اذا أنت أردت أن تبارح الى مكان بعيد، أعددت لك زوادة من ماء وطعام هي مؤونة الطريق. لها تعود كلما طالبك جسدك، عطشاً او جوعاً.
هذه مؤونة تسد حاجات الجسد وتجعله اكثر قدرة على احتمال المشاق.
مؤونة أخرى، إنما نفسية، مطلوبة من كل قومي اجتماعي قرر أن يسلك طريق الصراع واختار بوعيه أن يكون جندياً وحجراً ومدماكاً لبناء يجب أن يستمر.
المؤونة المطلوبة هي المزيد من التشبث بالمثالية الأولى التي أكد عليها سعاده: مثالية الإيمان، والصدق بالانتماء، والترفع، والبعد عن الفردية وحب الذات، والطلاق مع أي ولاء آخر غير الولاء لما ارتضيته إيمانا لك ولعائلتك.
أن تناسيت مؤونة الطريق، ربما جعت أو عطشت، وان تخليت عن مؤونتك النفسية في الصراع الطويل الشاق المرير، ربما ضغطت الاغراءات عليك فهويت الى مصالحك ومنافعك، واخترت عن حزبك ولاءات أخرى، واهتمامات أخرى، فاذا بك عضوا لا رفيق، واذا ايمانك بالقضية سراب، فتستمر ربما منتظماً، انما بلا حياة تنبض، بلا ضوء يخرج من اعماقك ليشع في المحيط حيث أنت.
كل ثورة تحتاج الى مناضلين افذاذ قرروا ان يتخلوا عن كل شي الا عن قرارهم بالانتصار.
كل نهضة، ان لم يتفولذ المؤمنون بها الى حد الترهب، لا تنتصر ولا تحقق غايتها.
الثورة تستمر، تنمو وتنتصر إن كان المؤمنون بها مقتنعين، أولا، بحقيقتها وبوجوب انتصارها في المجتمع، وثانياً، أن يبقى المؤمنون على مثالية إيمانهم، وعلى مضاء عزيمتهم، وعلى تشبثهم بكل القيم التي على أساسها انطلقت الثورة.
أن تخليت عن المثالية وأنت في معترك طريق الصراع، فماذا تُبقي لك من مؤونة نفسية تقيك كل زلات الضعف، وطريقك الطويلة تحتاج منك الى الكثير من الصفاء، والى الكثير من مثالية الايمان، والى الكثير من انصرافك الصادق للعمل المستمر من أجل نصرة ما أنت مؤمن به.
واذا أنت سلّمت نفسك للمفاسد، فكيف لك ان تحمل النهضة وتسير بها الى حيث القمم .
المثالية الأولى يجب أن تستمر حية، كما لو أنك في أول طريق الصراع، وأن تبقى نابضة، فتبقى النهضة هي السائدة في أعماقك لا أي خيارات أخرى.
|