عرفت الرفيق يوسف المسمار في اوائل ستينات القرن الماضي، ونشطنا سوية في مكتب الطلبة، في فترة غنية جدا بالعمل الحزبي في أوساط الطلبة، إلى أن لوحق فاضطر إلى مغادرة لبنان، ساعده في ذلك ابن بلدته، رئيس مجلس النواب صبري حماده، روى لي ضاحكًا كيف استعمل السيارة الاميركانية الفخمة لرئيس مجلس النواب "فكدتُ لقصر قامتي أقف في السيارة".
بعد سنوات من مغادرته الوطن عاد الرفيق يوسف في زيارة إلى لبنان فالتقينا، وعندما غاردتُ البرازيل التقينا أكثر. من ذلك الحين هو مقيم في ذاكرتي ووجداني، أُسجل للرفيق يوسف أنه لم ينقطع يومًا عن العمل الحزبي لا في السنوات الصعبة، في اوائل ستينات القرن الماضي ولا عندما غادر إلى البرازيل، مقيماً، في بلاد تسحرُ الداخلين إليها وتجعلهم ينصرفون الى اللهو والبحث عن اسرع وسيلة لتحقيق النجاح المالي، فيما اختار الرفيق يوسف ان ينصرف إلى العمل الحزبي محققًا في السنوات الاخيرة اصدار العديد من المؤلفات باللغة البورتغالية عن سعاده، إلى قواميس ودواوين شعر.
عنها كتبتُ مراراً، وعن الرفيق يوسف ذكرته تكراراً وذكرت أسماء رفقاء عملوا في تلك السنوات ومنهم الرفيق جوزف بابلو المثقف الضليع بالفرنسية المذيع الذي خسرناه، بعد ان كان غادر الرفيق يوسف فانقطع عن صديقه جوزف الذي غادر الى مدينة ليون Lyon في فرنسا، متأثراً لاحقاً بالحزب الاشتراكي الفرنسي متحولاً إلى مناصر له في فترة رئاسة فرانسوا ميتران، الذي تولى لاحقاً رئاسة الجمهورية الفرنسية.
جوزف بابلو لو بقي متلاصقاً مع الرفيق يوسف المسمار كما كانا في السنوات الأولى من الستينات، لكان حقق حضورًا متقدمًا في الثقافة القومية الاجتماعيّة، وفي الحقول الفكرية بشكل عام(1)، نظرًا لتميّزه في هذا المضمار.
ولأن علاقتي مستمرة مع الرفيق يوسف المسمار، كأنه لم يغادر الوطن وكأننا ما زلنا معًا ننشط في حقل الطلبة، جامعات وثانويات ومعاهد ومناطق، فقد استلمت منه منذ أيام رسالة كان استلمها من الامين عبدالله قبرصي صادرة عن بيروت في 10/11/1999، ننشرها لتاريخنا الحزبي.
ل. ن.
*
الرفيق العزيز يوسف المسمار المحترم
تحية سورية قومية واجتماعية
كم أنا معجب بك وشاكر.. من أقاصي الأرض، من البرازيل التي عاش فيها سعاده العظيم، فكتب وعلّم وأسّس، ترسل لي كتاباً قرأته منذ سنوات، وكتابك الجديد "أوراق الحياة" قرأته بشغف واهتمام كبير. تعرف أني، هربًا من التعذيب والمظالم، استطعت ان اصل الى فنزويلا، حيث أسست مجلة أسميتها "الندوة" فكنت في دنيا الاغتراب كما انت كائن، مع عدد كبير من الرفقاء أسستم ما أسميه الإمبراطورية القومية الاجتماعية، إمبراطورية الفكر القومي، الفكر القومي العلمي، الفكر القومي الإجتماعي الذي ثبتت الأيام أنه الفكر الصحيح نظريًا وواقعيًا.
كم أنا مشتاق أن أضم كل واحد منكم إلى صدري، لأنكم ثورة مادية ومعنوية للحزب وللأمة بالطبع، أنا ضد الرأي القائل بأن المغتربين، لأنهم يبنون وينجزون حيثما يكونون، يجب أن يظلوا في ديار الغربة. أنا ضدالإغتراب، إلا إذا كان مؤقتاً، والذي يهزّني فعلا هم القوميون الإجتماعيون أمثالك، فأنت في أقاصي الأرض ومنذ إغترابك منكب لا لأجل جمع المال، بل على التأليف والكتابة شعرًا ونثرًا. هنا يكمن إعجابي، ولكن مكمن شكري سببه أنك تذْكرني بإستمرار رغم عدم جوابي غير المقصود. لأنني لم أكن أعرف عنوانك. هذه المرة وردني عنوانك مع الكتاب لذلك أبادر بعد قراءته لأكتب إليك. لا أقول أن مقالاتك وخطبك قطع نادر، ولكن للأنصاف أقول أنك في ما تكتب وتخطب تستوحي روح النهضة وعظمة غايتها وقيمتها والمقاصد. فأنت قومي إجتماعي قدوة للرفقاء ومثال للمغتربين وحتى للمقيمين.
ان ما بهرني فعلًا – ولو كررتُ هذه العبارة – هو انك من القلائل القلائل الذين يذكرون سعاده ومعه تلامذته (الرسل) وأعوانه، نحن نفاخر ونعتز أننا أبناء سعاده الروحيين. نحن صحابته، ولكننا أيضًا نفاخر ونعتز أننا أكملنا الطريق، مقدمين أغلى التضحيات مواجهين الموت بلا تردد ولا تخاذل. لقد علّمنا سعاده البطولة فمارسناها وعلّمنا رفقاءنا ممارستها. هذا ليس للتبجح، بل لتأييد وجهة نظرك الصائبة، فتنشرها وتعلّمها. نحن بحاجة إلى أمثالك ممن يقدرون تضحياتنا واستشهادنا المستمر الى آخر رمق. لقد قلت وأكرر لك أن عظامي في قبري ستظل تهتف: تحيا سوريا ويحيا سعاده.
ان ما بهرني فعلاً في كتابك الأخير هو ابتكارك عبارات بليغة تشبه الآيات في بعض الأحيان كتلك التي على الغلاف فضلًا عما ورد ضمن الكتاب. أكمل يا رفيقي يوسف، وانشر ووزع. إنك تعرف المخاطر وتعرف إلى أين إنحدر إنساننا (ما عدا الإنسان القومي الإجتماعي) في تهربه من التضحية والعطاء تاركًا المسؤوليات الجسام على عاتقنا وعلى عاتق الأقدار.
|