أيها السوريون القوميون الإجتماعيون
مضى على ندائنا الأول ما يقارب الشهرين، وكنا قد خاطبنا فيه حقيقة أصالتكم الحزبية، وعمق إيمانكم، وصدق إنتمائكم، لنقوم معاً بتفعيل العمل الحزبي، وبتنقيته من الأخطاء، لإنتشاله من التردي والنهوض به الى حيث يجب أن يكون.
لقد شاهدتم وشاهدنا بأم العين، ولمستم ولمسنا أن الحزب الذي أعده سعاده لدور يكون فيه قائد الأمة ومنارتها وباعث نهضتها وحامل لواء وحدتها، والمدافع عن أرضها وشعبها، قد يكاد يفقد هذا الدور، أو قد يكاد يجعل من هذا الدور دوراً مجتزءاً، تابعاً، ومتهالكاً، يفتقد شعلة الصراع، بل حق الصراع، الذي هو حق التقدم، بل حق الحياة.
مرت على أمتكم في السنوات الأخيرة أحداث جسام، ومؤامرات إرهابية تدميرية استهدفت الشام ولبنان والعراق، أولى غاياتها وضع يدها على ثروات أمتكم، وتدمير وحدة البنية الإجتماعية قبل تدمير الحجروالتراث وتقويض موقع الصمود القومي في وجه مشروع سايكس – بيكو جديد بنسخه الشرق أوسطية أوصفقة القرن المشبوهة لتصفية جوهر قضيتنا القومية في فلسطين وإسقاط محور الصراع القومي مع العدو. ومارستم البطولة المؤيدة بصحة العقيدة، وقدمتم الشهداء والتضحيات في اكثر من مكان، وأعدتم للأمة وديعتها فيكم وهذا يشهد لكم.
لكن هذا على عظمته ليس هو وحده الدور الذي أناطته عقيدتكم بكم، وليس هو وحده الدور الذي أراده سعاده لحزيكم.
افتقد حزبكم دوره القيادي. افتقد حزبكم ألقه واشعاعه في أمته. افتقد حزبكم دور الفعل بالأحداث، وركن إلى دور الإنفعال بها. افتقد حزبكم دور الرسالة في أشد الأوقات حاجة إليه، والى عقيدته الموحدة، الناهضة بالمجتمع.
لقد كانت الآن في هذه اللحظة التاريخية الملحة، الحاجة لحضور حزبكم في المتحدات الإجتماعية على مساحة الوطن السوري التي عملوا على تمزيقها طائفياً ومذهبياً وعرقياً، لإنقاذها من هذه الأمراض السرطانية. الحاجة الى حضور حزبكم لطرح عقيدتكم كعلاج لتلك الأمراض التي تفتك بوحدة أمتنا الإجتماعية. لطرح عقيدتكم كخشية خلاص لوحدة الشعب والأرض لإكتناز القوة والدفاع المجدي في وجه الطامعين والمتآمرين وما أكثرهم.
لقد كانت الآن، وفي هذه اللحظة، الحاجة الملحة، ليقود حزبكم التحركات الشعبية المطالبة بالعدالة الإجتماعية وتعزيز دولة الرعاية الاجتماعية وبناء الاقتصاد على أساس الإنتاج بديلاً عن اقتصاد الريع الذي أغرق البلاد والعباد بالفساد والاحتكارات والمحسوبيات وحولت متحداتنا الاجتماعية أنقاضاً فوق أنقاض.
لقد كانت هي اللحظة ليتنكب حزبكم المبادرة إلى محاربة منظومات الفساد والفاسدين وإخضاعهم للمحاكمة أياً كانوا وأينما كانوا، وباستعادة الأموال المنهوبة، وتشريع القوانين الآيلة الى وحدة الشعب، وتصدر جبهة الداعين للدولة المدنية العلمانية التي هي وحدها صمام الأمان لوحدة المجتمع والفضاء المجتمعي الصلب لخيار المقاومة وعزتها وتساميها.
أنتم ترون بأم العين أن شعاراتكم التي ناضلتم لأجلها عقوداً من الزمن وسعى حزبكم عبر مراحل تاريخية وفي وسائل مختلفة للتخلص من الأنظمة الطائفية والفئوية والإقطاعية والرأسمالية الفاسدة والمفسدة، ودفع أعظم الأثمان في سبيل تحقيق مبادئه القومية الاجتماعية بإقامة نظام جديد، ترون أن هذه الشعارات ترفعها شرائح متعددة من شعبكم في الساحات وعلى المنابر في وقت تقف قيادة حزبكم إزاءها متفرجة ومستكينة، ولا ندري لماذا؟
أين دور حزبكم في هذا الصراع والعراك؟ أين دور عمدة العمل والشؤون الاجتماعية في تبني أوجاع شعبنا والانتصار لحقوق الكادحين وذوي الدخل المحدود، وأصحاب المهن والمزارعين والصناعيين، ورفع الصوت في مواجهة مافيا الإحتكار والإستغلال التي تُسيطر على مقدرات الدولة والمجتمع دون وازعٍ أو رادع.
إن حزبنا يحتل موقعاً في قيادة الاتحاد العمالي في لبنان، وهو الاتحاد الغائب عن هموم وقضايا شعبنا في أصعب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية التي تستدعي دوراً أساسياً له والسؤال يصبح مشروعاً وضاغطاً، ما قيمة المواقع التمثيلية سياسية كانت أم نقابية أم مهنية أو غيرها وعلى أي مستوى من مستويات السلطة إذا انسلخت عن هموم شعبنا وقضايا مجتمعنا وأمتنا، ألسنا حزب الشعب؟! وإن لم يكن حزبنا حزب الشعب فماذا يكون؟ حزب سلطة ليس إلا!
أين مؤسسات حزبنا التربوية والثقافية والإعلامية والسياسية تحمل بكل قوة مطالب الإصلاح السياسي والتربوي وتُواكب أجيال طلابنا وشبابنا من المتخرجين والأدمغة والمبدعين الذين ملأوا الساحات ويعبرون بأعلى صوتهم عن قلق يستبد بمستقبلهم المفتوح على باب البطالة والهجرة والضياع؟
أين موقف حزبكم من نظام المحاصصة والفساد والظم الاجتماعي؟؟؟ نثور عليه، لأنه مصدر إفقار شعبنا وتجويع وإذلال لشعبنا مما يفقده مناعته الاجتماعية التي هي الحجر الأساس في حماية خيارنا القومي وصراعنا مع العدو اليهودي الصهيوني والبيئة الصلبة لحماية مقاومتنا من المؤامرات التي تستهدفها.
أين صوت حزبنا يرتفع عالياً محذراً ورافضاً ومندداً بكل القوى الداخلية والخارجية التي تُحرض على إشعال الفتن الطائفية والمذهبية وتفتعلها في لبنان والعراق بعد إخمادها وفشلها في الشام، أين صوت حزبنا يحتضن مُبادرات أمهاتنا الشجاعة التي داست على خطوط التماس المفتعلة في أكثر من منطقة وتوسلها الفتنويون سلاحاً قاتلاً لإطفاء وهج النضالات الشعبية التي أعادت إحياء الأمل وبث روح المواطنة خارج استقطابات البلوكات الطائفية وكتلها الجامدة، مما أكد من جديد أن النظام الطائفي ومرجعياته القابضة على السلطة والإدارة والمؤسسات ليس نظاماً أبدياً سرمدياً وإن أمر تغييره كما يروج الطائفيون والملحقون بهم حالةً ميؤسةً منها، بل هو نظام يهتز فاقد لإمكانية استمراره، وإن الحاجة إلى نظام سياسي واقتصادي واجتماعي جديد يُشكل قاعدةً أساس في بناء الدولة المدنية المعاصرة، وهي راية وجب على حزبنا أن يكون طليعياً في تعزيزها وتأمين مقومات انتصارها في المجتمع والدولة في كل مرحلة انسجاماً مع عقيدته القومية ومبادءه الإصلاحية وعدم المسايرة أبداً على هذه الثوابت والقناعات.
ومن هو أجدر منكم وأنتم المدرسة القومية العقائدية النهضوية وأنتم حزب المقاومة للمبادرة للتصدي لفئات مأجورة ومجموعات متآمرة كل دأبها أن تحرف نبض انتفاضات شعبنا عن أهدافها المحقة والمشروعة والنبيلة.
تقاعس المسوؤلون في حزبكم عن القيام بهذا الدور، وفتك بهم مرض اجتناب الصراع، وتصرفوا كأن الأمر لا يعينهم، أو كأن دورهم هو دور المراقبة، لا دورالإنخراط في الحدث للفعل فيه، وتحويله لمصلحة الشعب والأمة.
إننا لا نشك لحظة بأن كل سوري قومي إجتماعي تأكله المرارة، ويمتلكه الشعور بالألم، كلما شاهد هذا الفارق الضخم بين ما كان يحلم بتحقيقه انطلاقاً من عقيدته، وبين هذا الواقع المؤلم. بل نكاد نقول بتملكه الدهشة كيف أن هذا لحزب الذي يملك هذه العقيدة العظيمة، لم يكن له أي تأثير ملموس في قيادة حركات التغيير وفي تأطير مطالبها واغنائها بما تشمله مبادئه الإصلاحية التي تختصر كل تلك المطالب.
أيها السوريون القوميون الاجتماعيون
أليس من حقنا بعد كل ذلك أن نتساءل، ما الذي جنى على حزبنا هذا التردي والإنحدار؟
أن القوميين الإجتماعين بغالبيتهم يعرفون الداء، ويعرفون الدواء.
واذا كان الداء هو التفرد بالقرار الحزبي وتجويف معنى المؤسسات، والتغاضي عن المخالفات والإرتكابات، بل في بعض الإحيان تشجيعها، والتلاعب بالدستور بتعديلات وتفسيرات متناقضة وناقصة. فإن الدواء هو العودة لسعاده، لمبادئه، لأقواله، لتعاليمه، لمؤسساته، لمواقفه، لبطولاته، لصراعه، لرؤاه السياسية والإجتماعية والإقتصادية، لتضحياته، ولوقفات العز، للنظر نظر شاملة للأمة ولأمراضها ولقضاياها وللإنخراط في الإضاءة عليها وفي معالجتها.
السوريون القوميون الإجتماعيون أثبتوا خلال تاريخ تضحايتهم وبطولاتهم، أنهم أهل لتنكب كل المخاطر، وكل المهام، ولتقديم كل التضحيات، عندما يكون ذلك لوحدة سورياً، ولوحدة شعبها، ولمجد سوريا وعزتها. وهم مؤمنون وثابتون على ايمانهم بأن حزبهم الذي أنشاه سعاده لنشر العقيدة وتحقيق الإنتصار قادر على ذلك، إذا أحُسنت قيادته، وأحُسنت إدراته.
أيها القوميون الإجتماعيون.
كنا في نداءنا الأول قد دعونا كم للمشاركة الفعالة في انتخابات المجلس القومي، واختيار من تعتقدونه الأفضل لمرحلة أولى لإختيار قيادة حزبكم القادرة على نشر عقيدتكم والعمل على انتصارها. واذا كان قد اعترى الإعداد الإداري والدستوري لهذه الإنتخابات تجاوزات ومخالفات أساسية تتحمل مسؤليتها الإدارة المركزية مما يقتضي أن تُحاسب عليها، ولا يتم تجاهلها لدواعٍ فئوية أو أي اعتبار آخر، كما تم التغاضي عن تنفيذ القرارات الملزمة المتخذة من مؤسسات الحزب ومجالسه العليا، وجرى شطب أسماء أو ادخال أسماء على لوائح الشطب في آخر لحظة بعد مصادقة المجلس الأعلى على اللوائح وخلافاً للدستور والقانون والتي أدت الى تقديم الطعون بها الى المحكمة الحزبية التي نأمل البت بها دون أي إبطاء، وكلّ تقاعس من قِبَل المحكمة في بت الطعون يجعلها مشتركة في تجاوز المعايير والأصول التي تُؤكد الحق وتصون مبدأ العدالة القومية.
وبالرغم من هذا الخلل في أكثر من منفذية ودائرة انتخابية وما شابها من عيوب فاضحة وموثقة تسيء إلى جوهر الممارسة الديمقراطية ومصدر إنبثاق السلطة في الحزب، إلا أننا يمكننا القول بأنكم حاولتم القيام بواجبكم بشفافية، وأنجزتم رغم كل هذه المخالفات والتدخلات اللاقانونية، نجاحاً ملحوظاً على طريق إنتصار المؤسسات وتأكيد طريق إرادة التغيير، وأتممتم المرحلة الأولى منها ولم يبق أمامكم سوى المرحلة النهائية لإختيار قيادتكم التي نعمل أن تكون قيادة مؤهلة وقادرة أن تحمل مشروعاً إصلاحياً وتوحيدياً وتجديدياً ليستعيد الحزب دوره الذي يفتقده جموع القوميين الاجتماعيين في الوطن وعبر الحدود، كما يفتقده الحرصاء على الحزب من أصدقاء وقوى حيّة تنظر إليه قوة تحرر نهضوية مشعة في أمتنا السورية وعالمنا العربي، قوة تجمع وتُوحد ومنارة تشع وحزباً وثق به زعيمه فكرةً وحركة تتناول حياة الأمة بأسرها ومنظمة تفعل سياساً وإدارةً وفكراً وحرباً لتغيير مجرى التاريخ.
4/12/2019
ولتحي ســوريا
وليحي سعــاده
أعضاء المجلس الأعلى المستقيلون:
الأمناء:
غسان الأشقر - توفيق مهنا – أنطون خليل – عصام بيطار- عبد الكريم عبد الرحمن
رئيس الحزب السابق حنا الناشف.
|