" لم يبق طويلاً منتظماً في الحزب. كان ضخم البنية. ظريف وفَكه. شِعره الزجلي يحكي الطبيعة والجمال ".
هذا ما يقوله الأمين عبدالله قبرصي عن " شاعر الضيعة " إميل مبارك، الذي، وإن لم يستمر طويلاً في الانتظام الحزبي، وربما توقف مع توقف الرفيق فريد مبارك (1) إلا أن صحف الحزب في أواخر الأربعينات عرفت جيداً قصائد الشاعر مبارك ، ومثلها القوميون الاجتماعيون الذين نشطوا في تلك المرحلة.
في كتابه " الحصاد المر " (ص 128) يورد الرفيق إبراهيم يموت عن الشاعر "الرفيق" إميل مبارك فيقول : " في العدد الثاني لشهر نيسان 1945 من نشرة عمدة الثقافة والفنون الجميلة باقة صغيرة من الزهر الفواح تتمثل ببضعة أبيات من الشعر العامي للشاعر القومي إميل مبارك يقول فيها :
بيت زغيـر بلحـف شـقيف أنــا ومـرتـي وولادي
وبصلـة وزيتـونة ورغيـف عـنـدي أحـسـن زوادي
اشـتقت لـزقـزقة العصفـور ولـريـحـة هـوا بـلادي
بـدّي ارجـع لـمّ زهـور عـن ضفـة نـهر الـوادي
ترى من منا لا يطرب لهذا الشعر فلا ينتقل معه إلى القرية والعصفور ونهر الوادي ؟
لم تكن نشرات عمدة الثقافة وحدها التي كانت تنشر للشاعر "الرفيق" إميل مبارك ، إنما كانت مجلة " الواجب " التي أصدرها الرفيق فريد مبارك في العامين 1947-1948 غنيّة بدورها بقصائد للشاعر إميل مبارك الذي أطلق عليه الصحافي الأديب رزق الله الحلبي (2) لقب " شاعر الضيعة " لأن معظم شعره يدور على وصف القرية اللبنانية .
وإذا كان الرفقاء الذين عايشوا العمل الحزبي في الأربعينات يذكرون جيداً قصائد الشاعر "الرفيق" إميل مبارك ، إلا أن أبناء أمتنا ، ولبنان خاصة ، الذين كانوا يطربون للأغاني الرائعة التي دأبوا على تردادها ، والتي كانت من ألحان الموسيقي جورج فرح (3) هي لشاعر موهوب ، اعتبره الأب روفائيل نخلة ، اليسوعي ، " نابغة الشعر اللبناني العامي " (4) .
منها :
ضيعتنـا غامـرهـا النـور
مشـرورة عـا راس التـل
مـدخلهـا درج زهــور
بتـشـوف جل بضهر الجل
بـحواضـا ورد ومنـتـور
بتضحكـلـك لمـن بتـطلّ
وبيـدوزن صوتو العصفـور
عـا شــلال موّيتـنــا
* * *
وأخرى:
كنـت زغير وصـرت كبير
برَمـت قطـار المسكونـي
غني عشـت، وعشـت فقير
وشـفت كتيـر بزمـانـي
ومـا في عـا بالـي بيعنّ
غيـر البيـت الربـانـي
* * *
ولد إميل مبارك في بلدة عينطورة (كسروان) عام 1901. بعد أن أنهى دراسته في مدرسة عينطورة للأباء اللعازاريين، عمل ثلاث سنوات في شركة السكة الحديد، وفي العام 1922 انتقل إلى التدريس في مدارس حكومية.
صدر للشاعر مبارك ديوانه " أغاني الضيعة " عام 1946 في مصر، وقدم له حبيب حاماتي، ثم طبعة ثانية، فثالثه عام 1954 على نفقة الحكومة اللبنانية.
يقول الأستاذ جوزف أبو ضاهر في العدد 39 – صيف 2001 – من مجلة " الأوديسيه " : " منتصف الأربعينات من القرن الماضي ظهرت أول أغنية تحمل توقيع إميل مبارك مؤلفاً ويوسف أسعد شهوان ملحناً. وقبل أن تصل إلى ستوديوات الإذاعة اللبنانية أنشدت على مسرح سينما برودواي (جونية) أمام لجنة من الإذاعة ضمّت بين أعضائها الشاعر الياس أبو شبكة.
" وحين سكت الكلام واللحن، وقف الجميع مصفقاً بفرح فاق التوقعات ومشت شهرة الأغنية أمامها فتمّ تسجيلها وبثها عبر الأثير لتصل إلى مستمعين جدد في لبنان وعالم الاغتراب ".
وفي مذكراته " حكاية قرن "، الصفحة 174 يروي أمير الزجل الرفيق الشاعر وليم صعب ما يلي :
" وفي الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس 11 نوار 1944 اجتمعت اللجنة المكلّفة الحكم في مسابقة " راديو الشرق " للزجل عن شهر نيسان، وكانت مؤلفة من شاعر الأرز شبلي ملاط، الشاعر ميشال بشير والشاعر الزجلي عجاج المهتار (5) وبعد تلاوة المسابقات التي بلغت الست والثلاثين، ودرسها بدقة، قررت اللجنة بالاتفاق أن تعطي الجائزة الأولى للشاعرين إميل مبارك ومالك شحيبر طوق ، فتقسم بينهما بالتساوي " (6) .
يروى أن شاعر القطرين خليل مطران قال له وكان حاضراً للحفلة التكريمية التي أقيمت للشاعر مبارك بعد صدور ديوانه في القاهرة عام 1946 : " أنا نظمت مئة قصيدة حتى استحقيت لقب شاعر، وأنت من أول قصيدة سموك شاعر ! ".
لم يحصر الشاعر مبارك قصائده في وصف الضيعة، " فتحوّلت شعراً والزجل زهراً ولوناً ولحناً "، كما يقول الأديب والصحافي فاضل سعيد عقل في ملحق " النهار " بتاريخ الأحد 8 تشرين أول 1967، إنما كان أيضاً يقرض الشعر الانتقادي، ويهاجم بجرأة الساسة المرتكبين :
ع شـعب آمـن مـيـن قلـك تفتـري رجفـة إيديـك ملطخـة بـدم البـري
حاجـي تـجمع مال، دقـت سـاعتـك ربـع سـاعة عمـر ما فيـك تشـتري
وأمام أركان الدولة عام 1947 ولمناسبة نقل رفاة الأمير بشير الشهابي الكبير من اسطنبول إلى قصر بيت الدين ، قال مخاطباً رفاة الأمير :
إنـت انطويـت وانطـوت رايـاتنـا وحامـت طيـور السّـود فوق أرزاتنـا
جوجل عضامك يا بو سـعدى وانتفض نـحنـا بحاجــة اليــوم لأمـواتنـا
قوم شـوف كيف الأرز ع كتف الجبل يبسـت شـلوحو وانقطع منـو الأمـل
قوم شوف كيف العدل عاف المحكمـة وع لوح بـاب الـمقبرة اسـمو نقـل
* * *
اقترن الشاعر "الرفيق" إميل مبارك من السيدة أدال زعتر من مدينة زحلة ، وهي كانت حائزة على شهادة الحقوق من الجامعة اليسوعية في بيروت . رزق منها بولدين : صبي وبنت .
فارق " شاعر الضيعة " الحياة مساء الاثنين 2 تشرين أول من العام 1967 ، ونقل جثمانه إلى عينطورة (كسروان) مسقط رأسه ، حيث ووري الثرى .
هوامش
(1) من كسروان . تولى في الحزب مسؤوليات عديدة محلية ومركزية . كان أديباً وكاتباً وخطيباً .
(2) من " قب الياس "، مؤسس مجلة " قب الياس " عام 1936 التي تابعت إصدارها ابنته السيدة سامية حلبي قرداحي.
(3) رئيس القسم العربي في المعهد الموسيقي. ملحن معروف.
(4) مجلة " المشرق " عدد أيار – حزيران عام 1955 .
(5) هو الأمين عجاج المهتار أحد المناضلين المميزين في الحزب السوري القومي الاجتماعي، كما زوجته الرفيقة سورية كرم المهتار. كان شاعراً زجلياً معروفاً وله عدة دواوين، منها " الزوبعة " و " قلب الحياة ".
(6) كان الشاعر المشارك يسجل اسماً مستعاراً على المسابقة. المسابقات الخمس التي نالت العلامات العالية كانت بأسماء، أنا (إميل مبارك)، غريب (مالك طوق)، ريفي، جرير، مهاجر.
نماذج من قصائده الشائعة، من ألحان الموسيقي جورج فرح
السـكوت
لـمن شـافـتني تنـهّدت من دون حكي
ورغـرغـت بالـدمع، قصدا تشـتكي
واحمّـر ورد خدودها، وتكـيت خجـل
ومـن غصـتي ما قـدرت قلاّ شـو بكي
* * *
ضميـت واقف، وهي كمـان وقفت معي
رحنـا ما قلنـا لا رجـاع ولا رجعـي
وتنَيْنـا بـها الوقـت كنـا بلا وعـي
عرفنـا شـو حكيو قلوبنا من التكتكي
* * *
لا هـي حاكتنـي ولا طلع مني حكي
ودّي يـا بـحر
ودّي يـا بـحـر ودّي
طـوّلنـا بغـيـبتـنـا،
ودّي سـلامي لبيت جدّي
وللتـوتي البـيـدارتنـا
* * *
ودّي لأهل الضيعا سـلام
وخبرهـن عـن حالتنـا،
وشـفلي إنكان بعدا الأيام
بتـذكر .. يما نسـيتـنا !
* * *
يا ضيعة ما بنساكي
يـا ضيعـا مـا بنسـاكي وما بنـسـى الـدار،
ومـش قادر عيـش بلاكي لـو مـهـمـا صـار
بعـدك مثـل مـا تركتك يــا ضيـعـتـنـا
فيكـي صفصـاف البـاكي وشـجـرات الغـار !
* * *
يـا ضيعتنـا ما بنسـاكي ولـو غبـت شـهـور،
وما بنسـى طيـب فـواكي وأرز الـمشــهـور
بعـدا النحلـي بتهـواكي وبتـشــم زهــور،
وبـحواضك ورد التـاكي مـفـتـح زرار !
* * *
الحاكورة
يا ريت عنـدي حاكورة، وكـرم وعرزال،
ورحـمـة الله بتكفيـني، ما بـدي مال !
لـو إن الأرض فراشـي، والليـل لحاف،
كنت بعيـش عيشـي هنيّي، مرتاح البال !
* * *
بسـرّب بلاقي القـدري بعـدا عالنـار،
بـلاقي مرتي وولادي كانـوا بـمشـوار
بلاقـي الكلـبي ملقوحـة قـدام الـدار
وإمي عا حجـار العتبـي بايـدا المغزال !
يا ريت عندي حاكورة ، وكرم، وعرزال !
|