جاء في الحديث الشريف مُنِع المرء من ثلاث: " النائم حتى يستيقظ ، والصبي حتى يحلم ، والمجنون حتى يعقل"وهذا يعني ان هناك ثلاث حالات منع قاهرة للفرد تمنعه من العلم الذي قال عنه الامام علي بن ابي طالب : " لا غنى كالعلم ولا فقر كالجهل "، فيضيف الامام علي بقوله حالة منع أخرى هي الجهل.
ومن قيّدته حالات المنع المذكورة، فانه غير حريّ لا بالتمييز بين الحق والباطل،ولا بمعرفة الجيّد والرديء، ولا باختيار الخير ورفض الشر ، ولا بفعل الصالح ورفض الطالح ، ولا بالجهاد والتقدم على طريق الرقيّ وعدم اشغال نفسه بكل ما يشده الى الوراء ،ويرميه في هاوية التخلّف والانحطاط .
أما الحريّ بالتمييز فهو الذي يتمتع بالحالات المعاكسة كلياً لحالات المنع الأربع ، أي الجدير بامكانية اليقظة لا النوم ، واستطاعة الرشد لا القصور، وأهلية الادراك العقلي لا الجنون ، وصحة العلم لا وباء الجهل والجاهلية .
ومن كلمة الحريّ اشتقت كلمة الحرية التي هي امكانية الوعيّ والرشد والادراك والعلم، وبالتالي التمييز والاختيار والتصرّف والفعل بعوامل الوعيّ والرشد والادراك والعلم التي هي قواعد المناقب الاصيلة الأصلية، ومرتكزات القيَم الراقية التي تبرز في الفرد شخصيته الفردية المتفلتة من خمول النوم ، وسذاجة وانبهار الصبيانية ، وخبل وعته الجنون ، وخرافات وأوهام الجهالة والجاهلية ليصبح مؤهلاً وحرياً بأن يكون امكانية انسانية سليمة تتنبه فيها ذاتية الانسان الأتم بيقظة الوجدان الاجتماعي الانساني، فتظهر بهذه اليقظة الشخصية الاجتماعية بأبهى مظاهرها المعلنة والخفية ، والمادية والروحية ، متخلّصة بشكل كامل ومتحررة بالمطلق من موانع وقيود الغفوة والسذاجة والعته والجهل، ومتحوّلة الى حالة حركة النهضة المنطلقة من الذات الاجتماعية الواعية ، والمتحركة والناهضة بالوجدان الاجتماعي المدرك الهادف الذي عيّن مقاصده الراقية في الحياة ،وقادر على تعيين مُثُـلُه العظيمة العليا ، فكانت قيمة الحق المطاردة للباطل، وقيمة الحرية المجتثة جذور العبودية في طليعة قيَمه الاجتماعية الانسانية اللتين وصفهما العالم الاجتماعي الفيلسوف أنطون سعاده : " الحق والحرية هما قيمتان انسانيتان من قيم الانسان- المجتمع! كل مجتمع يفقد هاتين القيمتين يفقد معنى الحياة السامي ! الحياة بدون هاتين القيمتين عدم !"
الحق المفرد الفريد المطارد للباطل الذي هو قيمة من قيم الانسان-المجتمع هو غير الحق الذي اصطلح على جمعه بكلمة حقوق ، والحرية المتحررة من قيود العبودية هي أيضاً قيمة مفردة فريدة من قيم الانسان- المجتمع التي لا تقبل الجمع . والقول بالحريات الفردية الذي يعني الحقوق الفردية التي تقابلها الواجبات والمسؤوليات الفردية لا يعبّر الا عن نقص في ادراك الذين يخلطون المفاهيم ولم يدركوا كما قال المعلم سعاده : "كل لا وضوح لا يمكن أن يكون أساساً لإيمان صحيح، وكل لا وضوح لا يمكن أن يكون قاعدة لأي حقيقة من جمال أو حق أو خير، فالوضوح- معرفة الأمور والإشياء معرفة صحيحة، هو قاعدة لا بد من إتباعها في أي قضية للفكر الإنساني والحياة الإنسانية.
الحق شيء والحقوق شيء آخر . الحق قيمة من قيم الانسان المجتمع ، لا ينهض المجتمع ولا يرتقي الا بها ، وعندما ينهض ويرتقي المجتمع بالحق ينتعش كل ابنائه ويرتقون . والحقوق منح ومكاسب تمنح للفرد لقاء قيامه بواجباته وتحمّله مسؤولياته فاذا قصّر في واجباته تراجعت حقوقه ، واذا أهمل المسؤوليات، سقطت الحقوق . والحرية أيضاَ قيمة عليا من قيم الانسان-المجتمع وحياة المجتمع بدونها عدم .أما اذا كان المجتمع حراً وسيّداً على نفسه ووطنه فكل أبنائه أحرار ، وكل أجياله سادة . والذين يخلطون بين الحرية التي هي قيمة اجتماعية سامية وبين حقوق الفرد بحرية المضمونه بحرية مجتمعهم ، فان الكلام عن الوضوح والمعرفة القيمتين اللتين ورد كلام المعلم سعاده بشأنهما لم تجدا عندهم مكاناً ولا مكانة ولا اهتماماً .
الحق قيمة عليا لا تتجزأ . لقد صدق السيد المسيح حين قال : " أعرفوا الحق والحق يحرركم" ، وصدق سعاده بقوله : " اذا لم تكونوا أحراً من أمة حرة ، فحريات الأمم عار عليكم ". وصدق الامام الحسين عندما قال : " اذا لم يكن لكم دين ، فكونوا أحراراً في دنياكم ".
الثلاثة قدّموا كل ما فيهم من أجل قيمتي الحق والحرية ، فاستمروا خالدين بخلود الحق والحرية. والحق والحرية هما أرفع قيم المناقب والأخلاق والفضائل ،وكل عقيدة كانت وجهتها الحياة في هذا العالم على الأرض في الوجود ، أو كانت وجهتها الى الأخرى بعد الموت في غير هذا الوجود ولا تقوم على المناقب السليمة ، والأخلاق الحسنة ، والفضائل النافعة هي عقيدة لا تستحق أن نوليها أي اهتمام مهما صُبغت بألوان الدعاية ، وألاعيب المنطق ، ومموهات الخداع .
الحركة السورية القومية الاجتماعية هي حركة الحق والحرية، وحاجة هذه الحركة أعلنها سعاده بقوله : " الحركة القومية الاجتماعية تحتاج الى رجال أفكار لا خاملين مقلدّين "لأنها حركة نهضة. والنهضة لا تقوم وتنهض وترتقي بالنائمين والقاصرين والمتخبطين واليائسين والقانطين ، بل هي كانت ولا تزال وستستمر كما قال عنها سعاده : " ان النهضة لها مدلول واضح عندنا وهو، خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة نشعر أنها تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الاجتماعية. إلى نظرة جلية ، قوية، إلى الحياة والعالم. "
بهذا المفهوم القومي الاجتماعي بدأ تأسيس حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية ، وبهذا المفهوم أخرجت النهضة أبناء الأمة من عهد الخمول الى فجر اليقظة . وبهذا المفهوم تستمر مواكب بنات وابناء الحياة على طريق النهوض التي لا يستطيع السير عليها المتخبطون المحبطون اليائسون .وبالتمرس بقيم الحق والحرية لا مفر لأبناء الحياة من النصر .
|