نشر الامين غسان الاشقر هذه الرسالة في الصفحة الاولى من عدد جريدة "الديار" يوم الاحد 21 الجاري، ننقلها لما فيها من نبض قومي اجتماعي نحتاج إليه في مسيرتنا القومية الاجتماعية النضالية.
ل.ن.
*
هذه الليلة سيعدمونني . أما أبناء عقيدتي فسينتصرون وسيكون انتصارهم انتقاماً لموتي،
قال للكاهن الذي عرّفه
أيها الزعيم الحبيب ، يا خجل التاريخ من هذه الليلة.
اراك محتشداً كثيفاً في هذا الثامن من تموز. كأن بك حزن على ما نحن عليه، ولكنك تمشي عالياً وخلفك الفصول وشجر الأرض وغيم ومطر وحزب يضمر الزمن الآتي.
يومض وجهك باسماً يا قمراً ليلة الاغتيال. تفيض كثيراً تفيض غزيراً"
مشيت بيننا خطوتين فاستفاق الضوء وتنادت الأمة ونهضت من ركامها الأرض وتجمعت.
ذهبت الى أقاصيك رافقناك برهتين كأنها زمان، تدافعنا وراءك الى الذرى والريح خطانا.
كأن آخر الليل اول الفجر غفى في زنزانته يستريح من عناء الخيانة. فارس يستريح وما يترجل. كان نومه هادئاً.
اخذته الأحلام الى الشوير الى أهلها وناسها وبيوتها وصنينها. وعرج على العرزال. تحيّة ايها العرزال والف سلام .
ودّع زوجته وأطفاله ثم مشى بينكم أنتم الأحباء الأوفياء المفتدون ملح الأرض ونبض الحياة. أراد أن يصافحكم واحداً واحداً لكن الوقت داهم فقبّل الجبين العالي وعاد .
كان آخر الليل أول الفجر. أيقظه الكاهن الذي عرفه الأب برباري. حضرة الزعيم ، حضرة الزعيم. كان يتمتم ويتضرع ويبكي. حان وقت الاغتيال . وقف كبارق النصل رمحاً قويماً رهيفاً ، خفيفاً كالريح نضّاحاً شفيفاً. ابتسم وقال لهم هيا بنا. وعبر الى رمل بيروت.
كان آخر الليل أول الفجر . دوّى الرصاص . انفتح صدر الشهيد سماء على مداه ، وطناً على مداه ، بلاداً تهتز عزاً والهتافات تطوق الأرض لتحي سورية وليحي سعادة لتحي سورية وليحيا سعادة.
وسطع فجر من ثقوب الرصاص.
ان موتي شرط لانتصار عقيدتي .
كان لا بد من موته . كان لا بد من دمه حتى لا يشيخ الربيع فينا . حتى يبقى الولع أجاج . وتبقى النخوة واللهفة ويبقى الشغف والدهشة. فلا رتابة ولا بلادة ولا فتور ولا اسفاف ولا ركود ولا استنقاع ولا يأس يحاصرنا ولا غبار ولا تمتمات ايمانية خلف الأبواب الموصدة ، بل جماعة حية مصارعة حرة خلاّقة تحيا على بارق النصل والحلم الكبير يتوهج برّاقاً ابداً على ضفاف الكلام.
لا بد من موته لا بد من دمه حتى لا يستسلم النهر للجفاف .
أعلن حربه على الخوّانين النخاخين والكهان والصيارفة وتجار الهيكل والطائفيين الذين باعوا هذا الوطن بثلاثين ونشروا وباء الذل ، وعمموا الجهل والعتمة وزرعوا الفتن وحللوا الخيانة والفساد وثقافة النباح والتوسل على ابواب الكبار فاضرم النار في الهشيم ذاك الشامخ البهي المديد.
اصابهم هلع . تنابحوا فاجتمعوا الملوك الرؤساء والصهاينة والقناصل الصهاينة والطوائف والأحزاب والأحزاب الطوائف ويهود الداخل وعربان الرمل وقراصنة الغرب.
رجالات "الاستقلال" بشارة الخوري ورياض الصلح والبغيض البغيض حبيب أبو شهلا وحسني الزعيم والملك عبدلله والملك فاروق وملك العتمة الوهابي عبد العزيز وموشي شاريت العربان و الأمريكي والانكليزي.
خرجوا من زرائبهم صغار الأزمنة الساقطة
علا نباحهم : نقتله ، نغتاله قبل أن يجتاحنا ناره. نقتله فتتهاوى الحروف والكلمات والحزب والعقيدة ويتشتت الاتباع.... شبّه لهم.
اغتالوه عند الفجر على رمل بيروت وذهبوا هباء ريح. وبقيتم انتم ابناء الحياة وبقيت الحروف والكلمات والحزب والعقيدة الباهرة . بقي هو بدر المناضلين ، الخضر البعل الخصاب زعيم عزيز وسّع الأرض ووحدها. زيّن الدنيا وذهب .
نعتزّ كثيرا" ونفتقدك كثيرا" يا رجل.
أنا اموت اما حزبي فباق وسينتقم لموتي.
أنذرهم وأوصانا .
أسس حزبا" خطيرا" فيه نشأنا أحراراً اعزاء، فلا خضوع لأي قوة قهارة مهما عشت ولا طأطأة لمستكبر ولا استجداء لحظوة أو مكانة ولا استزلام لأحد داخل الحزب أو خارجه ، ولا محاباة لسلطان مال ولا معايشة لنظام سياسي ساقط مهين اغتال زعيمنا وشتت ارضنا وشعبنا.بل حزب حرّ مناضل به نقرأ الدنيا ، نقرأ الأمة ونبتكرها ابتكارا" حيّا" ، نقرأ الشعر والأدب والفلسفة والدين ونقرأ الله قراءة جديدة.
هذا هو حزبنا العظيم الخطير .
وحزبنا لا يحتمل الغفلة ايها الرفقاء .
غفلنا فاجتاحت الثعالب الحقول . الثعالب المروضة تعبث وتعوي بين البيوت . الثعالب المدربة المروضة في زرائب الممالك والمشيخات والسفارات تأكل من خبزنا وتعبنا وتعوي في صحن دارنا وتتجرأ في هذا الزمن الرديء أننا ندخل عصر الثعالب والنباح والسقوط أيها الرفقاء . ولا انفلات من مفاعيل هذا العصر المتصدع الا بحزبكم.
فالحزب هو الدرب والخطى وهو الأرض والماء والزرع والقمح. هو العزة والكرامة والحب والحرية والمعرفة والأمل ، وهو الزند والمعصم والسيف وصيحة النهوض. وهو الحق والخير والجمال والقضية التي تساوي كل وجودنا.
اما أن نكون حزب سعادة ايها الرفقاء أو لا نكون.وليس من منزلة بين المنزلتين.
قال سعادة : " وضعنا في هذا الصراع كل سلامتنا... كل مصالحنا كل شيء عندنا في الحياة لأننا لا نجد الحياة خليقة بأن يحياها الانسان الا اذا كانت حياة حريّة وحياة عز."
أين نحن ايها الرفقاء من هذا الصراع الفاصل الذي تدور رحاه على مدى الأمة والعالم العربي. اين نحن من قضايا هذا الصراع ومستلزماته . كيف نستعيد دورنا وفعلنا وحزبنا وحضورنا الخلاّق ، كيف نستعيد قوّتنا؟! انتم وحدكم ايها الرفقاء تختزنون القوة وطاقة التغيير والنهوض لحزبنا الى حيث أراده سعادة أن يكون.والقوة ايها الرفقاء على أنواعها هي دائما" أولا" وأخيرا" القوة الثقافية، قوة العلم والابداع والمعرفة والمراجعة والتخطي. هذه كانت دائما" مكامن التألق والقوة والزخم في حزبكم وفي الأمة.
نعود اذن الى الكتاب نقرأه ونستنطقه فيخرج من خموله العقل ويشرقط من جديد.
ونعود الى تاريخ الحزب وسيرة سعادة ونضاله المرير تأسيساً وانشاءً وصيانةً لحريّة هذا الحزب وحريّة تاريخه. نستلهم الثامن من تموز وسيرة شهدائنا الأبرار.
نوقظ وهج الروح حتى يستفيق الشغف والولع والأحلام والسعي والطريق من جديد.
نباشر العمل ، نتجاوز هذا الوضع الذليل المهين ونعبر الى الزمن المضيء.
|