اذا كان حزبنا قد دخل الى كل قرية وبلدة ودسكرة والى كل عائلة وعشيرة، واعضاؤه من كافة الطوائف والمذاهب في امتنا، وفي صفوفه انضوى رفقاء من كل المهن والاختصاصات ومن كل المستويات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فإنه ايضاً عرف رجال دين من كل الطوائف، وبعضهم منح رتبة الامانة تقديراً على ثباته في عقيدته ونشاطه، وتمكنه من التمييز بين عمله للسماء، وبين عمله الآخر لتلك العقيدة التي تعمل لتحسين الحياة على الارض.
نذكر منهم المتروبوليت فيليب صليبا(1)، الامين الاب نديم وسوف، الرفيق الاب ميشال خوري (غويانيا – البرازيل)، الرفيق الاب يعقوب عبد المسيح (الحاكور– عكار)، والرفيق الاب حنا اسطفان (الولايات المتحدة)، وغيرهم ممن نأمل ان نتمكن من الاحاطة بهم جميعهم.
*
من الكتب التي استوقفتني قديماً فقرأتها، طبعة اولى وثانية، كتاب "همجية التعاليم الصهيونية"، مؤلفه الاب بولس حنا مسعد، والتقديم للكاتب محمد خليفة التونسي(2)، انما لم اكن اعلم ان الاب مسعد قومي اجتماعي الى ان قرأت له وعنه، وقرأت رسالتيّ الزعيم إليه:
" في الاولى، تاريخها 2 آب 1946 يقول له سعاده: " ايها الرفيق العزيز والاب المحترم: كان سروري كبيراً لورود
خبر انضمامك الفعلي الى صفوف حركتنا السورية القومية الاجتماعية بعد ان كنت منضماً إليها في العقيدة والفكر. واني لا ازال اذكر نداءك الصريح القومي في "العاصفة" الذي كان حقه ان يلاقي اسماعاً مصغية وافهاماً واعية. وكم كنت متأسفاً، في ذلك الحين، على عدم حصول اتصال شخصي وثيق بيني وبينك كما كنت اتوقع وارغب، وعلى انتدابك وسفرك الى مصر قبل ان تقوى المعرفة ويتوثق التفاهم بيننا. فقد كنت اشعر، منذ قراءتي نداءك في "العاصفة" وطبعك كتابك في "ابن سينا" ان قضايا هامة من تخطيطي السياسي الاجتماعي لحياتنا القومية التي بعثتها نهضتنا توجب ان يطلع عليها وببعضها مفكر نابه في مثل وظيفتك ومركزك وكما اعتقد، مما وقفت عليه من حيويتك و وعيك ونشاطك الروحي، انك اهل له، خصوصاً بعد اتضاح تحليّك بمتانة العقيدة والخلق ومتابعة الغرض الاسمى الواضح، بانضمامك النهائي الى الحزب بعد جميع الزعازع السياسية التي هبت على قضايا الامم السياسية، وعلى قضيتنا القومية-السياسية بنوع خاص.
هذا الشعور وهذه الرغبة، ارسلت، بعيد وقوفي على خبر انضمامك السار، اهنئك في كتاب ارسلته الى الرفيق اسد الاشقر، باتخاذك هذه الخطوة الفاصلة التي اتوقع من ورائها، اعمالاً مفيدة لتحقيق غايتنا الكبرى"
في رسالته الثانية، تاريخ 14 آب 1946، يطلب إليه الزعيم ايصال رسالة مرفقة " الى المركز في بيروت بطريقة امنية مستعجلة وبعيدة عن الشبهة، وقد رأيتُ ان اكلفك بإيصالها لاني لم اعد اثق بالبريد رأساً نظراً لانقطاع الاتصال بيني وبين المركز كما اخبرتك في كتابي السابق". ثم يضيف: "واذا امكن ان ترسل او توصل الى الشوير الى احد القوميين الامناء هناك ليسلمها الى ممثلي مركز الحزب في المهرجان الذي يجري هناك في 25 آب الحاضر(3) فلتؤخذ التدابير لتحقيق ذلك"
*
قبل ذلك بـ39ـ سنة، وقبيل انتمائه الى الحزب، نشر الرفيق الاب بولس مسعد المقالة التالية:
" انا كاهن ماروني، ولكن قبل ان اكون كاهناً فانا ابن هذا الوطن، مهبط الوحي والالهام، ومثال الكمال والجمال، فلا تنتظروا مني الا ان اقول فيه الحق الصراح لان الايمان حببني بالوطن.
" كذلك يجب ان تعرفوا ايضاً اني لا انتمي الى حزب من الاحزاب السياسية التي منيت بها بلادنا العزيزة لاني اكره السياسة الهدامة، سياسة النواب والوزراء والنفعيين وبائعي الوطن بأكلة عدس، لذا ان اطرائي او تقريعي صادر عن درس عميق للاسباب والمسببات.
" لكل امة تاريخ، ولكل شعب رجال. والامة التي تفوّق الاغيار بالمجد والسمو هي تلك التي تقدم للبشرية نوابغ ومصلحين اكثر من شقيقاتها، وهذا مما لا يختلف فيه اثنان.
واذا اخذنا هذا المقياس، وتأملنا على ضوئه تاريخ امتنا السورية المحبوبة، نجد اننا ابناء انبغ شعب وانبه أمة أدت رسالتها الى الانسانية واصلحت خللها في عصور عديدة بتعاليمها ومراشدها، لذلك لا تعجبوا اذا وضع الزعيم الفذ في مبادىء الحزب الاساسية المبدأ الثاني، وهو: "تستمد النهضة السورية القومية الاجتماعية روحها من مواهب الامة السورية وتاريخها السياسي القومي".
" نعم، يجب ان نستمد روح قوميتنا من مواهب امتنا، وما مواهب الامة الا سير عظمائها المدفونة في طيات التاريخ، لاننا اذا استمددنا روحنا من غيرنا صرنا شخصية ممسوخة لا قيمة لها ولا وزن، وفقدنا شعورنا بوجداننا ومزايانا ومقدرتنا على الاستنباط والاختراع.
" قطعت امتنا السورية مراحل من اجل تاريخها كانت فيها قدوة في الذكاء والعبقرية و التمدن والحضارة. فأجدادنا هم الذين ابتدعوا الحروف الهجائية اعظم وافيد ثورة فكرية اندلعت السنة لهيبها في العالم.
هم الذين مخروا البحار وغالبوا الامواج الصاخبة واخضعوها، يرفرف العلم كما على الارض اليابسة .
هم الذين اكتشفوا المناطق السحيقة واستخرجوا من احشائها الكنوز وبنوا بلدانا عليها بالفن والعمل.
" هم الذين نفحوا العالم بالفلاسفة الخالدين كزينون، والشعراء الموهوبين كأيوب وابن المعرّة، واللاهوتيين المبدعين كافرام ويوحنا فم الذهب، ويوحنا الدمشقي.
هم الذين افتتحوا البلدان الكثيرة واستعمروا اخرى ببطولتهم وبأسهم...
فلماذا اصبحنا بعد هذا الجاه العريض والمجد الاثيل بلا دليل في مرافق الحياة ونواحيها الفكرية، فنقبل على جميع المأكولات لسد جوعنا، ونستسيغ كل ينبوع لارواء ظمئنا، ونهرع الى كل الملبوسات لستر عرينا، وننغمس في قلب الغرب لنقتبس ظلالا و اشبحاً نحوك منها شخصيتنا المقتربة من الاحتضار اذا لم تداركها ايدي مفكرين ناضجين كزعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي .
للحياة شرائع جديدة ونواميس ازلية وضعها مبدع الحياة الاعظم، والشعب الذي لا يكون على اتصال بماضيه يعاكس الحياة القائلة: "التاريخ محكمتي العليا" فيستحق نقمتها.
ولما كنا شعبا لا يعرف شيئاً عن ماضيه المجيد فعلينا و قد لاحت لنا الطريق واضحة، بفضل مجهود الزعيم سعاده، ان ننفض غبار الكسل والخمول، ونتعلم الصدق والتضحية، ونأخذ مثلنا العليا من تاريخ امتنا العريقة كقول الزعيم البليغ: "في النفس السورية كل علم، وكل فلسفة، وكل فن في العالم".
" هذه الكلمة من قبيل الاستيحاء الذاتي الوطني، فعلى كل وطني حر ان يحفرها على الواح قلبه وان يثابر على العمل بجد. فلا يمضي علينا الا القليل حتى نعود فنتبوأ المنزلة التي كانت لنا تحت الشمس".
*
الرفيق الاب بولس مسعد في مركز الحزب.
في كتابه "من الجعبة"، يروي الامين جبران جريج عن الزيارة التي قام بها الاب مسعد الى مركز الحزب في العام 1937، يقول:
" ــــ هل حضرة الزعيم موجود؟ سأل الاب المحترم. من شكله يبدو انه كاهن ماروني. كاهن وفي مركز الحزب، ويسأل عن الزعيم وهو ليس على موعد ؟. انه لأمر مريب.
ــــ كلا يا ابونا، أجبته، وانا ارحّب بمقدمه بكل ما وسعني من لطف وكياسة، ودعوته الى الدخول الى مكتب عمدة المالية، مكتبي، فلبى.
" عرّفني بنفسه: الاب بولس مسعد. قادم، وان على غير موعد، لتقديم نسخة من كتابه عن "ابن سينا". انه يهدي هذه النسخة الى الزعيم ويرجوني ان اقوم، بالوكالة عنه، بها العمل.
" قرب ظهر ذلك النهار حضر الزعيم الذي كنت احاول الاتصال به فلم اوفق. حكيت ما جرى مع الكاهن المحترم وقدمت له النسخة. تناولها مني وابتسم وقال: انه الرفيق بولس مسعد، جميل منه هذا الاهداء يحمله بنفسه الى الزعيم.
*
عن جريدة "صدى النهضة"
نشرت "صدى النهضة" في عددها بتاريخ 6 تموز 1946 الخبر التالي:
"وصل من مصر الاب الجليل بولس مسعد المحامي الكنسي لقضاء فصل الصيف في ربوع لبنان.
وفي زاوية بعنوان "واحدة للجموع" نشرت "صدى النهضة" مرتين للاب مسعد.
•الاولى بتاريخ 17 تموز 1946، كتب ما يلي:
الحياة ظالم ومظلوم
والمظلوم الذي يستطيع خلع نير الظلم عن كتفيه ولا يفعل، فإنك تظلمه مضاعفاً اذا حاولت تحريره.
• والثانية بتاريخ 9 آب 1946 اذ كتب:
الاحزاب الطائفية في الامة الواحدة دليل على تفسخها الاخلاقي وتفككها الاجتماعي.
*
انقطاعه عن الحزب
لم نقع على اي دليل يفيد ان الرفيق الاب بولس مسعد تابع انتظامه الحزبي بعد استشهاد سعاده.
*
بطاقة هوية
ولد الرفيق بولس مسعد في بلدة عشقوت (كسروان) عام 1913.
دخل الرهبانية المارونية عام 1926 في دير القديسين سركيس وباخوس في عشقوت (دير الحريق).
سافر الى روما وفيها اكمل دروسه اللاهوتية في مدرسة "البروبوغندا" حيث حاز على دبلوم في اللاهوت والفلسفة.
عاد الى لبنان وسيّم كاهناً عام 1936.
تقلّب في عدة مناصب رهبانية وارسل عام 1952 الى افريقيا برفقة مواطنه القس الياس الحاج حيث وضعا الحجر الاساسي لبناء كنيسة ومدرسة ومستشفى في مدينة "اكرا".
عاد الى مسقط رأسه عشقوت واخذ يشغل وقته بخدمة الرعية والتأليف. اصدر عام 1956 مجلة "الاصول التاريخية" بمعاونة المؤرخ الشيخ نسيب وهيبة الخازن.
*
مؤلفاته
- الذكرى في حياة المطران جرمانوس فرحات.
- فلسفة في خيال
- الذكرى القرنية الثانية للمجمع الاقليمي اللبناني.
- المجمع الماروني المنعقد سنة 1580
- للحقيقة والتاريخ.
- ابن سينا الفيلسوف.
- الذكرى الاربعينية
- الورد المنثور في ظهور ام النور.
- كتاب اليوبيل القرني الثاني للرهبانية الحلبية المارونية في وادي النيل
- رفيق المسافر في مصر (بالفرنسية).
- كيف تبى العائلة ؟
- المرشد الامين في تأملات القديس اوغسطين (نقل من اللاتينية الى العربية)
- المشاعل (قصة تاريخية بمشاركة الشيخ نسيب وهيبة الخازن
- سجوني (من عيون الادب الايطالي)
- وله عدة كتب كانت معدّة تحت الطبع، وابحاث علمية وتاريخية وأدبية في صحيفتيّ الاهرام، والمقطم، ومجلة الكتاب، ومجلة الشرق، والمنارة اللبنانية، والعاصفة، والشهباء مما لو جُمعت لزادت صفحاتها على مجلدات.
*
وفــاتــــه
في 9 ايار عام 1960 وجد الاب بولس مسعد مقتولاً في سيارته في منطقة مجدلبعنا(4) (قضاء عالية) والروايات عديدة حول مقتله. منها انه راح يتعاطى، تهريب الالماس بين افريقيا ولبنان. وقد اتهم شريكه في التهريب جورج زوين باغتياله.
وكانت "البناء" قد نشرت في عددها بتاريخ 23/10/1960 القرار الظني الصادر بحقه.
وبتاريخ 15/03/2005 نشرت "النهار" نص الرسالة الواردة من المهندس فواز محمد عبد الخالق وفيها:
" ورد في صحيفتكم الغراء الصادرة في 16/02/2005 في الصفحة 13 تحت عنوان "احصائية للاغتيالات السياسية قبل عام 1975" كان من ضمنها مقتل الاب بولس مسعد بتاريخ 13/05/1963(5) في مجدلبعنا.
يرجى العلم بأن مقتل الاب بولس مسعد كان نتيجة خلاف بين اعضاء احدى شبكات مافيا تجارة الالماس بين افريقيا ولبنان، وذلك بحسب صحيفة "لسان الحال" في الاعداد الصادرة في 15، 16، 17، 18 و 19/05/1963 ولسوء حظ البلدة فقد وقعت الجريمة في خراجها "
هوامش:
(1) صرّح المتروبوليت صليبا الى الرفيق جو صوايا وقد كان في زيارة له مع وفد من الطلبة القوميين الاجتماعيين في بوسطن، انه كان انتمى الى الحزب على يد الامين شوقي صوايا.
(2) من مؤلفاته: "الخطر اليهودي: بروتوكولات حكماء صهيون".
(3) هو المهرجان الذي سمي "بيوم الاصلاح" الذي اقيم في فندق قاصوف في ضهور الشوير، في اول ايلول 1946. مراجعة النبذة المعممة عنه عبر الدخول الى موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(4) تفيد الرفيقة ديما عبد الخالق معلوف ان والدها الرفيق فايز (ابو رمزي) هو من اكتشف جثة الاب مسعد مقتولاً في سيارته، فسارع الى ابلاغ القوى الامنية بالامر.
(5) تاريخ الاغتيال، الصحيح هو عام 1960 لا عام 1963.
|