّ جميع سجون لبنان بين القوميين الاجتماعيين وبقية السجناء قاطبة.
ما أن دَرَتْ الحكومة بتدابير الحزب واستعداداته حتى سارعت الى الإعلان بواسطة أبواقها المأجورة من صحفية وسواها عن اهتمام القضاء الشديد بإجراء التحقيقات العادلة والسريعة مع الموقوفين من أعضاء الحزب السوري القومي الاجتماعي كي يصار بالتالي الى الإفراج عن الابرياء منهم. وهي تسهر بكل وسائلها على تأمين راحتهم وإنصافهم وفق مقتضيات العدالة والقوانين المرعية . إبّان تأكيد السلطة على تطبيق القانون واعتمادها العدالة أساس التعامل مع الموقوفين قيد التحقيق توقفت جميع الملاحقات العشوائية ثم بادرت السلطة الى الإفراج عن عدد من المساجين غير المسؤولين، خلال أيام.
ولم يمضِ بعض الوقت على تعميم استعدادات الحزب على من تَسُول له نفسه أن يستهين بالقانون ويستخف بسلامة الانسان وكرامة المواطن حتى تمّ الإفراج عن الزعيم وجميع الموقوفين القوميين الاجتماعيين.
كم كان حرص السلطة آنذاك شديداً ودؤوباً للتنصّل مما أُشيع عن محاولة اغتيال الزعيم في سجنه وكم سعت بشتى الوسائل والأساليب لإزالة آثار الحادثة من الاذهان وطيّه نهائياً.
اما الرفيق الدركي الذي عرّض نفسه لأشدّ الأخطار من أجل إنقاذ حياة زعيمه فقد غادر الوطن حيناً ثم عاد عندما تبدّلت الأحوال السياسية.
وهذا نموذج من فعل الأعضاء السريّين في تحقيق الأعمال والأفعال الجبارة.
ما زال كتمان الأسرار في الحزب وسيظل واجب القومي الاجتماعي من ضمن القسم لنكون قادرين تحت كل الظروف على صون كرامة الامة وسلامتها بكل إخلاص وكل عزيمة صادقة وبإعتزاز عزّ نظيره في التاريخ."
هوامش:
(1) لم يرد في الكتاب اسم الدركي، او اسم "الرفيق من ذويه"، إنما اذكر أن الرفيق فريد صباغ كان أورد لي الاسماء، مع الاسف لم ادوّنها في حينه، ولم أعد أذكرها.
(2) كما اعلاه.
نأمل من كل رفيق يملك معلومات تفيد النبذة أعلاه
ان يكتب الى لجنة تاريخ الحزب
|