إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الحزب في الضاحية الشرقية من مذكرات الرفيق أنطون قرة بت

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2025-01-21

إقرأ ايضاً


استلمنا من الرفيق انطون قره بت كلمة فيها اضاءات جيدة على عمل الحزب في منفذية الضاحية الشرقية في فترة الأحداث اللبنانية، ننشر معظم ما جاء فيها داعين جميع رفقاءنا الى أن يدونوا معلوماتهم فلا تضيع.

وتنتظر لجنة تاريخ الحزب وصول تلك المعلومات اليها، للإطلاع والتدقيق فالنشر.

ل. ن.

*

ملحمة من ملاحم الحزب قدمتها منفذية الضاحية الشرقية آواخر عام 1975

كانت منطقة برج حمود محاصرة من كل الجهات حيث كان يتواجد فيها عديد من احزاب ومنظمات تدافع عن وجودها وقيمها المستهدفة.

وقد حوصرت من كل الجهات من قبل قوى اليمين المتطرف والطائفي المتعصب. وانقطع الاتصال بالقيادات المركزية كلياً وانقطع كل امداد ومساعدة.

استمرينا أكثر من تسعة شهور لم يتمكن مركز الحزب من الاتصال بنا حتى بالهاتف مع ان بعض وكالات الأنباء والصحف كانت تتصل بنا من خطوط خاصة مثل وكالة رويتر وجريدتي النهار والسفير كانوا يتصلون بنا يستطلعون عن الأحوال والأحداث اليومية...

كنا في منفذية الضاحية الشرقية خلية نحل تضم عشرات الرفقاء ومثلهم عشرات الشباب المناصرين جميعهم مندفعين بوحي من عقيدة قومية لا طائفية وبعزيمة نهضة اجتماعية ووحدة وطنية شاملة..

كانت المخاطر كثيرة وكبيرة والاشاعات المحيطة ناشطة وفاعلة.. مما اضطر وارغم ثلاثة ارباع سكان المنطقة الى مغادرتها عندما كانت تسنح الفرص او تحدث انفراجات امنية، كانت لجنة الارتباط الشامية تنشط الى تحقيقها.. انما الاخطار كانت كثيرة والشهداء يتساقطون كل يوم من ابرياء ومدافعين بالإضافة الى فقدان المواد الغذائية الأساسية.. مما اضطر بعض اعضاء هيئة المنفذية كالناموس، وناظر الإذاعة للنزوح تحت عوامل قاهرة عدة وكذلك ناظر التدريب غادر لأسباب صحية كما قال، ولم يبقى من هيئة المنفذية سوى المنفذ العام الرفيق علي حمزة وناظر المالية الذي كنت انا وكنت ايضاً المندوب في اللجنة الأمنية وممثل الحزب في اجتماعات الأحزاب والمنظمات الشبه يومية. وكان يدير شؤون نظارة التدريب الرفيق عبد الاحد موسى إذ كان ناموس النظارة والذي عيّن لاحقاً ناظراً للتدريب وكان ناموسه الرفيق بطرس سعادة والرفيق احمد نزهة وكان لكل منهما مهمته،

الاول مسؤول عن الأشبال في القوات المشتركة

والثاني مشرف عمل المحاور والمواقع العائدة للحزب.

كنا نسهر حتى الصباح لا ننام أكثر من ثلاثة او اربعة ساعات.

ذات يوم في آخر اسبوع من شهر كانون الأول 1975 كنت جالساً الى طاولتي في مكتب المنفذية الكبير الملاصقة الى طاولة المنفذ العام جاء حضرة المنفذ ليقول لي لقد أرسلنا مجموعة من ستة رفقاء الى منطقة الشل.. كان ذلك بعد سقوط منطقة الكرنتينا والمسلخ بأيام. لينتقلوا الى بيروت بالتنسيق مع مديرية الشل وكان مديرها الرفيق سليمان سعيد، بواسطة مركب بحري لجلب الذخيرة والمجموعة تضم غابي يونو- سمير - حسين غملوش – حيدر غملوش – قلت له المنطقة خطرة وستة رفقاء لا يعملون شيء أجابني أن هناك تجمع للمنظمات والصاعقة عندها قوة كبيرة هناك. ولأن الهيئة في المنفذية غير مكتملة والاحداث الكبيرة تتلاحق على مدار الساعة، كانت القرارات تتخذ فوراً واحياناً فردية. خلال يومين ابتدأ الهجوم على منطقة الشل بأعداد كبيرة جاءت من البعيد من شمال لبنان والعاقورة وغيرها. وانقطع الطريق الى الشباب المحاصر كان قد بقي خط هاتف نخاطبهم احياناً لنطمئن انهم أحياء. كانت آخر مرة خابرتهم ليلة استشهادهم اتصلت بهم أجابني آمر المجموعة الرفيق كابي يونو الذي قال لي نحن كما تعلم فعلنا ونفعل واجبنا وأنتم اعملوا واجبكم أبلغته أننا نعد للوصول اليهم. وازاء خطورة الوضع كنا منذ الصباح دعونا الأحزاب والمنظمات في برج حمود الى اجتماع عاجل لبحث كيفية انقاذ المحاصرين هناك. وعند الساعة التاسعة قبل الظهر عقد اجتماع موسع للقيادات العسكرية وطال الاجتماع لما بعد الظهر وكان الحوار حوار برج بابل. وخرجوا باقتراح أن يختاروا لجنة من ثلاث مسؤلين عسكريين ليضعوا خطة العمل الانقاذي وتم اختيار المسؤول العسكري لكل من حركة فتح الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي .

بدأوا اجتماعهم فوراً واستمر حتى الثامنة مساء وخرجوا بخطة عسكرية تقضي أن يرسل كل حزب وتنظيم اثنى عشر عنصراً ما يشكل 180 عنصراً على الأقل وأن ينقسموا مجموعتين يتوجهوا ليقتحموا المنطقة من محورين احدهم من النهر والآخر من شمال كلية مار يوسف الدورة بإتجاه الشل – اتصلت فوراً بالمنفذ وطلبت أن يرسل المجموعة فوراً. وخلال أقل من ساعة وصلت مجموعتنا قبل غيرها بكامل تجهيزها وكان من بينهم ولدي غسان الذي استشهد فيما بعد وبعد مضي ثلاثة ساعات اكتمل العدد وانطلقوا مجموعتين بعيد منتصف الليل الى المهمة. وانتظرنا في مقر قيادات الأحزاب " مكتب حزب البعث" ننتظر النتائج وكان اكثر المسؤولين يبدي التفاؤل ووعد احدهم "قاسم قوتلي" انه غداً صباحاً عند الخبر السار سيذبح خاروفاً ويجعله لحم بعجين ليأكل منه الجميع.. ولم تمض ساعة حتى عادت المجموعة الأولى فراداً يجرون انفسهم قائلين ما ان وصلنا لدخول المنطقة حتى انهمر الرصاص علينا من كل الجهات ثم عادت المجموعة الثانية ايضاً بخفي حنين.. فاسقط في يدي قلقاً على مصير عناصرنا الأعزاء.. وبدون اي سؤال او جواب وقد تأكدت من فشل محاولة الانقاذ غادرت مسرعاً متوجهاً الى مقر حزب الطاشناك في نادي الطاشناك للقاء رئيسه الصديق الكبير خاتشيك عرابيان لعمل شيء ما وكان كالعادة يسهر حتى الصباح في مثل هذه الظروف التقيته ورحب بي ، قلت له تعلم أن لنا عناصر في منطقة الشل ونأمل من سحبهم من هناك ، فرحب بالفكرة وأجابني أن هذا هو المطلوب . وانه بامكانهم فغل ذلك. لكي ينتهي شيء من التوتر القتالي.. هناك وكانت الساعة اصبحت الثالثة صباحاً فاستدعى مسؤوله العسكري في منطقة الشل المدعو انطو وطلب منه التوجه للشل وجلب الشباب فأبدى استعداده وانطلق وجلسنا ننتظر في مقر نادي الطاشناك حتى هناك هاتفت المنفذ العام بما حصل وما قمت به فاستحسن الأمر ولحق بي الى نادي الطاشناك وعلمت منه أن بعض مسؤولي الاحزاب اعترضوا على تصرفي واتصالي بالطاشناك. فكان جوابي نحن لا نترك عناصرنا يموتون عندما يتقاعص العسكر عن مساعدتهم. كان فجر ذلك اليوم بدأ يبزغ دامياً، وقدم لنا في النادي الحليب الساخن مع الكعك وتروقنا سوياً مع رئيس النادي السيد خاتشيك عربيان والمسؤول العسكري وهو صديق قديم لي.. وبعد ساعة قبل طلوع الشمس رجع المدعو أنطو الذي ذهب لإحضار الرفقاء.. يحيط به مرافقيه سألناه اين الشباب قال انه وصل الى هناك وجمعهم وبينما هم وقوف اذ سقطت قنبلة قربهم فتفرق الجميع ولا يعرف ماذا حدث واستدليت من كلامه الاسوأ فقلت له يعني ماتوا، قال لا أعرف.. فقلت للسيد عربيان نريد جثثهم، فطلب منه أن يذهب ويحضرهم فقال انه لا يعرفهم ويجب أن يذهب معه احداً ليعرفهم، فقلت أنا اذهب وكان ان استدعينا من المنفذية الرفيق سعيد نويهد ليذهب معي للمساعدة وطلب السيد خاتشيك من مسؤول الشل أن ينتبهوا لسلامتي جيداً وأن اكون في وسط هعناصرهم. ويخاطبوني بالأرمني لابعاد الشبهة وذهبنا وما ان وصلنا الاوتوستراد لنعبر الى منطقة الشل، تراجع الرفيق سعيد عن ان يدخل المنطقة فتركناه في مكتب فرع الطاشناك قرب النهر وارسل الأرمن معي سيارة بيك آب وصلنا الى قلب منطقة الشل. لم نجد مسلحين كما كان قال لنا الأرمن لأن اتفاق كان تم معهم ومع القوى الغريبة التي هاجمت المنطقة، ان تسلم المنطقة للأرمن...

وصلنا الى ارض المجزرة وجدت الجثث منتشرة في الموقع بكثرة شاهدت اكثر من اربعين جثة. وبدأت ابحث عن رفقاءنا فوجدت اكثرهم وهنا حضر احد العناصر المسلحة المناوئة يقود جرافة وهو بكامل لباسه العسكري وسلاحه البارز قلت له مهلاً قال يلا شيلهم احسن ما تشيلهم الجرافة وتمزقهم وترميهم في البحر. كانت جثث رفقاؤنا بجانب بعضها الا واحدة وجدتها بعد جهد وقربوا البيك آب لنقلهم فطلبت من العناصر التي رافقتني أن يمسكوا معي لنرفع الجثث فرفضوا لأن الجثث كانت مدماة وبعضها مشوه وكانت الأمطار تتساقط وثيابهم تغمرها المياه.. فطلبت منهم أن يذهب احدهم ويحضر رفيقي سعيد القريب من المكان فأسرعوا واحضروه بعد ان طمنوه بأني لم اقتل.. حضر سعيد نويهد وبدأنا ننقل شهداءنا الى البيك آب نحملهم من ايديهم وأرجلهم ونلقيهم في البيك آب فوق بعضهم وهنا دلني احدهم الى جثة سابعة قال لي امها تخصنا فأحضرتها وتبين انها كانت جثة والد الرفيق حسين صالح. وانطلقنا عائدين الى المنفذية في برج حمود –النبعة. وما ان اجتزنا الاوتوستراد ودخلنا برج حمود تحمس الرفيق سعيد كثيراً الذي كان يقود السيارة واسرع في القيادة واضعاً يده على الزمور ولم يتوقف الا امام مدخل المنفذية وتجمهر الرفقاء والمواطنين والاصدقاء المفجوعين برفقاءهم واعزاءهم متأثرين بالكارثة وامام كومة من الجثث.

وكان بعد ذلك تم السعي بنجاح لنقلهم الى غرب بيروت لينقل كل منهم في تابوت فخم جداً. ونقلنا كل شهيد في سيارة خاصة دفعتُ انا قيمة التوابيت وأجرة السيارات من حسابي لأن صندوق المنفذية لم يكن فيه عشرة ليرات.

وصلوا الى غرب بيروت ومن هناك تولى المركز نقلهم الى قراهم وأهلهم.

كانت ملحمة استشهاد كبيرة وقد قامت منفذية الضاحية الشرقية بجهد رائع في استخلاص جثثهم من الضياع – وكنا موضع تقدير وشكر اهلهم. وللأسف لقد ضاع أثر باقي شهداء الأحزاب والمنظمات.

كوكبة من الشهداء قضوا عند الفجر في مثل الساعة التي استشهد فيها زعيمهم الخالد عند الفجر فوق رمال الشل. كانت واحدة من عدة ملاحم النضال والصمود خلال احداث 1975-1976 وللأسف ايضاً لقد سقطت المنطقة قسراً وتشرد الأعضاء دون أي احتضان وغدوا مشردين بلا بيوت وضاعت تلك البطولات والعطاءات النادرة دون أن توظف أو تقدر.

كان أكثرهم تقدم طوعاً عن قيم نهضتهم متطوعين دون اجر او أي لقاء... بل كانوا يقدمون الى جانب نضالهم وسهرهم أكثر ما في جيوبهم من دريهمات تبرعاً لصندوق المنفذية مؤمنين أن الحياة وقفات عز وأن الدماء التي في اجسادهم ملك الامة متى طلبتها وجدتها.

استشهد لمنفذية الضاحية الشرقية خلال عامي 75-76 أربعة عشر قومياً فالى جانب شهداء الشل وهم الرفقاء كابي يونو وحسين غملوش وحيدر حشوش و حسين.... وسمير بوشي استشهد ايضاً الرفيق البطل محمود العوطة والرفيق البطل الصاعد غسان دكرمنجيان والرفيق البطل حسين العجمي وآخرين منهم حسين دكروب و... مارون وابو وليد مارديني وغسان هاشم ونزيه موسى وكذلك نذكر شهداء للحزب في الجناح الآخر أذكر منهم الرفقاء مؤيد شاذبك و الهق ووليد عبد الرسول وحسن دبوس الذي التقيته قبل استشهاده بساعات كان خارجاً من بيته متوجهاً الى موقع ظهر الجمل لاداء نوبته على المحور، كان متمنطقاً سلاحه وكامل هندامه العسكري. وما ان رآني اسرع الي وعانقني بحرارة كأنه يودعني. اولئك شهداؤنا قضوا في خطوط النار الأمامية حيث الخطر والحرمان، اولئك أبطال الضاحية الشرقية الذي بالنضال والدماء سجلوا لحزبهم أسمى مراتب العز والخلود.

الضاحية الشرقية قدمت الكثير وقد سماها رئيس الحزب الأسبق خزان الحزب البشري وقلعة الصمود. في كل المراحل كان أن قدمت الشهداء. ففي محنة 1958 سقط لها ثلاثة شهداء هم محمد قانصو ومنصور حوراني و كعوش كما قدمت ليلة الانقلاب 60-61 عدد من الشهداء أذكر منهم الشهداء جميل بربر ومحمد سبليني الذي شارك في زمرتي في خطف كبار الضباط والشهيد البطل ناظر التدريب آنذاك مصلط ابو فخر وغيرهم... لاؤلائك الشهداء كل المجد والتقدير ولحزبهم التقدم واكاليل الغار ولذويهم العزار والافتخار .





 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2025