من الصعب ان اعدد اسماء الرفقاء الذين عرفتهم طيلة حياتي الحزبية، وكان لهم حضورهم الحزبي في نفسي ووجداني.
منهم، من استشهد، ومنهم من وافته المنية. وكم ارجو ان يطيل الله من عمري فاكتب عنهم، او على الاقل عن معظمهم، وفاءً لما كانوا عليه التزاماً، ونشاطاً ومناقب.
احدهم الرفيق عبد بصل .
لم اكن في مأتمه، ولم اذرف عليه دمعة، يستحقها. عند وفاته كنت امرّ في حالة صحية، خرجت منها بعد فترة معافى. اذ علمت برحيله اتصلت بعقيلته الرفيقة نجوى الخليل التي كانت عرفت بما عانيتُ، مسجلة في حديثي معها اني كنت اتصل من فترة الى اخرى بها لأسألها واطمئن.
الرفيق المرحوم عبد بصل والى يمينه: الرفيق المرحوم جهاد عبد الخالق، الامين لبيب ناصيف،
الامين بشارة باروكي، الرفيق علي قانصو والامين بطرس سعاده
فالرفيق عبد هو من بين صفوة الرفقاء الذين عرفتهم طالباً، فرفيقاً، ثم مديراً، فناظراً للاذاعة فمنفذاً، فناموساً في عمدة الاذاعة. ودائماً كان رفيقاً متفانياً، نظامياً، صادقاً، يعي الحزب جيداً، ويجسّده حياةً جديدةً.
*
كنت عميداً للداخلية عندما تولى الرفيق عبد بصل مسؤولية منفذ عام المتن الجنوبي. حددت لقاءً اسبوعياً، فيه يقدم عرضاً لاوضاع الفروع، واقتراحاته للمعالجة. كانت جلسة عمل اسبوعية.
لم اسأل الرفيق عبد بصل – مطلقاً- كيف يصل الى مركز الحزب في رأس بيروت قادماً من الضاحية الجنوبية. افترضت انه، كباقي الناس، يقلُّ باصات النقل المشترك او سيارة اجرة، طالما هو لا يملك سيارة.
صدف ان ابلغني احد الرفقاء، ان الرفيق عبد لم يعد يملك مؤسسة لمختلف انواع الديكور، وانه يمر في مرحلة مالية حرجة جداً. وعلمت ان الرفيق عبد، المنفذ العام، يحضر الى كل لقاء اسبوعي، سيراً على الاقدام، من مكان اقامته في الغبيري الى رأس بيروت.
رغم ان علاقتي بالرفيق عبد قديمة، وكلها مودة وثقة، لم يكاشفني يوماً بواقعه. لم يقترح ان يكون اللقاء شهرياً، لا اسبوعياً.
كاشفته بما اعرف، ضحك كعادته. اقترحت عليه ان اطرح وضعه مركزياً وصولاً الى تخصيص مبلغ يغطي تنقلاته كمنفذ عام . اعتذر: " ما دمت قادراً على السير، فسأبقى اسير. غيري من عائلات الشهداء احق" . ورفض.
وابتعدت عن لقاء الرفيق عبد بصل بحكم انتقالي الى عمدة شؤون عبر الحدود وانصرافي شبه الكامل لها، الى ان عرفت بما اصابه، وقد راح الداء يقتات من ذاكرته الى ان غيبها كلياً. فكنت اتصل بعقيلته الرفيقة نجوى الخليل اسألها عنه، فيردني الجواب الوحيد: "بعده متل ما بتعرف" .
لم اقصده كي لا ارى عبد بصل آخر، مختلفاً عمّن عرفت. ولان الزيارة لن تقدم له اي عون، انما الاتصال بالرفيقة نجوى هو الواجب، والعون النفسي.
*
من الطرائف اني رويت له ذات يوم كيف انه دخل كمنفذ عام الى اجتماع للمنفذين العامين برئاسة حضرة رئيس الحزب. جلس. بعد دقائق، دخل الرفيق الياس الثوم (الامين حالياً)، وكان منفذاً عاماً للبقاع الشمالي، فراح المنفذون العامون يتدافعون للخروج.
راح يضحك.. ويضحك.
*
رحمك الله يا رفيق عبد بصل. طالما ذكرتك وفي العين دمعة.
سأبقى اذكرك، مع هذه اللائحة الطويلة من الرفقاء الذين رافقتهم طيلة حياتي الحزبية، ودائماً في العين دمعة اسى وحزن.
فكم نحن، في المركز وفي المتن الجنوبي بحاجة الى امثالك، وعياً وايماناً وصلابةً ومناقب.
احببتك دائما . رحمك الله .
|