لم التقِ به كثيراً، انما احببته كثيراً. فأنت لا تملك، اذ تلتقي به، الا ان ترتاح الى بسمته، بشاشته، تهذيبه ورقيّه في التعاطي.
ما مرّة التقيتُ به، الا وشعرتُ نحوه بمودة، وارتياح. فكنتُ أعِده ان نلتقي، الا ان الظروف الضاغطة باستمرار كانت تحول دائماً دون تحقيق هذه الرغبة.
وعرفتُ، متأخراً، ان الداء البغيض راح يفتك به، فاتصلت به هاتفياً. في كلامه عناد وايمان وصلابة ورغبة ان يقاوم وان يستمر. وعدته، ووعدت نفسي ان ازوره اذ تنتهي فترة انصرافي في ضهور الشوير الى الكمّ الكثير من ملفات تاريخ حزبنا.
لم يمهلني، ولم يمهل نفسه، فرحل باكراً جداً لينضم الى تلك الكوكبة الرائعة من رفقائنا في مجدلبعنا. اذكر منهم بكثير من الحب والتقدير، وقد عرفتهم جيداً في مسيرتهم الحزبية النضالية:
الامناء: محمد سلامة عبد الخالق، شاهين عبد الخالق، وكميل عبد الخالق،
الرفقاء: فايز عبد الخالق (ابو رمزي)، شوقي قاسم عبد الخالق، جهاد قاسم عبد الخالق، الشاعر فوزي عبد الخالق، نعيم عبد الخالق، غازي عبد الخالق، شاهين حمد عبد الخالق، نعيم عبد الخالق، فريد عبد الخالق، شفيق صدقة عبد الخالق، علي حسين عبد الخالق، كميل محمود عبد الخالق، عزت محمد عبد الخالق.
الشهداء: ايمن عبد الخالق، منير عبد الخالق، لطفي عبد الخالق، عصام شاهين عبد الخالق والمفقود رمزي فايز عبد الخالق.
واذا كنت في مراحل سابقة اضأت على البعض منهم، الا ان من كتبت عنهم يستحقون ان يُكتب اكثر، والذين لم اكتب عنهم، لتاريخه، فاني آمل ان اتمكن، وغيري، ان نكتب عنهم، وفاءً لتاريخهم الحزبي، ولما كانوا عليه في حياتهم الغنية بالالتزام القومي الاجتماعي.
عندما وصلني من الرفيقة ديما عبد الخالق معلوف نبأ رحيل الرفيق وجدي اطرقت كثيراً، تناولت الهاتف واتصلت بشقيقته السيدة نجاة،
- بكّر كثيراً، احببته كثيراً.
اجابتني بغصة ودموع: وهو ايضاً كان يحبك.
اشعر اليوم، في اعماقي، بندم حقيقي. كنت راغباً ان ازوره، فاقعد معه، نحكي عن ايام مضت، عندما اقدَم الى الانتماء، درس الطب في رومانيا ففي الجامعة الاميركية في بيروت، تابع التزامه الصادق، المتفاني، ومعه رسالته المهنية، كطبيب، عرف المهنة ارتقاءً مناقبياً وخدمة انسانية، لا تجارةً وسعياً وراء جاه.
لذلك بقي، الى تواضعه المشدود الى كِبَر وترفّع، متواضعاً في امواله وعقاراته، وفي داخله فرح كبير انه كان تلميذاً ناجحاً لسعاده.
لم يكن الرفيق وجدي خطيباً، او طليقاً في الكلام. انما كان في صمته، بليغاً، عميقاً في فكره، صادقاً، نبيهاً، يقرأ الآخر بنجاح، ودائماً يحيا التعاليم التي اعتنقها، وينتهج في حياته ما اراده سعاده من اعضاء حزبه.
رغم اني لم اكن من الحلقة الضيّقة المحيطة بالرفيق وجدي، الا اني اشعر اليوم بألم حقيقي لرحيله الباكر، وبألم اكثر انه، كما كل الآخرين، لم يكتب عن ماضيه الحزبي، ولم يترك لنا مرويات ومعلومات يجب ان تبقى لاجيالنا.
لن انسى ابتسامته، ولا بشاشته، ولا تهذيبه، ولا صدقه، ولا شغفه بالمثالية القومية الاجتماعية. لن انسى انه كان، في كل تعاطيه، قومياً اجتماعياً.
• وافته المنية فجر الثلثاء اول ايلول وشيّع الى مثواه الاخير يوم الخميس 3 ايلول في بلدته مجدلبعنا، وسط حشد من الرفقاء واهالي البلدة والجوار.
|