سمعت عنه كثيراً، وقرأت له وعنه... فأحببته ثم التقيتُ به في مسؤوليات حزبية مركزية، فعرفت فيه دماثة الأخلاق ورفعة المناقب وصدق الانتماء، فشدتني إليه أواصر متينة من الحب والاحترام والارتياح المتبادل: إنّه باني العمل الحزبي في منطقة البقاع الأوسط، الأمين يوسف الدبس.
كتابه "في موكب النهضة" يحكي الكثير عن مسيرته الحزبية النضالية، وما كتب عنه الأمينان جبران جريج وعبدالله قبرصي يحكي الكثير، فالأمين يوسف الدبس لم يكن يتمتّع فقط بقامة عملاقة، إنّما كان أيضاً عملاقاً في نضاله الحزبي الطويل.
فقد جاء في نعي الحزب له عند رحيله: "حمل هموم الحزب والقضية"، وتحمّل مسؤوليات عديدة وشارك في الكثير من المهمات واعتُقل أكثر من مرة، آخرها في العام 1962 على أثر الثورة الانقلابية.
" عُرف عن الأمين الراحل قدوته في شتى ميادين النضال، اقترن من الفاضلة ماريا عبود وأنشأ أسرة قومية اجتماعية مؤلفة من عضو المجلس الأعلى الأمين ربيع الدبس، الرفيق رائد والسيدة رندة جرجس شماس".
*
بعض من سيرة غنية
أوردت نشرة "صوت النهضة" في عددها بتاريخ أول أيار 2006 هذه النبذة عن الأمين يوسف الدبس:
• وُلد الأمين يوسف منصور الدبس عام 1911. انتمى إلى الحزب عام 1934، ومنذ ذلك الحين ارتبط اسمه بمسيرة حزبية طويلة لم تتوقّف إلا بتوقّف دقّات قلبه وخروج آخر زفرة من روحه.
• توفي والده وهو في سن مبكرة فعاش ظروفاً صعبة، ممّا اضطره إلى بيع أملاكه، دائباً على تحصيل علمه في مدرسة بلدته قبل أن ينتقل إلى مدرسة الشويفات.
• عام 1932 أسس مجلة "العرزال"، واستمرت في الصدور حتى العام 1933. بعد ذلك انتقل إلى بيروت حيث أقام علاقات طيبة مع عدد كبير من الأدباء والإعلاميين وناشري الصحف، انطلاقاً من كونه شاعراً وأديباً.
• في العام نفسه تعرّف إلى حضرة الزعيم واطّلع على مبادئ الحزب وغايته، فقرّر أن يعتنق العقيدة القومية الاجتماعية، وكان ذلك عام 1934 حين أقسم يمين الانتماء.
• في جولاته على المناطق، كان سعاده يتردّد على بلدة "دير الغزال" وتحديداً الى منزل الأمين يوسف، وفيه ألقى الزعيم عام 1948 خطابه الشهير الذي عُرف فيما بعد بـ"خطاب دير الغزال"، وأعلن فيه خطة الحزب للمواجهة مع العدو الصهيوني.
• في الستينات خاض معركة الانتخابات النيابية مرشحاً عن الحزب في قضاء زحلة، وقد حاز على رقم كبير من أصوات الناخبين.
• مُنح رتبة الأمانة بتاريخ 22/06/1981.
• شقيقاته سكينة أرملة عساف الدبس، المرحومة رأفة جورج توما والمرحومة أوديت توفيق الدبس.
*
وفـاتـــه:
وافت المنيّة الأمين يوسف الدبس صباح يوم الاثنين 27 أيار 2006، فنعاه حزبه وعائلته وشُـــيّع في اليوم التالي (28 ايار) وسط حضور حزبي وشعبي لافت، شارك فيه وفد مركزي تقدّمه رئيس الحزب آنذاك الأمين علي قانصو، نائبه الأمين محمود عبد الخالق، رئيس المكتب السياسي الأمين أسعد حردان، وعدد كبير من المسؤولين المركزيين والمحليّين من منفذيات زحلة والبقاع، وفعاليات سياسية وحزبية واجتماعية ودينية وشخصيات وطنية، منها: النوّاب الحاليون والسابقون إيلي سكاف، عاصم عراجي، سليم عون، عباس هاشم، كميل المعلوف، نقولا فتوش، إبراهيم بيان، إيلي الفرزلي، محمد علي الميس، مخايل الدبس، فيصل الداود، محسن دلول، خليل الهراوي، الأمين العام للمجلس الأعلى السوري اللبناني الأمين نصري خوري، إضافة إلى سفراء وضباط ووفود اتحاد الكتاب اللبنانيين ووفود حزبية من الكيانين الشامي واللبناني.
وقد أدّت ثلّة من القوميين الاجتماعيين التحية الرسمية للجثمان الذي لُفّ بعلم الزوبعة، قبل أن يوارى الثرى.
ترأّس القدّاس متروبوليت زحلة للروم الأرثوذكس اسبيريدون خوري، الذي ألقى في نهاية القداس كلمة تحدّث فيها عن مزايا الأمين الراحل وتجسيده لمعاني القدوة.
ثمّ ألقى نائب رئيس الحزب الأمين محمود عبد الخالق كلمة، جاء فيها:
" أذكر يوم كنّا معاً في اللحظات الصعبة في سجن ثكنة المير بشير، وكيف كان الجلاد يتربّص بنا غدراً ونحن نهزأ به.. ولا نأبه لسياطه.
يا أمين يوسف.. ما أحبط السجن فيك عزيمة، ولا زعزع فيك الجلاد إيماناً أو أسقط لك إرادة...
بإيمانك وعزيمتك وإرادتك قاومت الصعاب، وحوّلت المعاناة والسجون إلى واحة حرية، وخرجت منتصراً لمبادئك وقضيّتك، وواصلت المسيرة حتى تبلغ غاية نبيلة، ورحت تشق الطريق لتحي سورية أمة واحدة حرّة عزيزة، يتوحّد فيها الشعب وتتآزر فيها الإرادات لتصون تاريخنا وتصنع حاضرنا وترسم لنا المستقبل الجديد ممهوراً بدمائنا وجراحاتنا وبطولاتنا والكرامة..
أشهد، أيها الراحل الأمين، على ما قاسيناه من عذابات ومعاناة، وأشهد كم كنّا مسكونين بفرح التضحية والصلابة والعنفوان.. كيف لا ونحن الموعودون بيوم قريب نحتفل فيه بانتصار الحق على الباطل، وانتصار الحقيقة على النفاق، وانتصار الحرية على الطغيان، وانتصار الوحدة على التقسيم؟!
يا أمين يوسف.. يا أبا ربيع ورائد ورندة، كنتَ المثل والمثال والقدوة..
كنت الثائر المكافح..
كنت الشاعر والكاتب والأديب..
كنت القومي الاجتماعي بامتياز..
ولأنّك تحوي كلّ هذه الصفات الطيّبة في شخصك، ستظلّ حيّاً في نفوسنا، تشاركنا آمالنا وآلامنا، وتستحثّنا على المضيّ في المسيرة".
*
يوسف الأمين
نشر الأمين نذير العظمة قصيدته الموجّهة إلى روح الأمين يوسف الدبس في عدد "البناء – صباح الخير"، أول أيار 2006.
يوسفٌ أيـــــــــــــــــــــــها الأمين تمهّــــــل كلمـــــــا لوّحـت أكــــــــــفّ الوداعِ
غابت الشـــمــــس غير أنّ شعاعاً ظلّ في القلب والعيون والنواعي
قد عرفنــاك في النضال وفـيّـــــــــــــاً شـــــعّ في مقلتيـك نـــــــور الصراع
فـرمــــــاد تركــتَ غـيـــــــــــــر رمــــــــــــــادٍ وشــــعاع يظـــلّ خيــــر شــــــــــــــعـاع
لأمس النبض في القلوب وأعلى فــــــي حمانـــا جــداره المتــــداعـــــــي
أيهـــــا الغائــب المـخــلّــــــــــــــــــد فـيـنـــــا طيّب الأصل طيّب النسل واعِ
خــــلّ للـركـــب وهلـــة وتلـفّـــــــــــــــــت يا رفيق الحمـى وإلـــــف الشـــراع
إيـــه دير الغزال لا تنـسَ نســــراً حملت نعـشــــه قـلــــوب البـقـــــــــــاع
ونـعـتــــه إلـى الــــذرى حســــــــــــرات هي كالجمر في ضلوع الناعـي
عجباً كيف يطلع المـــوت ورداً ودموعــــاً لــدى جفــون المـــــــراعي
يــا رفيقـــاً بكيـت فـي ظــــلّ ديـــــر مــــــدّ للحـــب والحـــيــــاة ذراعــــــــــي
يسطع الحبر في جراحي ويوحي ليــراعـــي ما يسـتـثـيـــر يـــراعــــــــــي
يا رفيـق الربيـع والمـــوت إنّـــــــــــــي شـــاعر الدمع والعيون الوســـاع
حمّلتني المنون عبء المحبّين وولّت بفرحتي ومتاعي
إيــه ديــر الغــزال ما كنت أنجــــو مـن يـد الموت لو خلعت قناعي
زنّر الرّعب يقظتي فلبست العشب، حولي عقاربٌ وأفاعي
أيّ قـــــاع مــن الهزيمــــة والـــذل خرمنـــا مـن شــــقّـــه أي قـــاعِ
وخــرجنـــا إلى الســفـوح عــــــــراة يـا لشــــعـب مكـبّــــل ومـبــــــــــــــــــاع
إنّ شـعباً يغضي على الذل شــعبٌ هزمته ضراوة الأنواع
كم صـنعـنـا أقدارـنا ومضينـــا وتركنا المطاع غيــر مطـــــــــــاع
طهـــــ،روا الهيكل المقدس من وغـــــد، ومـن تـاجــــر ومن بياع
آه يا يوسـف الذي غبت عنا وقف الربـــع مرهـف الاســــــماع
خـــللٌ صار للنفـــوس خــــــلالا فابـتـليـنــا بالنـــذل والطـــمّـــــــــــــــاع
زوروا رؤيــــة القطيــــع فـذئـــب يتـلطــــــى بـِسمـــــت هـــــــــاد وراع
وكــروم تصـير غيـــر كـــــــــروم دمــرتهـا ثعـــالب الأقطــــــــــــــــــــاع
والفتاوى شــــغالة فـي حمانـــــــا صامـت نـاطـــق بها الاوزاعي
أيهـــا الفـارس الكمـــيّ توسّـــد وتنفّـــض جيـــــــــــــلاً من الإبداع
يوســف كل يوسف كان منا فالــــدم الحـــر ثابـــت الأضلاع
يـــا ربـــي ميـسلـون تلك دمانا في شــــــذا الياســـــمين والنعناع
جمعت شملنا المنايا وردّتنا شروخاً تغزو سجون القلاع
فالجـــدار المنيع غيــر منيع وصداع في السور أي صداع
وسّــــــــدت حلمـنـــــــــا الســـيوف وقامت نخوة الوارثين والأتباع
قد يضم الثرى رؤانا ولكن يطلع النبض روحنا في التلاع
يا صلاب البذور كيف استحال البذر حلماً من خضرة ويناع
فعبرنا الردى خفافاً الى الفجر وقمنا حلماً من الاشعاع
ودّعـــــــــــــوا يوسفاً معي فثراه طيّـب البــــوح خيّر الاوجاع
ذاك إيقاعه بروحي وقلبي ولديه رغم الردى إيقاعي
***
التاريخ الحزبي النضالي الطويل للامين يوسف الدبس لا تختصره هذه النبذة، ننصح بالاطلاع على المعلومات الواردة في "بدايات العمل الحزبي في البقاع الاوسط" لنتعرّف اكثر على الحضور الحزبي الملفت للامين يوسف الدبس.
***
مـــن وحـــــي ســـــعاده
إن نحن اتخذ نــا الحــزب قضيةً نتفانى في سبيلها،
ينمو حزبنا، يمتلك العافية النفسية – المادية، ويتأهل للانتصار.
أما إذا انحرفنا نحو المفاسد والمنافع الفردية
تفرّقنا شيعاً وأضعنا قضيتنا،
فـلـعـنـنـــــا ســـــعاده والتاريخ .
|