إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

أنيـس حـنا مـديـوايـة ... شيـخ الورّاقيـن فـي الـجزيـرة

عمدة شؤون عبر الحدود

نسخة للطباعة 2010-12-24

إقرأ ايضاً


الامين أنيس مديواية وجه مضيء في متحد القامشلي، كما على صعيد حزبه السوري القومي الاجتماعي، وهو، إلى حمله رتبة الامانة، تولى مسؤوليات حزبية عديدة في القامشلي، ومنطقة الجزيرة، ويعتبر من بناة العمل القومي الاجتماعي فيها.

تعريفاً عنه، عن مكتبة " اللواء "، كما عن مواضيع حزبية اخرى. نورد هذه الاحاديث التي اجريت معه.


• جريدة " النهضة " العدد 514 تاريخ 25/10/20110.


أنيس مديواية (مواليد 1926 مدينة اسكندرونة) هو صاحب أول مكتبة أقيمت في الجزيرة 1946، حيث يعتبر شيخ الوراقين في المنطقة دون منافس. له كتاب مطبوع (منهل الاملاء) والعديد من القصص المنشورة في جريدة "الانتقاد اللبنانية"، وعمل أيضاً في التمثيل المسرحي. حاصل على الشهادة الابتدائية العربية والفرنسية، شغل العديد من المناصب، ويعتبر أول مدرّس للفرنسية في مدينة القامشلي، تحمل ذاكرته تاريخ الجزيرة بشكل موثق ومعرفي. كان لنا معه اللقاء التالي، حيث وجهنا إليه بعض الأسئلة عن تاريخ الثقافة والمنطقة:

س: الذاكرة الثقافية في القامشلي، وأنشط الوجوه الثقافية:

لقد أسست مكتبة (نضال اللواء) بتوجيه من والدي الأستاذ حنا مديواية، مدير مدرسة سيد قريش في القامشلي 1940 وكانت المدرسة تضم خمسة وعشرين طالباً فقط، وهي أول مدرسة رسمية في القامشلي.

كان مثقفو هذه البلدة حاملي الشهادة الابتدائية الذين كانوا قلة جداً، يقومون بالتدريس في المدارس لقلة الكادر المختص، أتذكر منهم: نديم مرعشلي، إيليا سرحان، وغيرهم.

كانت مكتبتي مركزاً تلتقي فيها الطبقة المثقفة في البلدة، فكانت بمثابة المركز الثقافي في القامشلي، علماً أن المركز الثقافي في القامشلي تأسس 1958، وكان مديره الأستاذ صلاح حجو من حلب.

وقد شجعني بعض المثقفين الذين كانوا يرتادون المكتبة أن افتتح داراً للنشر، فطبعت أكثر من عشرين كتاباً، لمؤلفين أمثال الأستاذ نديم مرعشلي، والقاص جان ألكسان والشاعر علي الزئبقي والمسرحي سليم حنا وعدنان مراد والمطران جورج صليبا والمطران دولبناغي وغيرهم، وجميع هذه الكتب طبعت من عام 1947 حتى 1958 وقد ساعدني في طباعة هذه الكتب وشجعني على طبعها، مطبعة الرافدين لصاحبها جورج هرموش ومطبعة الشباب التي ساهمتُ في تأسيسها، وأيضاً كنت مراسلاً لمجلة "الدنيا" لصاحبها عبد الغني العطري، ومراسلاً أيضاً لمجلة "الانتقاد" اللبنانية للأستاذ جوزيف هرموش.

س: حركة القوى السياسية في الأربعينيات والخمسينيات في الجزيرة:

بحكم أنني مقيم في المنطقة منذ عام 1940 لاحظت أن الحزب الشيوعي كان منتشراً في كافة أنحاء المحافظة، وبين كافة الطبقات، وأتذكر من المسؤولين عن الحزب آنذاك: آرتين مادويان، حكمت دولة، أيوب شمعون، جان صعب، نديم مرعشلي، إيليا سرحان، كريم شمعون، نديم بيطار....

أما حزب البعث فأتذكر أنه جاء إلى المنطقة عام 1947 عن طريق الأستاذ فوزي عيون السود الذي كان مديراً للمال في القامشلي. وبالنسبة للحزب السوري القومي الاجتماعي كنت أول من انتمى إليه عام 1946، ثم انتمى إليه أكثر من أربعمئة شخص منظم في كافة أنحاء المحافظة، فتأسست المنفذية للحزب التي ضمت سبع مديريات في مدن وقرى المحافظة، ولكن للأسف أثناء اغتيال العقيد عدنان المالكي، تقلص العدد ولم يستمر إلا القليل، فتوالت المصاعب على أعضائها من سجن وتعذيب.

س: الثقافة بين الأمس واليوم:

لعدم وجود الانترنت والتلفزيون في السابق، وكذلك قلة المطبوعات الرسمية وغير الرسمية، ولبعد المنطقة عن المركز (دمشق) وصعوبة إيصال المطبوعات، فكانت الثقافة محدودة، إلا عند بعض النخبة، علماً أن عدد سكان مدينة القامشلي لم يكن يتجاوز 15-16 ألف نسمة فقط بين عامي 1940-1950.

أما الآن فدور الكتاب قد تقلص، وكذلك قرّاؤه، بسبب انتشار الانترنت والتلفزيون، وسرعة الاتصالات، والمجلات والصحف التي ترد إلى المحافظة.

س: نسق الثقافة الوطنية، كيف تراه؟

باعتباري من المؤمنين بتعاليم سعاده، أجد ان هذه الثقافة غير منفتحة مع الأسف، على الثقافة السورية والحديث عن الحضارة السورية العريقة، التي انطلقت من هذه البلاد مثل أبجدية أوغاريت (رأس شمرة)على الساحل السوري وهي أول أبجدية في العالم وكذلك الحضارة الفينيقية، والآشورية والكلدانية والسومرية، لم تأخذ حقها في المطبوعات والمجال العلمي إلا مؤخراً، ما سبب ضعف الشعور الوطني القومي السوري لدى المواطن السوري، علماً ان بعض الكتّاب أخذ في الفترة الاخيرة، بنشرها وإبرازها إلى السوريين.

س: باعتبارك الموزع الرئيسي للصحف والمجلات في مدينة القامشلي ومناطقها كيف ترى حركة الشراء؟

حالياً لديّ كوكيل للمؤسسة العربية للمطبوعات، نحو ستين مكتبة متعاملة مع هذه الوكالة، وأرى ان أسعار المجلات غالية بالنسبة لدخل الفرد في هذه المحافظة، ما جعل المبيعات العامة للصحف والمجلات تنخفض إلى النصف تقريباً مع الأسف، والمؤسسة العربية السورية مشكورة جداً لسعيها لإيصال هذه المطبوعات يومياً عن طريق سيارتها رغم صعوبة الطريق وبعده.



*


• عن مكتبة " نضال اللواء"، كتب الاعلامي ادمون اسحاق على موقع "الحسكة" بتاريخ 1 كانون أول 2010، تحت عنوان " مكتبة اللواء، لواء الثقافة في مكتبة"

بعض المعالم قد نمر عليها دون ان نعيرها ادنى التفاته، لكن بعضها الآخر يتحول إلى جزء من ذاكرتنا وكياننا، ويصبح مرادفاً للمكان والزمان. مكتبة "اللواء" جزء أساسي من الذاكرة الثقافية لمدينة "القامشلي" ومثقفيها، ليست مجرد مكتبة بل مركز إشعاع ثقافي تنويري على مدى ما يزيد على نصف قرن من الزمان، وهي من المكتبات التي استطاعت ان تخلق شيئاً في وجدان الانسان الجزراوي تحديداً.

بقيت في الذاكرة متلازمة مع صورة ذاك الثمانيني صاحب الابتسامة اللافتة والاناقة المميزة، حيث يلفتك تراصف كتب "حنا مينه، نزار قباني، غادة السمان، المتنبي، طه حسين، شكسبير، هوغو" جنباً الى جنب بأناقة وثبات على رفوفها بمجلدات ذات صياغة فاخرة. تطل المكتبة على شارع "الجسرين" احد أشهر الشوارع في وسط "القامشلي"، لكن العامة اعطوا الشارع اسم شارع "اللواء" تيمناً بالمكتبة.

موقع el fasaken قصد هذه المكتبة التي تعتبر الاولى التي يتم إنشاؤها في محافظة "الحسكة"، حيث التقينا محدثنا "انيس حنا مديواية" الثمانيني ،مؤسسها وصاحبها، الذي استقبلنا مبتسماً رغم الزحام داخل المكتبة، وحدثنا عن نشأته ونشأة المكتبة قائلاً: "تعود أصولي إلى "الاسكندرونة" التي انتقلت منها مع اسرتي الى "حلب" قسراً، ومن ثم الى "القامشلي". والدي هو "حنا جرجيس مديواية" خريج كلية "ماردين" العالية، سلك في ميدان التعليم يدرّس في "الاسكندرونة" اللغتين العربية والانكليزية. نشط على المستوى القومي برفقة المفكر "زكي الارسوزي"، وحين ضيقت عليه السلطات التركية اضطر للنزوح الى "حلب" عام 1939، وعام 1940 انتقل الى "القامشلي" ليدرّس في مدارسها، وتولى إدارة اول مدرسة ابتدائية رسمية في "القامشلي"، على يديه وبتشجيع منه بدات فكرة المكتبة التي أبصرت النور في العام 1946 تحت اسم "اللواء" تيمناً باللواء السليب، فشكلت ملتقى المثقفين في البلدة من مختلف الاطياف قبل تأسيس المركز الثقافي عام 1958، ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر المطران "جورج صليبا". الاديب "جان الكسان"، الشاعر "علي الزئبق" والممثل المسرحي "سليم حانا"، وامتازت بكونها دار النشر الاولى في سورية، قامت بطبع عشرات العناوين لأدباء ومثقفي البلدة ممن ورد ذكرهم، وقد كان جلّ ما يهمني من إنشائها ان اقوم بنشر الفكر والعلم والثقافة الملتزمة. وقد جرى طبع هذه المطبوعات في مطبعة "الرافدين" منذ عام 1948، ولا أزال أذكر اليوم الاول لإفتتاح المكتبة حينما إكتظ بناؤها الصغير آنذاك بمثقفي "القامشلي" الذين حملت إليهم المكتبة الصحف والمجلات آنذاك، والتي كانت غائبة بسبب بعد المنطقة عن "دمشق" العاصمة، وصعوبة إيصال المطبوعات التي انعكس غيابها في السابق على الثقافة التي كانت محدودة إلا عند النخبة، علماً أن عدد سكان "القامشلي" كان حينها لا يتجاوز 16 ألف نسمة".

ويضيف "مديواية" متحدثاً عن الفرق بين مكتبات اليوم والمكتبات سابقاً قائلاً: "رغم ازدياد وتنوع الجرائد والمجلات التي تردنا من المؤسسة العربية السورية لتوزيع المطبوعات التي اعتبرت، منذ العام ،1983 وكيلاً لها هنا، وتعامل معي بحدود الستين مكتبة في محافظة "الحسكة"، إلا أن المبيعات قد انخفضت إلى نصف ما يردنا للأسف، ويعود جزء من هذا الامر الى ارتفاع اسعار المجلات والجرائد. بينما في السابق، اي في فترة الستينات والسبعينات، فقد كانت اغلب الجرائد والمجلات على قلّتها تنفذ ويتبادل سعرها القراء فيما بينهم، ويعقدون جلسات ثقافية يتحاورون من خلالها بما ورد سواء في الكتب أو في الجرائد، مما كان يشكل حراكاً ثقافياً غنياً ساهم في تطور المدينة ثقافياً واجتماعياً ومعرفياً. بينما تقلّص اليوم دور الكتاب والجريدة وقراؤهما بسبب انتشار أجهزة الحاسوب وشبكة "الانترنت" بجانب ثورة الشاشة الفضية.

أما عن الفارق بين رواد المكتبة اليوم وفي السابق، يضيف "مديواية": "لكل هاوٍ هدف محدد في القراءة وشراء الكتاب، وهناك قارئ جديد وقارئ قديم مستمر، وقراء الامس كانوا من الذين يهتمون باقتناء الكتب وتدارسها مع اقرانهم، ويحاولون بث حب الاطلاع والمعرفة بين الناس، أما جيل هذا الزمان فهو يطلب روايات الحب أو قصائد الغزل، وهناك من يطلب كتب الابراج والكتب الدينية وكتب الحاسوب والانترنت، ورغم هذا لا يمكن ان ينقطع ويتوقف عصب التواصل الثقافي، قد يصاب بنوع من الخمول لكنه لن يتوقف، ولا يزال هناك جهود معرفية جديرة بالاهتمام".

وحول تصوراته لأسباب تراجع الحركة الثقافية في "القامشلي" يقول: "إنشغال أبناء "القامشلي" بالعمل اليومي لتوفير لقمة عيش للعائلة، يجعل من القراءة خارج نطاق أولوياتهم، وظهور المشاكل داخل الاسرة ابعد بشكل مباشر الفرد عن القراءة والتواصل مع الثقافة بأوجهها المتعددة، وابتعدت الحاجة عن القراءة والبحث عن المعرفة، باستثناء الدراسة في المدرسة أو الكلية، ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى أن التنشئة الاجتماعية تلعب دوراً كبيراً في تعويد الفرد على القراءة والاطلاع منذ سني طفولته الاولى، فضلاً عن غياب حصة المكتبة المدرسية من المنهج المدرسي، والتي تسهم في خلق حوار مع الطالب وتحبيبه في الكتاب، كما يلعب السعر الغالي للكتاب الذي يرتبط طردياً مع السوق التجارية دوراً في عزوف الناس عن اقتناء الكتب.

ويضيف "مديواية" في ختام حديثه: "لا اشعر بلذة الحياة إلا بالعمل ونشر الافكار التي أؤمن بها في أعماقي، والذي يحفزني على الدوام هو عشقي لمدينتي وترابها الغالي وحبي الكبير لوطني الكبير "سورية" الذي أعتز به وأفتخر".

*

المحامي "الياس لحدو" يقول عن المكتبة وصاحبها: "تشكل المكتبة جزءاً مهماً من ذكريات مرحلة الشباب، وتفتح الوعي لدى أجيال الستينات والسبعينات، فقد شكلت منبراً للقاء نخبة مثقفي المدينة، وبالنسبة لي زيارة المكتبة يومياً هو جزء من نمط حياتي".

الباحث "ابراهيم محمود" يقول: " صاحب مكتبة "اللواء" ما زالت صورته تمتزج مع المكتبة في تشكيل تاريخ موحد ويث ثقافة متنوعة ".

بينما يتحدث كتاب "صراع الاضداد" لمؤلفيه "أنور عبد الحميد العسكر" و" السباهي العاني" بالقول: "متواضع بأخلاقه مملوء بشخصيته رفقاً وإنسانية ومحبة لكل الناس، عالي الثقافة ومشبع بالعلوم الحية الشريفة، فهو من خلال إدراكه العلمي، وبتأثير نشأته الاسرية الانجيلية تجده دائماً متسامحاً حنوناً صادقاً، أنيس الانسان، أنيس الوديع الذي بحب البشر. أضاء شوارع مدينته بكتب العلم والمعرفة".

*

بقي أن نذكر أن "أنيس حنا مديواية" من مواليد "لواء اسكندرون" حاصل على الابتدائية الفرنسية والسورية، وبعد خروج الفرنسيين عيّن رئيساً لمصلحة الانتاج لدى مالية "القامشلي" وعيّن عام 1958 رئيساً للجنة الدفاع عن "لواء اسكندرونة". ونجح في انتخابات "الاتحاد القومي" إبان الوحدة بين سورية ومصر ممثلاً للتربية والتعليم. يتكلم الفرنسية والانكليزية والتركية الى جانب العربية، متزوج وله ولدان وثلاث بنات وله كتاب مطبوع هو "منهل الاملاء" والعديد من القصص التي نشرت في جريدة "الانتقاد" اللبنانية.

*

• واجرى الاعلامي رضوان محمد امين حديثاً نشرته جريدة " النهضة " في عددها 519 تاريخ 6 كانون اول 2010 تحت عنوان " انيس حنا مديواية يتذكر" ،

يقول السيد أنيس مديواية: زار حضرة الزعيم دمشق عام 1948 وكان يرافقه الأمين لبيب زويا عميد الثقافة والفنون الجميلة آنذاك، والرفيق زكي نظام الدين وكنت رابعهم، وقبل الانطلاق من مكتب الحزب الذي كان في المعرض (بيروت) في الطابق الأعلى، نزلت من المكتب وبيدي صورة للزوبعة بقياس 20+20 سم أخذتها من الأمين جورج عبد المسيح الذي كان جالساً وراء الطاولة، وكلّي حماس واندفاع وألصقتها على واجهة السيارة التي ستقلنا وهي (السيارة) للرفيق زكي نظام الدين (من القامشلي).

وبدخول السيارة لاحظ صورة الزوبعة على واجهة السيارة من الأمام.

فقال لي: يارفيق أنيس من وضع الزوبعة؟..

فقلت له: أنا يا حضرة الزعيم، إذا لم ترق لكم فسوف أنزعها.

فقال: طالما ألصقتها اتركها.

وبمرورنا في ساحة البرج المكتظة دائماً بالمارة والسيارات وإذ بشرطي السير يلاحظ بأن هناك سيارة قادمة وعلى واجهتها زوبعة، فتهيأ الشرطي المذكور فوراً ورفع يده اليمنى بالزاوية القائمة وأمام الجميع ألقى التحية وفسح الطريق للسيارة لتمر وسط الازدحام الشديد، هنا ابتسم حضرة الزعيم ووجه حديثه لي قائلاً: يارفيق أنيس عملك أثمر.

واستمرت السيارة بطريقها إلى دمشق، وفي منتصف الطريق بين بيروت ودمشق وعلى الجهة اليمنى كانت هناك صخرة كبيرة قائمة (وأعتقد أنها لا زالت قائمة) ما إن وصلناها حتى قال حضرة الزعيم: هذه هي الحدود الطبيعية الفاصلة بين لبنان والشام كما رسمها المستعمر؟..

وصلنا دمشق، فنزلنا في مكتب الحزب الذي كان في عين الكرش آنذاك وكان رفيقان لنا يلعبان كرة الطاولة (البينبونغ) أحدهما كان الرفيق المحامي بشير الموصلي، والآخر لا أذكره، فتقدم حضرة الزعيم منهما (بعد التحية) قائلاً: من المغلوب بينكما؟ لينسحب، لأكمل اللعب بدلاً عنه.

بعد ذلك توجهنا لدار الأمين عصام المحايري وكان الوقت ظهراً وقبيل الغداء عنده، طلب حضرة الزعيم قراءة الصحف الصادرة آنذاك، فإذ بالرفيق نزار المحايري يلبي الطلب فيقدم للزعيم مجموعة من الصحف الصباحية، فراح حضرة الزعيم يتفحصها، وإذ به يفاجأ بالخبر التالي:

ولادة حزب جديد باسم الحزب التعاوني الاشتراكي ومؤسسه السيد فيصل العسلي، وبقراءة المبادئ لهذا الحزب الجديد تبين أن أغلب محتويات هذه المبادئ مأخوذة من مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي.

فابتسم حضرة الزعيم قائلاً: السيد فيصل العسلي قد قلّد الأستاذ أكرم الحوراني (الرفيق المفصول ومنفذ حماة سابقاً) الذي سبق أن أنشأ الحزب الاشتراكي العربي والذي مبادئه أيضاً شبه مأخوذة من مبادئ حزبنا، فرد عليه الأمين معروف صعب والذي كان موجوداً بيننا قائلاً ومستغرباً: حضرة الزعيم، السيد العسلي كان على موعد معي وإني لازلت بانتظاره وقد جرت لقاءات كثيرة بيننا وأبلغني مؤخراً أنه مستعد للقسم للحزب.

في أحد الأيام وعندما كنا نرافق حضرة الزعيم أنا والرفيق زكي نظام الدين والدكتور راتب الحراكي من داره في الشوير إلى المخيم القومي المقام على تلة الدحداح في ضهور الشوير عام 1948، ونحن في الطريق، إذ بمجموعة من الرفاق القوميين من إحدى القرى المجاورة محيين الزعيم قائلين مستنفرين: بأن بعض أفراد من حزب الكتائب يضايقونهم وقد حاولوا منعهم من إقامة الاجتماع الدوري للمديرية، وطلبوا منه بأن يسمح لهم بمواجهتهم، فابتسم الزعيم وقال: هذا شيء جميل بأن أعضاء من حزب الكتائب أخذوا يشعرون بالضيق من وجود الحزب القومي في قرى يعتبرونها قراهم ولهم وحدهم، فقال، تجنبوهم ولا أريد أي اصطدام معهم.

كنت في بيروت عام 1948 وطلب إلي الرفيق جورج هرموش والأستاذ والصحفي جوزيف هرموش صاحب مجلة الانتقاد البيروتية آنذاك أن نأخذ له موعداً من حضرة الزعيم لإجراء حديث ومقابلة صحفية، فكانت المقابلة موسعة وشاملة لجميع الجوانب، السياسية والاجتماعية، حيث دارت حول شروح في العقيدة والأوضاع اللبنانية وبعد الانتهاء من المقابلة صرح الأستاذ جوزيف هرموش بأنه لم يصادف في حياته سياسياً كان أم زعيماً كالزعيم أنطوان سعادة، بشخصيته الأخاذة وعمق تفكيره وإيمانه المطلق بعقيدته ووحدة أمته.

في صيف 1948 ونحن في مدينة القامشلي طلب إليّ الرفيق زكي نظام الدين أن نسافر إلى لبنان وليتعرف القوميون على حضرة الزعيم، فسافرنا من القامشلي إلى مدينة حلب بسيارة الرفيق زكي نظام الدين الخاصة، وبحلب رافقنا الشهيد الصدر عساف كرم، فمررنا على مدينة حماة، حيث قابلنا الرفيق إبراهيم العظم بداره والرفيق جورج حمصي ولم نوفق بمقابلة المنفذ العام آنذاك الرفيق سروري بارودي، حيث تابعنا سفرنا لمدينة المعرة أيضاً حيث الدكتور والرفيق راتب الحراكي وقبيل الفجر وصلنا إلى ضهور الشوير، حيث نزلنا بالمخيم القومي على تلة الدحداح وكان المسؤول عن إدارته آنذاك الرفيق جورج عطية.

قبل أن ينتصف النهار توجهنا نحن، والشهيد الصدر عساف كرم، والرفيق زكي نظام الدين، والرفيق الدكتور راتب الحراكي، وغيرهم ولم أعد أتذكر واحداً فقط منهم بعد مضي هذه السنوات الخمسين، توجهنا إلى الشوير حيث إقامة حضرة الزعيم فمررنا على داره فلم نجده بل وجدنا حضرة الأمينة الأولى وبناته الثلاث، صفية، راغدة، أليسار، والتي قالت إن الزعيم غير موجود بالدار، وستجدونه على بعد قريب من هنا، فاسلكوا هذا الطريق (إشارة لنا على الاتجاه الذي سلكه)، وقبل الوصول إليه إذا أحد القسيسين صادفناه راجعاً، فابتسم لنا وقال تحيى سورية، يا رفاق لا شك أنتم قادمون من الشام وتنشدون الزعيم سعادة زعيم الأمة، استمروا بالسير في هذا الاتجاه فتجدونه.

وصلنا إلى المكان المطلوب بعد اجتيازنا غابات الصنوبر الخضراء وكان الضباب يغمرها والرياح اللطيفة الناعمة تلفها، وإذا نحن أمام حضرة الزعيم سعادة بشموخه وعظمته.

فتقدم كل منا إليه بالتحية، بدأ الرفيق زكي نظام الدين يقدمنا إليه واحداً تلو الآخر إليه على اعتبار الرفيق زكي نظام الدين على اتصال دائم مع حضرة الزعيم، أكمل حضرة الزعيم حديثه مع رفيق وقريب له حول قطعة أرض تخص القريب، وبجوارها قطعة أرض مكملة لها تخص حضرة الزعيم موجهاً كلامه إلى القريب:

إنني أرغب في شراء قطعة أرضك لأضمها لقطعة أرضي لأبني عليها دار الزعامة لأن القطعتين مكملتان لبعضهما البعض كما ترى أو أني أعرض عليك شراء أرضي فما قولك:

فقال القريب: كما تريد حضرة الزعيم لتكن لك.

وبعد الانتهاء من الحديث المذكور، طلب إلينا حضرة الزعيم ومن الجميع التوجه والذهاب إلى المكان القائم وسط غابات الصنوبر العاطرة، وهناك أخذ يحدث الجميع عن المفاهيم القومية والاجتماعية وعن حضارات سورية، ثم توجه بحديثه لي وللرفيق زكي نظام الدين قائلاً سأزور الجزيرة وأزور القرى الآشورية على ضفاف الخابور، وثم أعمل على ترجمة وطبع المبادئ باللغة السريانية لأن هؤلاء المواطنين من السريان والكلدان وآشوريين بحاجة إلى إيقاظ شعورهم الوطني القومي النائم، ولحثهم على ضرورة التفاعل الاجتماعي والوطني وهكذا أخذ يتكلم عن تاريخ المنطقة وحضارتها.

في شهر آذار 1948 في حين كنت في بيروت ولدى زيارتي لحضرة الزعيم أنطون سعادة إذ برفيق يدخل قائلاً بعد التحية:

حضرة الزعيم إن مدير مديريتنا سيسافر إلى بلاد الغربة، ولدى مديريتنا رفيق بأخلاق حميدة لا يشرب، لا يدخن، متعلم، ابن العائلة. أقترح أن يكون هذا الرفيق مديراً لمديريتنا.

فرد عليه حضرة الزعيم مستفسراً.

هل هذا الرفيق له حضور قومي في لقاء القرية ويحضر اجتماعات المديرية.

وهل عمل لإدخال مواطن من القرية للحزب؟

فقال له الرفيق:

له حضور قليل في القرية، ويغيب أحياناً عن بعض اللقاءات، ولم أسمع بأنه عمل على إدخال مواطن للحزب.

فرد عليه حضرة الزعيم قائلاً:

يا رفيق إذا كانت لديك ابنة للزواج، زوجها له، لأنه لا يصلح أن يكون مسؤولاً في المديرية.



 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024