من الرفقاء الذين كان لهم حضورهم الجيّد في كل من اكرا (غانا) ولندن، نذكر بتقدير الرفيق محمد شلبي، الذي كنت عرفته ورافقته في مسؤولياته، مديراً، وناظراً للمالية(1) في منفذية المملكة المتحدة وايرلندا (وقد تعين بتاريخ 16/02/1993) وقبل ذلك كان تعيّن مدرباً في "مديرية لندن"(2).
ولاننا لا نملك، مع الاسف، المعلومات الوافية عنه، نكتفي بتعميم هذه النبذة "الاولية" آملين من الرفقاء الذين عرفوه في مسؤولياته في كل من اكرا ولندن، او في منفذية طرابلس ان يكتبوا الى لجنة تاريخ الحزب، فنعمم في نبذة لاحقة ما يُغني سيرة ومسيرة الرفيق شلبي.
بتاريخ 04/08/1994 وجهت بصفتي عميداً لشؤون عبر الحدود الرسالة التالية الى عمدة الاذاعة والاعلام، وقد نشرت جريدة "الديار" مضمونها بتاريخ 10/08/1994:
" فقد الحزب السوري القومي الاجتماعي ناظر مالية منفذية المملكة المتحدة محمد شلبي.
تولى شلبي مسؤوليات عديدة في كل من أكرا، غانا، حيث كان مديراً لمديريتها وفي لندن حيث كان يتولى حتى وفاته مسؤولية نظارة المالية، وكان الفقيد مثالاً للقومي الاجتماعي، المؤمن، والمواظب والمتفاني في سبيل حزبه وأمته. توفي شلبي يوم الاحد الفائت في لندن اثر نوبة قلبية مفاجئة، ووري الثرى يوم الثلثاء، وتقبل ذووه ورفقاؤه التعازي في منزله في لندن يومي الخميس والجمعة 4 و 5 آب."
*
المغترب الرفيق محمد شلبي في حديث لـ "البناء":
مؤسسات الحزب هي الرابط الوحيد للمغتربين مع وطنهم الام
في عددها رقم 694 تاريخ 29/07/1989 نشرت "البناء – صباح الخير" الحديث التالي الذي اجراه مندوبها في طرابلس الرفيق جهاد نافع مع الرفيق محمد شلبي، ننقله كما جاء في العدد المذكور.
• كيف بدأت قصتك مع الهجرة ؟
- بدأت قصتي مع الهجرة منذ ان كان عمري ثلاثة عشر عاماً عندما هاجرت بصحبة والدي الى افريقيا حيث أمضيت فيها الجزء الاكبر من عمري اي من سنة 1947 حتى سنة 1989. في هذه السنة انتقلت الى انكلترا وفيها الآن أمارس أعمالاً مختلفة من تجارة وبناء وتأسيس شركات نقل وحالياً انا بصدد تأسيس شركة لتعاطي تجارة العقارات في انكلترا.
• ما هي الصعوبات التي يصادفها المهاجر في هجرته ؟
- الانسان يهاجر حين لا يستطيع العيش في وطنه، وهجرتي مع عائلتي كانت لأن والدي لم يستطع ان يعيش العيش الكريم في بلده وإلا ما كان هاجر، فالهجرة من اصعب الامور على الانسان خاصة الذي يحب وطنه ويحيا آلامه، هذا الانسان يهاجر الى اجواء جديدة، الى محيط جديد ولغة جديدة وتراث جديد حيث التعاطي مع الناس يختلف. وهذه الحالة تشكل نقطة انطلاق جديدة حيث تكون الصعوبة الاولى في مواجهة الوضع الجديد. وحيث يصطدم بعادات وتقاليد جديدة مختلفة، ورغم ذلك يبدأ المهاجر بالمجاهدة والمثابرة ويعمل بكامل طاقته ويحقق طموحاته خوفاً من العودة الى الوطن فاشلاً.
• هناك من يقول ان للاغتراب وجهين: سلبا وايجابيا. كيف ترى الوجه السلبي، والوجه الايجابي في الاغتراب ؟
- أنا ارى ان الوجه السلبي يتمثل بابتعاد المواطن عن وطنه وعدم المساهمة في بنائه وفي بعض الاحيان انسلاخ المهاجر عن وطنه كليا والغرق في مجتمعات جديدة.
اما الوجه الايجابي فيمكن رؤيته من زاوية التعاطي مع الحضارات الاخرى وإمكانية حمل رسالة أمتنا الى العالم بالتبادل الثقافي والتجاري وما الى ذلك. هنا يهمني ان اوضح ان الذين هاجروا الى اميركا الجنوبية والشمالية انصهروا في بوتقة المجتمع الجديد وتخلوا عن وطنهم. اما الذين هاجروا الى افريقيا فقد حافظوا على علاقتهم وارتباطهم بوطنهم لصعوبة الانصهار بالمجتمع الافريقي.
• كيف يمكن ان نحافظ على ارتباط المهاجر بوطنه وإنقاذه من الانجرار الى المجتمعات التي يهاجر إليها؟
- ارى ان هذه المهمة اساسا مطلوبة من المؤسسات الحكومية عبر السفارات والمندوبيات والقنصليات والاتصالات العالمية حيث يطلب ممارسة توجيه المغترب والابقاء على الاتصال معه لتشجيعه على الرجوع الى وطنه، وان كان في الوقت الحاضر تصعب العودة الى الوطن ما لم تتوافر اجواء الامن التي تدعو الى الاطمئنان وذلك عندما تنتهي المحنة حيث يحتاج الوطن الى إعمار ومشاريع تعيد الحيوية إليه.
ربط المهاجر بوطنه لم يتم تماما عبر هذه المؤسسات، وانما حصل عبر مؤسسات تنتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي، وبقي النشاط الحزبي للقوميين الاجتماعيين وذلك بإنشاء المدارس والاندية والجمعيات الرابط الوحيد للمغتربين مع وطنهم الأم من هنا ندعو السفارات والقنصليات الى المساهمة في هذا العمل الوطني.
• يفهم من كلامك ان للحزب في المغتربات دوراً هاماً بربط المواطن بوطنه. كيف تحدد لنا هذا الدور ؟
- دور الحزب السوري القومي الاجتماعي عبارة عن تعريف المواطن المغترب بحدود بلاده، بالحياة فيها بالتراث والتاريخ. وجمع المغتربين في إطار من العلاقات الاجتماعية الدائمة بلقاءات وسهرات عائلية تشد من اواصر المغتربين، واستعملوا وسائل عدة منها إنشاء النوادي كما قلت، والجمعيات، والدعوات الى محاضرات تطرح فيها الافكار للمناقشة وبالتالي احياء الاحتفالات بالمناسبات الوطنية والقومية، والدعوة الى المفاهيم القومية الاجتماعية كما انشأ الحزب بعض المدارس الابتدائية، وقد استقطبت عدداً لا بأس به ولكن المغترب في افريقيا اجمالاً كان يرسل اولاده الى الوطن للدراسة ذلك لانه لم يتمكن من الانصهار بالمجتمع الافريقي لذلك بقيت المدارس محدودة العدد لعدم توافر الطلاب.
والحقيقة تقال ان الحزب قام بدور السفارة لا بل احسن بكثير ذلك لان الحكومة اللبنانية تغيبت عن الساحة فترة طويلة من الزمن، في حين بدأ انتشار الحزب السوري القومي الاجتماعي مبكراً وحل محل السفارة خاصة عندما اسس النوادي والندوات الثقافية والتعليمية وتمكن من تثقيف المواطنين فكرياً وحضارياً عبر الرؤية الواضحة حول الوطن وهمومه ومشاكله.
• برأيك كمغترب امضى سنين عمره في الاغتراب، كيف ترى دور المغتربين في عملية إنقاذ لبنان من محنته؟
- ارى انه ليس للمغترب دور يذكر في عملية الانقاذ الا بوسائل الضغط والكتابة والقول، فالمغترب يعاني مثله مثل المقيم في وطنه، والمغترب يعاني اضعاف ما يعانيه المواطن المقيم لأن الغربة بحد ذاتها معاناة. فهو في بلد غريب يُنظر إليه كمواطن غريب من الدرجة الثانية والثالثة فيصبح همه ان يحاول جاهداً الى عمل شيء يؤمن حياته للعودة الى بلاده.
• الا تعتقد ان للمغترب دورا في بناء بلاده ؟
- طبعا في حال استتباب الامن لا بد للمغتربين من ان يتشجعوا ويعودوا الى بلادهم للمساهمة في بناء الوطن وحالياً لا بد للمغتربين من المساهمة الفعالة في بناء ما تهدم واعمار القرى والبلدات التي تعرضت للاضرار وكثيرون ساعدوا ويساعدون بإرسال الاموال الى أهاليهم والى الجمعيات والاندية للمساعدة في بناء بلدهم، ويمكن للمغترب ان يلعب دوراً في ارسال تبرعات مادية وإنشاء المشاريع التجارية والاعمارية التي تعود على البلد بالفائدة وتنقذه من الانهيار الاقتصادي وذلك بتشغيل الاعداد الهائلة من العاطلين عن العمل وهذه دعوة مني الى المغتربين للمباشرة بأعمال تجارية وصناعية مساهمة من المتمولين في بناء الوطن ولكن اعود فأقول ان توفير الامن والاطمئنان اهم شيء في هذه المرحلة وهما ما يستقطب المغتربين.
• هل تعتقد بوجود وسيلة معينة توقف الهجرة في بلادنا ؟
- توقيف الهجرة مرهون بعقلية المواطن ومدى ارتباطه بالوطن ومرهون بغرس المحبة بين المواطنين ومواجهة المصير المشترك هذا من حيث المبدأ.
أما عملياً فإيقاف الهجرة لا يمكن ان يتم ما لم تتوافر ظروف العمل والانتاج وضمان حرية الانسان في وطنه وضمان كرامة الانسان واحترام انسانية الانسان. وهذا يحتاج الى سياسة حكومية واضحة المعالم تؤمن العمل والحياة اللائقة الكريمة لجميع المواطنين بالعدل والمساواة. عندئذ يمكن التحدث عن ايقاف الهجرة والا ستبقى الهجرة مستمرة الى ما شاء الله سعياً وراء الرزق ولبناء المستقبل.
• ما هو دور المغتربين في مواجهة الاعلام اليهودي والحركات الصهيونية في بلاد الاغتراب وما هو العمل الذي قمتم به لمحاربة هذا الاعلام الخبيث ؟
- كمغتربين قمنا بكثير من الاعمال والحركات لمواجهة الصهيونية ولكن تختلف معطيات المواجهة بين مغتربينا واليهود. فالمغترب يلتهي بمسائله الخاصة ولا يعطي الا فترات قصيرة للتعاطي بالمسائل العامة بينما الصهيونية تفرغ عدداً كبيراً من الاشخاص للعمل والدعاية للحركة الصهيونية وبالتالي فهي تمتلك حوالي 90,80% من وسائل الاعلام. وبكل اسف شجع على ذلك غياب الدول العربية عن ساحة الاعلام وعدم وجود سياسة اعلامية تتوجه للمغتربين مما افسح المجال للصهيونية لان تعمل بكل نشاط، ولكن كان للحزب السوري القومي الاجتماعي الدور الاساسي في محاربة الصهيونية وتفنيد ادعاءاتها والتصدي لاعلامها المزور وذلك بمحاضرات وندوات والدعوة الى التظاهرات بالمناسبات الوطنية والقومية ونشر البيانات وقد تمكنا من التصدي للعديد من اكاذيب الصهيونية وواجهناهم كثيراً في التجارة والصناعة والاعلام، وشتى المجالات. وهنا لا بد من الدعوة الى انتشار لوبي عربي في كل مغترب فيه تبرز المحبة الوطنية القومية على قاعدة من التضامن والتعاون والتنسيق في مواجهة كل لوبي يهودي.
• ألم تفكر بالاستقرار نهائياً في وطنك؟
- أعمل دائماً بهذا الاتجاه، لأن الانسان حياته تبدأ بالوطن وتنتهي بالوطن.
هوامش:
(1) في فترة تولي الامين سليم سعاده مسؤولية عميد للمالية
(2) بتاريخ 16/10/1985 وجهت عمدة شؤون عبر الحدود في صادرتها رقم 04/12/53 اقتراحاً بقبول استقالة الرفيق محمد شلبي من مسؤولية مدرب، لانشغاله في اعماله الخاصة وتعيين الرفيق ادونيس نقولا قباني مدرباً .
|