رداً على رسالة تضمنت انتقادات لمقالة " لا وصول الى الشعب الا بالبطولة الواعية " اكتب هذا الجواب :
رفيقي العزيز
تلقيت رسالتك بفرح وارتياح وأمل . فرح لأنها آتية من رفيق عقيدة وتحمل اليّ أنفاس مجاهد ثابت مستمر على طريق الصراع القومي الاجتماعي رغم كل ما أصاب أبناء هذه العقيدة من ظلم الاقربين والأباعد من اضطهادات وعذابات وتهجير وتشريد وسجون وقتل واعدامات لأنهم فقط كانوا قوميين اجتماعيين أصحاء" ما تخلوا يوماً عن عقيدتهم ومبادئهم وأخلاقهم لينقـذوا جسداً بالياً لا قيمة له " كما عبر عن ذلك معلمهم الذي أتم رسالته وختمها بدمه .
اما بالنسبة للارتياح الذي داخلني بعد تسلم رسالتك فهو شعوري بأن حركة النهضة السورية القومية الاجتماعية لا تزال بخير رغم كل الصعوبات الداخلية والخارجية ، ورغم الفوضى الضاربة اطنابها في كل الاتجاهات . انه الارتياح الى ان مفهوم الصراع الفكري الذي أرسى دعائمه المعلم سعاده الذي هو الحلبة المثلى والميدان الأصلح لتنافس الرفقاء جنود النهضة السورية القومية الاجتماعية في اغناء حركة نهضة الأمة بالفكر الريادي الذي به يتغير وجه التاريخ الحضاري ، والذي به لا بغيره يخرج جميع الرفقاء منتصرين وليس خاسرين .
أما الأمل الذي أحسست به وهو الذي ما فارقني يوما ولا فارقته ، ولا ابتعد عني ولا ابتعدت عنه مثل جميع الرفقاء الذين وعوا فآمنو، وآمنوا فعملوا ، وعملوا فصدقوا في عملهم منذ ابتدأ نشاطي القومي الاجتماعي ولم أكن منتسباً الى الحزب وان كنت منتمياً الى العقيدة عن طريق اطلاعي على كتابات المعلم سعاده التي حملتني مع شلة من زملاء الجامعة اللبنانية- كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية في بيروت على تشكيل أول حلقة طلابية قومية اجتماعية بعد محاولة قلب نظام الحكم في لبنان ولم يكن ولا واحد منا في ذلك الزمن منتسباً الى الحزب السوري القومي الاجتماعي ،وقد بدأت انتساباتنا بعد تعرفنا على بعض القوميين والاطمئنان اليهم . وكنا قد أنشأنا قبل الانتساب يومها تنظيماً سريا سميناه " مكتب الطلبة وشعاره نحن طلبة انتصار ولسنا طلبة سجون "
وانطلاقاً من هذه التوطئة أحب تسجيل الملاحطات التالية :
1 -الملاحظة الاولى : مفهوم الصحة والأصحاء القومي الاجتماعي
وهذا يعني أننا عندما نقول :" القوميون الاجتماعيون الأصحاء " يعني بالنسبة لنا أن القوميين الاجتماعيين أو الأصح السائرين على طريق القومية الاجتماعية هم جماعة أصحاء وليس فيهم أصحاء وغير أصحاء الا اذا لم يتضح المعنى بما فيه الكفاية .لأن من أخذ على عاتقه أن يصلح المجتمع لا يجوز ولا ينبغي الا أن يكون صحيحاً سليماً قوياً قادراً على الاصلاح، والصالح وحده هو الذي يقدر على تنفيذ الاصلاح ، ولا اصلاح بغير صلاح كما انه يستحيل ان يقوم بالاصلاح الا الصالحون . والصالحون هم الأصحاء العاملون بمبدأ المصلحة العامة والمصلحة العامة هي مصلحة الأمة ، ومصلحة الأمة هي مصلحة جميع السوريين القوميين الاجتماعيين وغير القوميين الاجتماعيين القابلة نفسياتهم للهضم والامتزاج والانصهار في حقيقة الأمة ومصالحها وأغراضها الكبرى في الحياة ومُثـُلها العليا في تحقيق المصير العزيز . ومصلحة الأمة تعني بمفهوم الصلاح القومي الاجتماعي مصلحة أجيال الأمة منذ كانت في التاريخ المكاني والزمني الى ما سوف تكون في مستقبل العصور . أي الحفاظ على كل شبر من بيئتها الطبيعية وحماية كل أثر من تراثها الحضاري وتجديده وتنميته وترقيته بكل ما يجعله أكثر جمالاً وأرقى حضارة وأسمى فكراً وابداعاً. أما غير الصالحين فهم الذي يحتاجون الى اصلاح ليصبحوا صالحين ويساهمون مع الصالحين في اصلاح من يحتاج الى اصلاح . فاذا تراجع الصالحون الى مستويات غير الصالحين لأن الطريق طويلة وشاقة ، فلا مكان لهم اذا قطع الأمل من اصلاحهم الا السقوط على جوانب الطريق كأوراق الخريف الصفراء اليابسة ، وأعتقد انك تعرف تماما أين يكون مصير الأوراق المتساقطة اليابسة الصفراء . أما القول المألوف عند العاديين البسطاء من الناس أنه " لا يصح الا الصحيح " فانه في مفهوم نهضتنا كلام مبهم ناقص يحتاج الى تكملة والى توضيح لأن الوضوح هو الشرط الأساسي لازالة كل مبهم وقد ركـّز المعلم سعاده في محاضرته السادسة على أهمية الوضوح بقوله : " "كل لا وضوح لا يمكن أن يكون أساساً لإيمان صحيح، وكل لا وضوح لا يمكن أن يكون قاعدة لأي حقيقة من جمال أو حق أو خير، فالوضوح-معرفة الأمور والإشياء معرفة صحيحة، هو قاعدة لا بد من إتباعها في أي قضية للفكر الإنساني والحياة الإنسانية." ولذلك يجب علينا أن نكمل الجملة السابقة لتصبح : " لا يصح الا الصحيح عند الأصحاء " لأن الصحيح لا يتحقق من تلقاء نفسه بل يحققه الأصحاء . وبهذا الوضوح يستقيم معنى العبارة السابقة وتصبح واضحة ومفهومة ومفيدة .
2 – الملاحظة الثانية : مفهوم الصراع الفكري القومي الاجتماعي الباعث على الارتياح والاطمئنان
وهذا يعنى أن لا يكون الرفقاء نسخاً متكررة لشكل واحد متكرر أو لون أو رسم أو نغم أو فكرة أو قول ، بل ان سعاده قصد بالصراع الفكري كما استوعبته وفهمته صراع آراء وأفكار وخطط واجتهادات وابتكارات وابداعات لمصلحة النهوض القومي الاجتماعي بين القوميين الاجتماعيين ، وصراع مفاهيم بين القوميين الاجتماعيين وغيرهم من أبناء الأمة المؤهلين ، وصراع مصالح بين الأمة السورية وغيرها من الأمم الى جانب صراع مفاهيم وابداعات واكتشافات واختراعات بحيث لا تكون أمة ظالمة ولا أمة مظلومة . أمة سيِّدة وأمة مستعبدة . صراع تعاون وتبادل خبرات وعلوم ومعارف . وفوق ذلك صراع حياة وموت بين الأمة واعدائها الذين يعملون على ابادتها ومن حقها الوجودي والحياتي والمصيري أن تبيدهم قبل ان يبيدوها . اذن الصراع الفكري يعني رؤيا تعانق رؤيا ، وفكرة تلتقي بفكرة ، ورأي يساند رأي، ووجهة نظر تتكامل مع وجهة نظر، وخطة ترتقي بخطة فينتج من كل ذلك في الداخل انفتاح ادراك على آفاق وأبعاد لم تكن في بداية تبادل وجهات النظر سهلة البلوغ والاستيعاب والادراك والفهم . وهكذا كلما صعدنا قمة في المعرفة تراءت لنا قمم أعلى وامتدت اليها نفوسنا بوعيّ أعمق، وبفهم أقوى ، وبعزيمة أشد مخلفين وراءنا كل ما لا ينفع حمله ـ ولا يفيد التمسك به من آراء وأفكار ووجهات نظر دون التنكر له كشيء من تراثنا الماضي ، وفي نفس الوقت حاملين معنا كل مايفيدنا في نهوضنا ، ويضيء لنا طريق النهوض، ويكشف الخفايا التي تساعدنا على المضي الى الأمام الأرقى .
والصراع الفكري في الداخل مع أبناء الأمة هو صراع مفاهيم اصلاحي توعوي تعليمي ترشيدي بحيث يتعمم الوعي في الصغير والكبير ، والمرأة والرجل ، والمتعلم والجاهل ، والمتفوق والعادي . والصحي والمريض ، والخبير وعديم الخبرة ، والقوي والضعيف ، والشجاع والجبان فيعم الوعي القومي الاجتماعي العام ، والمناعة القومية الاجتماعية وكل عوامل القوة المجتمعية فتلفظ الأمة كل الجراثبم الوبائية والسوس الذي ينخر في جسم الأمة .
أما الصراع الفكري القومي الاجتماعي على صعيد الخارج فهو صراع المصالح القومية والمفاهيم الحضارية التي شعارها الأصدق والأرقى : " لقد شهد أجدادنا الفاتحين ومشوا على خطاهم أما نحن فسنضع حداً للفتوحات " وهذا الشعار هو خلاصة الفلسفة القومية الاجتماعية الانسانية التي لا تقر بشكل من الأشكال باعتدائنا على أحد أو قبولنا الأعتداء على حقوقنا من أحد ، لأن دعوة القومية الاجتماعية الى المجتمعات جميعها هي دعوة الى النهوض والرقي: الراقية منها والبدائية ، الكبيرة والصغيرة ، القوية والضعيفة ، الرجعية والتقدمية لتزداد الراقية نمواً ورقياً وقوة وتقدماً وتحمل وتتحمل مسؤولية تقديم كل ما تستطيعه لانقاذ المجتمعات المتخلفة من تخلفها من أجل ان تتخلص البدائية من بدائيتها وتخلفها وضعفها ورجعيتها فتصبح نامية قوية راقية متقدمة حيث يتحقق المستوى الحياتي الراقي الجديد لجميع الشعوب . وهذا هو التصور الفلسفي الحضاري الراقي باختصار للدعوة القومية الاجتماعية ولرسالة الأمة السورية الانسانية الساعية لخلق الانسان العالمي الحضاري الجديد الذي أشار اليه المعلم سعاده حين قال :" آمنتم بي معلماً وهادياً للأمة والناس ، وآمنت بكم أمة ً معلمة ًوهادية ً للأمم". بعد أن أعلن في خطابه في بوينس أيرس - الأرجنتين 1939 موقف سورية تجاه الصراع الهائل في العالم ومذهبها القومي الاجتماعي حيث قال :" النهضة السورية القومية الاجتماعية تعلن أن ليس بالمبدأ المادي وحده يُفسرالتاريخ تفسيراً صحيحاً ويُشاد نظام عام ثابت في العالم . وانه ليس بالمبدأ الروحي وحده يحدث ذلك . اننا نقول بأن التاريخ والحياة يُفسران تفسيراً صحيحاً بمبدأ جامع- بفلسفة جديدة تقول ان المادة والروح هما ضروران كلاهما للعالم .
اني أقول ان النظام الجديد للعالم لا يمكن ان يقوم على قاعدة الحرب الدائمة بين الروح والمادة- بين المبدأ الروحي والمبدأ المادي- بين نفيّ الروح المادة ونفي المادة الروح . بل على قاعدة التفاعل الروحي - المادي تفاعلاً متجانساً على ضرورة المادة للروح وضرورة الروح للمادة.على أساس مادي-روحي يجمع ناحيتي الحياة الانسانية . بهذا المبدأ- بهذه الفلسفة - فلسفة القومية الاجتماعية - تتقدم النهضة السورية القومية الاجتماعية الى العالم واثقة انه يجد فيها الحل الصحيح لمشاكل حياته الجديدة المعقدة والأساس الوحيد لانشاء نظام جديد تطمئن اليه الجماعات الانسانية كلها وترى فيه امكانيات الاستقرار السلمي واطراد الارتقاء في سلــَّم الحياة الجيـِّدة ".
3 – الملاحظة الثالثة : مفهوم الأمل
ان الأمل الذي أحسه يتجدد ويكبر ويملأ كل التصورات ويسري مع كل مقالة تـُكتب عن العقيدة ، وكل دراسة ، وكل محاضرة ، وكل قصيدة ، وكل كتاب ، وكل لقاء، وكل ندوة، وكل رسالة يكتبها رفيق بجوارحه وبما يمليه عليه عقله ونفسه وقلبه والضمير ، وكل أغنية ، وكل لوحة ، وكل رسم ، وكل مقطع موسيقي ، وكل نشيد ، وكل نقد مخلص . ولم تخرج رسالتك الغالية عن هذا المسار الذي يجعل الأمل يتجدد ويكبر حتى نرى النصر قاب قوسين أو أدنى . وحتى لو أردنا أن نهرب من النصر لما وجدنا الى الهروب من سبيل . وهذا ما يذكرني بمقالة جبران خليل جبران التي قال فيها عن أبناء الغد :" أما أبناء الغد فهم الذين نادتهم الحياة فاتبعوها باقدام ثابتة ورؤوس مرفوعة. هم فجر عهد جديد ، فلا الدخان يحجب أنوارهم ، ولا قلقلة السلاسل تغمر أصواتهم ، ولا نتن المستنقعات يتغلب على طيبهم . هم طائفة قليلة العدد بين طوائف كثر عددها، ولكن في الغصن المزهر ما ليس في غابة يابسة ، وفي حبة القمح ما ليس في بيدر من التبن . هم فئة مجهولة لكنهم يعرفون بعضهم بعضاً ، ومثل قمم عالية يرى واحدهم الآخر ويسمع نداءه ويناجيه . أما المغاور فعمياء لا ترى، وطرشاء لا تسمع . هم النواة التي طرحها الله في حقلة ما ، فشقت قشرتها بعزم لبابها ، وتمايلت نصبة غضة أمام وجه الشمس ، وسوف تنمو شجرة عظمى تمتد عروقها الى قلب الأرض وتتصاعد فروعها الى أعماق الفضاء "
أليس هذا حال أبناء الحياة القوميين الاجتماعيين ؟ وهل يمكن تصور وجود أبناء الغد ان لم يكونوا أبناء الحياة ؟ أليس أبناء الحياة هم الذين بعد أن يموتوا يمارسون الحياة أكثر من الأحياء الغارقين في الموت ولا ينتبهون ؟ وهل تجوز المساواة بين الأحياء الأموات الذين تتلاعب بهم الظنون والأوهام وسيئات الطوالع وبين الأموات الأحياء الذين سقطت اجسادهم بعد ان فرضوا حقيقتهم ومآثرهم العطرة على الوجود ؟
لقد كانت رسالتك بالنسبة لي رسالة فرح وارتياح وأمل .وفوق ذلك كله تعبِّر عن نفس جميلة تواقة الى الأصلح والأنفع والأفضل للقضية التي تعاقدنا على تحقيقها . واذا كانت تشتمل على بعض الانتقادات لمقالتي التي كتبتها تحت عنوان :لا وصول الى الشعب الا بالبطولة الواعية" كقولك في رسالتك :" أني وجدت في بعض الطرح هفوات متفاوتة الأهمية تعود في تقديري الشخصي إلى أسلوب التعبير مما يظهرها بغير المعنى المراد به, و قد تخرج أحياناً من هفوة أو لغط في التعبير إلى تناقض بين بعض الأفكار الواردة مما يؤدي إلى إرباك القارىء و إضعاف موضوعية البحث."
فهذا لا يقلل من قيمة رسالتك عندي وأهميتها وتعبيرها عن وجهة نظرك أو تفسيرك وتأويلك لبعض النقاط ولربما يجاريك في ذلك الكثيرون الذين ينظرون الى الأمور من الزاوية التي نظرت منها ، وقد نجد آخرين يسجلون انتقادات وملاحظات من زوايا مختلفة ولا أحد يستطيع أن يدعي المعرفة المطلقة والقول الحاسم في تفسير الأشياء.ففي الحياة الواقعية الفكرية كل الأمور نسبية والتفسيرات تختلف من شخص الى آخر. ونحن اليوم في زمن الاختصاصات. فللفيلسوف تفسيره، ولعالم الاجتماع تفسير آخر، وللاقتصادي ايضاً تفسير، وللسياسي تفسير، ولرجل الدين أيضا تفسيره ، وللقانوني المشترع أيضاً تفسيراته . وفوق ذلك تتنوع تفاسير هؤلاء وتختلف وتتناقض وتتعارض فيما بينهم . ولذلك يمكن الوقوف على أكثر من تأويل فلسفي أو اجتماعي أو اقتصادي أو ديني أو قانوني او سياسي أو ديبلوماسي أو غير ذلك . لكن في مواقف الحياة والموت . والبقاء والفناء لا يجوز التبريرأبداً لان التبرير في هذه الحالة هو سلاح العاجزين الجبناء الهروبيين .
يقول الزعيم سعاده :
" نحن أمة واقفة بين الموت والحياة ومصيرها متعلق بالخطة التي نرسمها لأنفسنا والاتجاه الذي نضعه . " ويقول أيضاً : " الحركة السورية القومية الإجتماعية لم تنشأ لخدمة الموتى وإحياء المثالب، بل نشأت لإحياء المناقب الجميلة السامية، لتحيا أمة عظيمة بأجيالها المتجددة بالتعاليم الجديدة المحيية " وبناء عليه لا يمكن أن نساوي بين الداء والدواء . فالدواء لقتل الداء والشفاء من المرض . وفي المقايل فان الداء يشتد ويقتل باستبعاد الدواء وعدم استعماله . وما تساهلت أمة مع السوس والجراثيم التي تنخر فيها الا كان مصيرها الموت والفناء . وما برر مجتمع للخونة والمجرمين خيانتهم واجرامهم الا تفكك وأصابه الانقراض . والحزم والحسم مع الخونة والمجرمين هو الدواء الذي يقضي على الخياتة والاجرام . واعتبارك كلامي عن تصنيف السيد المسيح والنبي محمد الناس في خانتين خانة المرائين المنافقين الحقودين الحسودين وخانة الصالحين الصادقين المحبين الرحيمين هفوة لا أوافقك عليه وهذه قناعتي. صحيح ان السيد المسيح قال بالمحبة ودعى الى المحبة ،والنبي محمد قال بالرحمة ودعى الى الرحمة . والقومية الاجتماعية جاءت الى الأمة كلها برسالة الأخوة القومية الاجتماعية القائمة على المحبة والرحمة والعمل للخير العام . وعلى هذا الاساس ارى انه غير واقعي ومقبول ومعقول ان يدعو السيد المسيح الى محبة الشر والآشرار . ولو كان محباً للشر لما طرد الصيارفة من هيكل العبادة ونعتهم بابناء الأفاعي والخنازير . وصحيح أن النبي محمد دعى الى الرحمة ، ولكن الرحمة التي دعى اليها هي الرحمة بمن يستحق الرحمة وليس بمن يمارس الفتنة ويعيث في الأرض فساداً . ولو كان كل من السيد المسيح والنبي محمد يعمل بمنطق مهادنة الشر وتبرير عمل الاشرار لما كانا هذان العظيمان على ما هما عليه من كرامة وتألق . وصحيح أن القومية الاجتماعية جاءت الى جميع ابناء الأمة وأجيالها الآتية ، ولكن لم تكن أبداً رسالة الى الأموات . فالأموات لا يستطيعون حمل أنفسهم فكيف تريدهم أن يحملوا رسالات أبناء الحياة ؟ ان رسول أبناء الموت الوحيد الذي بنبغي احترامه هو فقط " حفـّار القبور " الذي أشار اليه جبران خليل جبران ولا رسول سواه وهذا هو اعظم تكريم للأموات . ألم نسمع جميعاً القول المشهور والمألوف والحكيم الذي هو : " تكريم الميت دفنه " ؟ فضلا عن اراحة الأحياء مما قد يسببه بقاءه على وجه الأرض من عفن وروائح كريهة وجراثيم معدية قاتلة ؟ ولو كان النبي محمد رحيما بالمعتدين على حقوق الضعفاء لما جهز جيشا لمواجهتهم وقتالهم . ويجب ألا ننسى اونتناسى ونجهل اونتجاهل أننا لا نقاتل اعتداء على أحد ، بل نقاتل دفاعا عن وجودنا وحياتنا ومصيرنا كأمة اثبتت احداث التاريخ انها ضرورة الضرورات لبقاء الانسانية انسانية وكل ما نعيه ونؤمن به ونعمل له هو صد العدوان عن وجودنا . وفلسفة نهضتنا في هذا الشأن هي كما أعلنها سعاده وأشرت اليها وهي " لقد شهد آباؤنا وأجدادنا الفاتحين ومشوا على خطاهم أما نحن فسنضع حداً للفتوحات " أي لا نريد الاعتداء على أحد ولا نقبل الاعتداء علينا من أحد . وكلامك الذي تقول فيه : " لا السيد المسيح و لا النبي محمد و لا الزعيم أرادوا تقسيم الناس إلى فئات بل جمعهم تحت راية الإيمان بالرسالة الّتي جاؤوا بها, فإعلان أن الناس توزعوا بين المؤمن العارف والجاهل الغير مؤمن ليس إلاّ للدلالة على أهمية ميزة المعرفة و الإيمان البنّاءة في مقابل خطورة الجهل الهدّامة , أما الأسلوب الوارد في البحث جاء و كأن التصنيف يقع في خانة التمييز العنصري و مفاضلة فئة من الناس على فئة أخرى و هذا ما يتعارض مع روحية الدعوة المسيحية و المحمدية وخاصة القومية الإجتماعية.". ان هذا الكلام خطيرلا يتوافق مع ما قلته وقصدته في كلامي، فالدفاع عن النفس ليس" تمييز عنصري ومفاضلة فئة من الناس على فئة أخرى " كما ورد في رسالتك . الدفاع عن الوجود غير الاعتداء على الوجود . والمدافعون عن الحق غير المعتدين على الحقوق.ان هذا الكلام هو نوع من التبرير ليهود الداخل الخونة الذين يساعدون الأعداء على تدميرنا واذلالنا والقضاء علينا ،ولا أعتقد أنك تخالفني الرأي في هذا لأن هؤلاء هم بالضبط الذين قال عنهم سعاده في مقالته " الوطنية ": الوطنية مفقودة من السوريين وان كان يوجد فيها شيء فهو الوظائف والوظائف داء لايريد السوريون أن يشفوا منه،كما أن الوطنية دواء لا يريدون استعماله ومن كانت هذه حاله فعبثاً يُرجى شفاؤه "لولم يرض هؤلاء بتفتيت بلادنا لما استطاع المستعمر أن يفتتها ، ولولم يتنافسوا في خدمة الارادات الأجنبية طمعاً بالوظائف لما تجزأ شعبنا الى طائفيات تكفـِّر بعضها بعضاً باستثاء الوطنيين الأحرار الصادقين الذين رفضوا من البداية كل تجزأة وكل انعزالية وكل كيانية وكل انغلاق .لو كان عند أولئك الانعزاليين شيء من البصيرة والادراك والوطنية لما تنازلوا عن حقوقهم في الوطن السوري الكبير ليكتفوا بحقوق وظيفية في مزرعة منزوية في كيان صغير . هل يمكن ان نصدق ان وطنيا حراً فرنسيا او انكليزيا أو روسياً أو صينياً أو ألمانياً يتنازل عن حقوقه كمواطن فرنسي او انكليزي أو روسي أو صيني أو ألماني في كامل الوطن الفرنسي او الانكليزي أو الروسي أو الصيني أو الألماني ويستبدل حقوقه القومية والوطنية العامة بحقوق محلية وقروية او ريفية ؟ لا لا .ان الدفاع عن النفس والدفاع عن وحدة الوطن وعن وحدة الأمة هو مقاومة المعتدين وصدهم وتعطيل أدواتهم الخونة وهذا ليس تمييزاً عنصريا ً ولا مفاضلة فئة من الناس على فئة أخرى.والمساواة بين الخونة والوطنيين ليست حقاً بل باطلاً ، والخلط بين الذين يستشهدون دفاعاً عن حقوقناً وكرامتنا والذين تنازلوا ويتنازلون عن الحقوق والكرامة ليس عدلاً بل جوراً وظلماً .
أما قولك ان :" لا السيد المسيح و لا النبي محمد و لا الزعيم أرادوا تقسيم الناس إلى فئات بل جمعهم تحت راية الإيمان بالرسالة الّتي جاؤوا بها ". فهو كلام لا أشاركك فيه وكلام السيد المسيح والنبي محمد والمعلم سعاده كان واضحاً كل الوضوح بهذا الشأن . . ولا أوافق أن السيد المسيح والنبيّ محمد والمعلم سعاده جاؤوا برسالات ليجمعوا الناس " تحت راية الإيمان بالرسالات الّتي جاؤوا بها " بل جاؤوا ليوقظوا الناس ويحثوهم على استخدام عقولهم وارشادهم لما فيه رفع مستوى حياتهم والنهوض بهم الى أعلى الدرجات والمراقي . جاؤوا ليخرجوا الناس من الظلمات الى النور ومن الانحطاط الى النهضة ومن فاسد التقاليد والعادات الى أحسن المناقب والأخلاق . والايمان هو نتيجة طبيعية بعد ذلك . الوعيّ هو الأصل والايمان تابع للوعي . وعلى هذا أسس انبيّ محمد قوله الحكيم : " رُفـع العلم عن ثلاثة : النائم حتي يستيقظ ، وعن الصبيّ حتى يحلم ، وعن المجنون حتى يعقل " . أي ّ لا قيمة لايمان نائم يغط في نومه ، ولا لصبيّ طفل يلهو بألعابه ، ولا لمجنون يتخبط في عتهه وهبله . وفي عملية الجمع هذه يعني ان نجمع النائم والطفل المشغول بلهوه والمجنون مع المستيقظ والراشد والعاقل . ونساوي بينهم وندعوهم الى الايمان بالرسالات. وهذا ما تطرق له السيد المسيح حين قال: " لا تتكلموا بالحكمة عند الجهـّال فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، ولا تكافئوا ظالماً فيبطل فضلكم ". واذا رجعنا الى الرسالات المشار اليها وتمعنـّا بمضامينها وتعاليمها ندرك بوضوح وجلاء أن تصنيفاتها لم تكن تصنيفات عشوائية استبدادية بل قامت على اساس الواقع والحقيقة والنتائج المريعة التي اصابت الانسانية . وهل في قول السيد المسيح ما يدعو الى الشبهات والشكوك حين قال : "إني جئت لألقي ناراً على الأرض وما أريد إلا اضطرامها ، ولي صبغة أصطبغ بها وما أشدّ تضايقي حتى تتم . أتظنون أني جئت لألقي على الأرض سلاماً، أقول لكم: كلا، بل شقاقاً (سيفا) . ان الذين وضعوا نورهم تحت المكيال ( وزادوا ليلنا حلكاً ) ان يعلق حجر مطحنة في رقبة كل واحد منهم ويطرحوا في البحر قليل عليهم ".
وهل في كلام القرآن ما يدعو الى الذهاب بعيداً في غياهب متاهات الأوهام الذي يقول فيه : " انـَّا خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجـرٌ غيـر منون " وقال أيضاً : " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يقاتلونكم وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين ", لقد كان كلام القرآن واضحا حين قال : لقد خلق الناس جميعاً في أحسن تقويم ولكنهم لم يحافظوا جميعهم على محاسن خلقهم وكينونتهم . فمن وعى منهم وآمن وعمل الصالحات والخيرات زاده الله حسناً وزاده في عيون الناس احتراماً وتقديراً . ومن ضل وغوى وأهمل عقله وضميره وأمعن في عمل السيئات وعاث في الأرض فسادا وبين الناس فتناً رده الله الى أسفل السافلين، وجعله بين الناس محتقراً ومكروهاً . ألا يستوقفنا ملياً قول المعلم سعاده " ان الذين ولدوا في عصر مظلم ولـم تـر أنفسهم النور قط لا يرجى منهم أن يروا ببصائرهم العمياء الألوان والظلال والخطوط والأشياء والقيم والطرق واشكال الحياة ومعانيها والمثل العليا التي اعتنقتها النفوس التي ولدت في النور وسارت في النور " وقوله أيضاً : " ليس لابن النور صديق بـين أبناء الظلمة ،فبقدر ما يبذل لهم من المحبة يـبذلون له من الكراهية والبغضاء ."
ماذا يمكن أن نفهم من الكلام المتقدم اذا كان أعداؤنا الذين يريدون القضاء علينا لا يقيمون للمحبة وزناً ، ولا يعطون للرحمة قيمة، ولا يقبلون بالنور هاديا ، ولا بالاحسان وسيلة للتحابب والتآلف والعيش بأمان وسلام ؟ فبأية لغة يفهمون ؟ وبماذا يحلمون ؟ و أي مصير لأمتنا يريدون ؟ وأية معاملة منا يتوقعون؟ ومتى كان العدوان على الأحرار يواجه الا بالمقاومة ؟ وهل غير الجبناء الأنذال يرضون بعيشة العبودية ؟ وهل غير الذين مسخت بصيرتهم وادراكهم يقبلون بالمارقين والخونة والعقوقين يسرحون ويمرحون في صفوفهم ؟
جهاد أبناء الأمة لمصلحة الأمة عافية وجهادهم لخدمة الاعداء داء يجب استئصاله
تقول في رسالتك رداً على مقالتي المذكورة :"إن إعلانك : " أما العناصر التي تسربت اليها النفسية اليهودية ويمكن أن تتسرب وتتغلغل فيها فلا يمكن اعتبارها من الشعب السوري " فهو إعلان خطير لاينسجم مع روحية البحث و لا يتفق مع مبدأ القومية الإجتماعية و يتناقض مع فكرة الوصول إلى الشعب. لنأخذ على سبيل المثال الكنيسة في سورية, كلنا يعلم" أو أقله المطّلعين منا" بأن المؤسسة الكنسية في الوطن السوري تسير نحو التهوّد بكل أطيافها و مذاهبها " عمداً أو قسراً أو جهلاً " و لا سبيل هنا لمناقشة هذا الموضوع - كما نعلم بأن للكنيسة أتباع كثر بفعل العادات و التقاليد و الأعراف لا بفعل العقل..فهل هم يهود داخل؟"
وتقول أيضاً في رسالتك : " ما واجهه الحزب في بداياته من صعوبات داخلية عامة و داخلية داخلية " أقصد بها من داخل صفوف الحزب" لا يقل خطورة و شراسة عما تواجهه الأمة في يومنا هذا. لنقتدي بالزعيم و كيف عالج هذه الصعوبات.
هل قضى على نعمة ثابت أو مأمون أياس أو غسّان تويني أو ..... طبعاً لا, بل ذهب إلى معالجة فوضى الحالة النفسية الفكرية الّتي حملوها معهم إلى الحزب و أخذ الإجراء المناسب من وحي صون مصلحة الحزب و الأمة بطردهم من صفوف الحزب و ذهب بشرح عللهم و مدى خطورتها على النهضة ثم وضع التعاليم الواضحة للخروج من هكذا فوضى."
حالتان مختلفتان تمام الاختلاف ولا يجوز وضعهما في سلة واحدة وقد ابرزتهما أنت بشكل لا يحمل على الاشتباه والخلط حين قلت في الحالة الاولى :
1 - " أن المؤسسة الكنسية في الوطن السوري تسير نحو التهوّد بكل أطيافها و مذاهبها " وفي الحالة الثانية :
2 –"معالجة فوضى الحالة النفسية الفكرية ". في الحالة الأولى تقول ان المؤسسة الكنسية في الوطن السوري تسير نحو التهود بكل أطيافها ومذاهبها وقولك هذا قول مطلق عام يتناول المؤسسة الكنسية بكل اطيافها ومذاهبها ويتهمها بالسير نحو التهود ولا يستثني من أطيافها مذهباً ولا من اتباعها ناساً ، بل يشملها جميعها وفي هذا ظلم لبعض المذاهب التي لا تقبل ولا ترضى بالتهود، وظلم أيضاً لأتباع المذاهب الذين لم يرضوا ولا يرضون بأن يكونوا متهودين يهوداً بعد ان هدتهم رسالة يسوع الناصري التي نسفت كل ألأباطيل والخرافات والتشويهات والخزعبلات الحاخامية التي حوّلت الموسوية القائمة على الوصايا المستوحاة من حضارة الكنعانيين والبابليين السوريين الى يهودية جوهرها يقوم على النسب الذي قال عنه مؤسس علم الآجتماع ابن خلدون عن النبي محمد :" علم لاينفع وجهالة لا تضر" ومن ثم حوّلوا اليهودية الى صهيونية جل ماتسعى اليه هو الطمع والاستكبار والتسلط بكل وسائل الخبث والخداع والاجرام وفظائع الارهاب . فاذا كانت بعض المؤوسسات الكنسية ترتد عن جوهر الرسالة المسيحية التي تعتبر البشر جميعاً عائلة واحدة وجميعم أخوة في الانسانية، فان في سلوك هذه المؤوسسات ما يثير الشك والارتياب لأن ذلك يعبّر عن تقهقر وليس تقدم ، وتراجع وليس نهوض .وهو في الحقيقة صلب يومي للسيد المسيح الذي رغم مجيئه منذ الفي عام لم يعترفوا به وقد كذبوه وأجرموا بحقه وأثاروا الرومان وتعاونوا معهم على صلبه وقتل تلامذته ومطاردتهم ورميهم للوحوش المفترسة وارتكاب أفظع الجرائم بحقهم في التاريخ ، ولا يزالون حتى هذه الأيام ينتظرون مجيء مسيحهم المزعوم ليقودهم في السيطرة على أمم العالم . وما يحصل في بعض المؤوسسات الكنسية المسيحية يحصل ايضاً في مؤوسسات المساجد الاسلامية المحمدية التي تسلل اليها كذلك لصوص يهود صهاينة فهودوا وصهينوا كثيرين من المسلمين . وما نشهده في بلادنا اليوم من خراب نفسي وفكري وعقلي واخلاقي ليس الا نتيجة لتساهلنا وتبريراتنا وتهاوننا في تخليصنا مجتمعنا من السرطان اليهودي الصهبوني المتلبس الف لبوس، والمتسلل من الخارج عبر جيوش العدوان ومن الداخل من خلال يهود الداخل المعششين في مختلف طوائفنا ومذاهبنا وتنظيماتنا ومنظماتنا واحزابنا وكياناتنا المصطنعة الهزيلة.وهل اذا نبهنا شعبنا من خطر التهود والتصهين وسمينا الأشياء بأسمائها وأشرنا الى المتهودين الذين يدعون أنهم محمديين ومسيحيين يبعدنا عن الشعب ولا يسهل وصولنا أليه ؟ وهل اذا تساهلنا بأمر التهود والتصهين وبررنا للمتهودين ارتدادهم عن ايمانهم برسالاتهم الروحية ومبادئهم القومية الاجتماعية يقربنا من شعبنا ويسهل لنا الوصول اليه ؟
لقد أثبتت أحداث التاريخ خلال آلاف السنين كما قال سعاده في شهر شباط عام 1925: " لم يقم قط نابغة يهودي تمكن من أن يغرس في قلوب اليهود صفة التقرب من الشعوب التي يعيشون بينها والتضامن معها في أعمالها الاجتماعية والعمرانية ، ظل اليهود بنوابغهم كاليهود بلا نوابغهم، يعيشون كالحلميات آخذين من قلب النهضة الاجتماعية بلا مقابل. أفبعد هذا يتذمر اليهود من اضطهاد الشعوب الحيّة لهم " ألا تكفي كل هذه العصور الي مرت على الامم من المعاناة والمصائب والويلات التي سببها اليهود لها لتتفتح بصيرتنا وندرك هول أخطارهم ؟ أي قيمة لمسلم مسيحي يهجر تعاليم السيد المسيح الروحانية المناقبية السامية التي جعلت البشر جمبعم أخوة ويرتد ويتقهقر الى عقلية متزمتة منغلقة لا تحب الانفتاح على الناس ولا التقرب الصادق من الشعوب ولا الاندماج الحضاري الانساني بغيرها ؟ وأي فضيلة لمسلم محمدي يهجر تعاليم الرحمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعود الى جاهلية القرون البائدة ويختلط عليه الأمر فيعتقد أن هؤلاء اليهود الصهاينة هم سلالة بني اسرائيل وقد ورد في القرآن الحكيم صراحة أن"بني اسرائيل أمة قد خلت من قبلها الأمم " وهذا يعني أنها من الأمم التي انقرضت وبادت ولم يعد لها وجود في الحياة ؟ ألم يسمم اليهود نبي الاسلام محمد كما صلبوا رسول المحبة السيد المسيح ؟ ولماذا يخاف ويخجل هؤلاء المتسترون بالمسيحية وبالاسلام المحمدي ولا يعلنون يهوديتهم صراحة ؟ أليس في سلوكهم هذا مزايا اللصوص والمجرمين ؟ أن المسيحيين والمسلمين المتهودين المتصهينين وكل من تهود وتصهين من الذين يعيشون معنا وخان امته وخدم أعداء الأمة هم أخطر الأعداء والمجرمين .
أما الحالة الثانية التي هي حالة الأمراض النفسية التي تصدى لها سعاده بعد عودته الى الوطن فأمر آخر يختلف تماماً عن أمر الخيانة والجاسوسية التي هدفها الأول والأخير هو زرع السموم الفتاكة ، والقنابل النفسية الموقوته ،والعبوات الفكرية التدميرية ، وجراثيم التضليل السرطانية التي تسبب التآكل الداخلي في مجتمعنا فلا يستطيع بعدها ان يقيم وزنا ولا قيمة للدرس العظيم الذي تركه السيد المسيح والذي هو " كل بيت أو مملكة أو مجتمع ينقسم على نفسه يخرب " .
لقد أسس سعاده حزباً مدرسة مختيراً يقوم على اساس الوحدة القومية الاجتماعية التي تعني التنبه واليقظة الكاملين لمصلحة المجتمع التام الكامل بحيث تضمحل فيه الأحقاد الجاهلية وتحل محلها محبة الأخوة القومية التي تجعل من أبنائها جميعاً موكباً واحداً متماسكاً يرتقي بالحياة وترتقي الحياة به الى أعلى ما تتوق اليه نفوس البشر من منعة وأمان . وفي هذا قال سعاده :
" في الوحدة الاجتماعية تزول الحزبيات الدينية وآثارها السيئة ، وتضمحل الأحقاد فتحل المحبة والتسامح القوميان محلها ويفسح المجال للتعاون الاقتصادي والشعور القومي الموحد وتنتفي مسهلات دخول الإرادات الأجنبية في شؤون أمتنا الداخلية".
وهذا ما يرتب على المنتسبين الى هذا الحزب العظيم أن يكونوا مستعدين للتخلي ويتخلون عن كل أثر سيء ظهر في تقاليدهم وعاداتهم وأفكارهم ومفاهيمهم من أحقاد وأنانيات وأطماع وشهوات رديئة تضر بوحدة المجتمع القومي وتفتح فيه نوافذ تتسرب منها الى داخل المجتمع سموم رياح الطامعين المعتدين الاشرار . فاذا لم يتخل المنتسبون الى الحزب عن مثالب تقاليدهم وعاداتهم السيئة وحملوها معهم الى داخل مؤوسسات الحزب ، فان من الطبيعي ومن الحق والعدل ان يُطرد هؤلاء من صفوف الحزب كي يطهر الحزب منهم ويعطيهم فرصة لتنظيف وتطهير انفسهم من الادران التي لا فائدة منها سوى الخراب .
لقد أراد سعاده الحزب السوري القومي الاجتماعي حزب الأمة كلها بكل ما فيها من تقاليد وعادات وأفكار فاضلة وليس بما فيها من تقاليد وعادات وأفكار فاسدة ، لأن تقاليد وعادات عناصر الأمة الفاضلة يمكنها ان تتفاعل فيما بينها وتتزاوج وتتسع دائرتها فتمتزج جميع مكونات الأمة وتنصهر وتحبل بمولود جديد هو" الانسان السوري الجديد " الذي هو الهدف الأكبر لحركة النهضة السورية القومية الاجتماعي . أما أن تختلط التقاليد والعادات والأفكار الفاسدة السيئة بالتقاليد والعادات والأفكار الفاضلة الخيرة فلا يعني ذلك الا زيادة الفوضى فوضى ، والبلبلة بلبلة والتقهقر والتخلف تقهقراً وتخلفاً .
ان لكل حالة مرضية علاج ، ولا بد قبل العلاج من تشخيص المرض تشخيصاً سليماً لكي لا يكون العلاج فاشلاً ولا نتيجته مؤذية .
بمثل هذا الوعي القومي الاجتماعي الذي بعبر عن بصيرة وحدة الجماعة الواعية المدركة الفاهمة الحكيمة تقف الأمة أمام نفسها ناهضة راضية ، وتواجه الارادات الخارجية واثقة من الانتصار الذي يحققه أبطالها في معركة فرض ارادة تقرير أرقى وأشرف وأعز مصير للأمة السورية التي لم تـُذكر في التاريخ الا راقية وشريفة وعزيزة .
وبهذا الوعي القومي الاجتماعي الذي هو بصيرة المنتصرين في معركة الحياة والنهوض بالحياة نفهم ما معنى قول المعلم سعاده:
" كل عقيدة تضع على اتباعها المهمة الطبيعية الأساسية الأولى التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها . وكل عقيدة يصيبها الاخفاق في هذه المهمة تزول ويتبدد أتباعها ".أي أنها تضع مهمة انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها على اتباعها لا على المتخبطين المضطربين المتراوحبن في لجج الأفكار والنظريات المفسخة لروحية المجتمع . أيّ أن انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها يكون في اتباعها الذين وعوا حقيقتها وغايتها فآمنوا بها ايمانا لا حدود له ، وانتصرت فيهم فانتصروا بها وقادوا الأمة في جهاد لا نهاية له الا النصر والعز والفلاح .
|