إذا كانت عائلة معلوف في لبنان قد اشتهرت بأن منها أدباء وشعراء كثيرين، في الوطن والمهجر، ومثلها عائلة البستاني، وفيها بطرس وسليمان وفؤاد افرام، فإن من حق عائلة أبو شديد في المطيلب (المتن الشمالي) أن تفخر أن منها شعراء، معروفين، منهم من وافتهم المنيّة، كالشعراء الرفقاء إيليا أبو شديد، ميشال ابو شديد، وجميل أبو شديد، ومنهم أيضاً، الرفيق نبيل الملاح الاخ غير الشقيق للرفيقين ايليا وميشال ابو شديد(1) المستمر في ابداعه وله نرجو كل عافية ودوام الإنتاج.
الأكثر شهرة بينهم، وقد ترك اثنتي عشرة مجموعة شعرية على مدى 42 سنة من العطاء، هو الرفيق إيليا أبو شديد. عنه نلقي بعض الضوء .
*
ولد الشاعر الرفيق إيليا أبو شديد في بلدة المطيلب في 26 تشرين الثاني عام 1934. باكراً، وهو طفل في الرابعة من عمره، فقد أباه، ثم خسر والدته التي تزوجت ثانية من السيد حنا ملاح، من الفريكه، فاعتنى به عمه بطرس أبو شديد(2) .
دراسته الأولى في مدرسة الناشئة الوطنية في الفريكة لمؤسسها ومديرها الأديب والمؤرخ الرفيق جورج مصروعة، ثم تابع دراسته في معهد الرسل في جونية، حتى إذا بلغ السادسة عشرة من عمره غادر عام 1950 إلى غانا ليعمل في التجارة، كالكثيرين من أبناء المتن الشمالي الذين وجدوا في شاطئ الذهب(3) مجالاً جيداً للربح، ومنهم رفقاء كانوا سافروا إليها في الثلاثينات وأسسوا أعمالاً ناجحة، أمثال الأمناء أسد الأشقر، أمين الأشقر، نسيب عازار، منصور عازار، ورشيد الأشقر(4).
في شباط عام 1953 اقترن الشاعر أبو شديد من السيدة رينيه يوسف عازار وانجب منها صبياً وأربع بنات(5). إلا أنه خسر طفله وليد رضيعاً في حادث مأسوي في غانا.
عام 1964 غادر الرفيق أبو شديد غانا واستقر في لبنان، بعد أن كان زاره في العام 1955.
عام 1966 أصدر مجلة أدبية باسم "المواسم" قال في افتتاحية العدد الأول منها، الصادر في آذار 1966:
" كنت في الخامسة عشرة من العمر يوم غادرت لبنان مغترباً في غانا حاملاً طموح الشباب في صدري وحب المغامرة في عيني ومسحة يتم باكر على وجهي. وفي غانا استقبلني الرجل الذي احتضنني طفلاً. استقبلني فاتحاً لي ذراعيه وقلبه وبيته وفي دفء حنانه، في ألفة محبته وعطفه، أحسست أن والدي تجسد حياً في شخصية أخيه.
خمس عشرة سنة من عهد الفتوة والشباب أمضيتها في غانا كادحاً مجتهداً صديقاً للغانيين، وهم من أقرب الناس إلى المصادقة وأجدرهم بالمودة الصافية.
وما كان هذا الاغتراب الطويل وهذه الصداقة ليبعداني عن الجو الأدبي في لبنان، فأصدرت تباعاً أربع مجموعات شعرية "ندم"، و "ثورة" و "ليالي النار" و "بنات العشرين". وها أنا في لبنان منذ سنة وقد عدت إليه نهائياً تلبية لما كان في نفسي من الحنين إلى أرض الجدود طوال مدة الاغتراب. ومنذ سنة، ما برحت في الجو الأدبي الذي أحب، ما برحت في صميمه، أراقب، وادرس، واقارن، وأفاضل، فإذا بي على شفير الخيبة الكبرى.
لقد هالتني أصوات المهرّجين باسم الأدب هنا، وصيحات الممثلين باسم الفكر هناك وقهقهات الدجالين باسم الفن هنالك، هالني ما رأيت ولمست من فساد الذوق وضياع القيم وتهافت السخفاء على التفاهة. فعاهدت نفسي على القيام بمحاولة ما.
وها أنا في هذه "المواسم" الجديدة وبمن لها ومعها من أصحاب الفكر والقلم، حرب على الكرنفال المستشري في دنيانا الأدبية.
حرب على ما فيه من أقنعة ومقنعين يسيرون بألف لون، وألف نغمة، وألف أسلوب. يسيرون ويسيرون إلى حيث لا نحن ندري ولا هم يدرون ".
لذا كان طبيعياً أن تزخر أعداد "المواسم" بكتابات عديدة لقوميين اجتماعيين، وجدوا فيها إحدى المنابر التي أمكنهم أن يطلوا منها على الرأي العام، في مرحلة صعبة من تاريخهم تلت الثورة القومية الاجتماعية الثانية عام 1961.
من الذين كتبوا فيها، نذكر على سبيل المثال، الشاعر والأديب محمد يوسف حمود، الأمينة هيام نصرالله محسن، الأديب جورج مصروعة وكان مديرها المسؤول، الشاعر الأمين عجاج المهتار، الأديب والكاتب الياس مسوح، الأمين أسد الأشقر (باسم سبع بولس حميدان) الأمين منير الشعار .
توقفت مجلة "المواسم" عن الصدور في تشرين الأول 1966 بإنذار من وزارة الأنباء بسبب جرأة مواقفها وحرية أفكارها.
عاد الشاعر الرفيق أبو شديد إلى غانا عام 1978 بسبب الأحداث التي عصفت بلبنان، ثم غادرها في العام 1981 ليستقر نهائياً في وطنه.
*
من المعلومات التي زودنا بها مشكوراً شقيقه الشاعر الرفيق نبيل الملاح، نورد ما يلي:
في أول عهده بالشعر، أفردت له كبرى مجلات الشعر العامي اللبناني آنذاك مساحات على صفحاتها الأولى ومنها: الشحرور، صوت الجبل، الشعلة، الكروان وصوت الشاعر .
شارك في مسابقتين شعريتين: التفاح سنة 1956، والجمال وأفضله سنة 1957، نظمتهما وزارة الزراعة وكان رئيس اللجنة الحكم في المسابقتين الدكتور الشاعر سليم حيدر. ففاز بالمرتبة الأولى في كليهما. وكان التوقيع المستعار إلزامياً في المسابقتين. فوقع الأولى بإسم "الشاعر البعيد" والثانية "الشاعر الأسمر" .
أحيا عدداً كبيراً من الأمسيات الشعرية في لبنان، الشام وأفريقيا.
تغنّت قصائده بأصوات: نازك، ماجدة الرومي، جوليا بطرس، لور عبس، نقولا الأسطا، راغب علامة ونورا رحال، من ألحان: زكي ناصيف، إحسان المنذر، ملحم بركات، إيلي شويري، نور الملاح، فؤاد عواد، شربل روحانا وعبدو منذر .
شارك في برامج تلفزيونية، وكان عضواً في اللجنة الحكم في ستديو الفن في دورتيه 1988-1989 و 1992-1993.
كان لقصيدته "نهر الأيام" التي أنشدتها لور عبس من ألحان إحسان المنذر، الصدى الكبير، إذ فازت بالمرتبة الثالثة في المهرجان العالمي للأغنية في القاهرة سنة 1996.
كرّمته الحركة الثقافية – انطلياس، لمناسبة صدور مجموعته الشعرية الكاملة (الجزء الأول)، كما أقامت قداساً احتفالياً على نيّته في كنيسة مار الياس سنة 1998.
في السنة ذاتها، كرّمه "صالون العشرين" بجعله آخر رئيس له في القرن الشعرين. وتسلم درع المهرجان الرابع ليوم الثقافة الذي أقامه نادي لاجوكوند الثقافي الاجتماعي – زوق مكايل، من وزير الثقافة والتعليم العالي.
هو رائد المدرسة الثالثة في الشعر اللبناني التي تزاوج بين العامية والفصحى بطريقة حضارية متطورة .
تناول عدد من طلاب الجامعات شعره موضوعاً لأطروحاتهم وصدرت عدة دراسات عنه:
- "إيليا أبو شديد شاعر المغامرة" (دراسة للباحث جان م. صدقه سنة 1987) .
- "إيليا أبو شديد شاعر عامي مبدع" (دراسة للدكتور جورج طربيه)، ضمن سلسلة الدراسات والأبحاث العلمية تحت عنوان "مبدعون من لبنان والعالم" سنة 1992.
*
أصدر الرفيق الشاعر إيليا أبو شديد مجموعته الشعرية الأولى "ندم" عام 1955، وهي قصة شعرية، والثانية "ثورة" عام 1958، وفيها نشر أروع قصائده القومية الاجتماعية.
تعليقاً على صدور "ندم" كتب صاحب مجلة "البيدر" الرفيق وليم صعب مقالة جاء فيها(6): " أن قصة "ندم" محاولة موفقة في الأدب الشعبي القومي، تبهر عيني قارئها، وعقله، وقلبه، لمعات وهاجة في أبيات وممرات، وفصول شامخة، تضاف إليها حسنات السرد الجميل، الآخذ بعضه بسياق بعض من الافتتاح إلى الاختتام، بدون مداورة أو تعقيد ".
عام 1997 وقبل عام واحد من وفاته، صدر ديوانه الأخير "قنديل العشاق" ثم صدر له الجزء الأول من مجموعته الشعرية الكاملة.
نماذج من شعره
أصدر الشاعر الرفيق إيليا أبو شديد الدواورين الشعرية التالية:
ندم (1955)، ثورة (1957)، ليالي النار (1961)، بنات العشرين (1963)، صوت المارد (1968)، خيمة عنكبوت (1972)، قناديل الثلج (1973)، أغاني الجرح المصلوب (1982)، شعر إيليا أبو شديد (1986)، زورق البحار (1988)، وقف يا زمان (1993)، قنديل العشاق (1997)، المجموعة الشعرية الكاملة (الجزء الأول) (1997) .
*
• من قصيدته "سعاده"
الخلق والإبداع فيها مجمّعين
والفكر بين سطورها الحرّه ربي
وفيها تراث من الحدود السالفين
ومن سورية فيها تدفق موهبه
• من قصيدة "يا مبتسم للموت"
يا مبتسم للموت روحك تقدمه
قدمتها تا حييت شعب بكاملو
وسرنا على دربك صفوف منظمه
نطوي الليالي وكل غالي نبذلو ..
وكلما الوطن نادى بصيحه مؤلمه
يلاقي دمانا .. وكل ما فينا إلو ..
* *
طل الزعيم على الدني وطل الصباح
وطلت حياة بلادنـا الحره معـو
وقمنا بنهضة عامله وثورة وكفاح
حتى الوطن فوق الكواكب نرفعو
إلى أن يقول :
وكلما جاع وعطش رمل الجناح
من قلوبنا ودفقة دمانا نشبّعو
• من قصيدته "عنفوان"
عا بلادي الغالية دايب شعور
عالنبع، عالشلال، عا فيّ الشجر
عالحقل، عالوديان، عا حفافي الزهور
عا ليالي الكرم في ضوّ القمر
• من قصيدته "درب أشواك"
طل الزعيم بخط واضح مستقيم
يقود الشباب بعزم ثابت للأمام
حامل بصدرو ثورة المبدا القويم
للبلبلة والتفرقة توضع ختام
ورحنا ..
نحرك جمود الفكر ونوعي الغشيم
ونفلش خيوط النور ونهّز النيام .
*******************************
هوامش
(1) أصدر الشاعر الرفيق نبيل ملاح مجموعتيه الشعريتين "رحلة في سراب" و "كاسك يا الله" في نيسان 2004 .
(2) من مؤسسي العمل الحزبي في غانا. تعين قنصلاً فخرياً لغانا في لبنان. للاطلاع على ما كتبت عند رحيله مراجعة شبكة االمعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(3) هكذا كان اسمها. ثم تحوّل الاسم إلى غانا بعد نيلها استقلالها من الحكم البريطاني .
(4) أوردنا عدداً من أسماء الرفقاء من المتن الشمالي، كأمثلة. إنما كان غادر إلى شاطئ الذهب عدد كبير من الرفقاء من شتى المناطق اللبنانية. أولهم الرفيق رفيق الحلبي (من بشامون) وله يعود الفضل في تأسيس العمل الحزبي في البلد الإفريقي . مراجعة النبذة عنه على الموقع المذكور آنفاً.
(5) هن: فريدة، جلنار، هيام ونغم .
(6) مجلة " البيدر " ، العدد 352 ، تموز 1955 .
|