تعرفت على الرفيق الياس مسوح بعد الثورة الانقلابية وتعمّقت علاقتي به وكنت اتردد إليه في جريدة "الهدف"، حيث كان مديراً للتحرير فيها، كما ان منزلنا في بيروت كان يستقبل مواطنين طلبة ليلتقي بهم الرفيق مسوح في حلقات تثقيفية كانت تلاقي استحسانا ومتابعة مستمرة من قبل المواطنين، ومنهم من اصبح كاتباً وصحافياً لامعاً، او مخرجاً مسرحياً معروفاً.
وفي تلك السنوات الصعبة التي تلت الثورة الانقلابية كان الرفيق الياس احد العاملين على تثبيت الثقافة القومية الاجتماعية عبر لقاءات مستمرة، الى جانب الامين هنري حاماتي، الامين الراحل جمال فاخوري، الرفيق جورج قيصر، الرفيق يوسف المسمار، والرفيق جوزف بابلو الذي انحرف لاحقاً بعد مغادرته الى ليون - فرنسا للتخصص الجامعي فتأثر بالفكر الاشتراكي وانضم الى الحزب الذي كان يرأسه في تلك الفترة الراحل فرنسوا ميتران.
تميّز الرفيق الياس بعمقه العقائدي، باخلاقيته، وبرصانته. صحيح انه لم يتول مسؤوليات في تلك السنوات الصعبة من اوائل العامين 1962 و1963 انما لم يكن بعيداً، بكتاباته، وبنشاطه الاذاعي الثقافي، ولم اسجل يوماً انه دعي الى تغطية حلقة اذاعية، فأهمل.
نشر الرفيق مسوح مقالات ادبية قيمة في "النهار" تحت عنوان ثابت "رسائل الى حنان"، فكانت تلك المقالات بلسماً في الوقت العصيب، يتلقفها القوميون الاجتماعيون، وبها ترتفع معنوياتهم وتكون لهم زاداً في مواجهة كل وحشية المكتب الثاني وملاحقته للرفقاء الذين قرروا ان يستمروا بالعمل الحزبي، وتنظيم صفوفهم، في كل مناطق لبنان، رغم المضايقات والسجون التي تعرّض لها قسم غير قليل منهم.
ولأننا نحكي عنها فلا بد ان نشير باعتزاز الى احد رفقائنا الذين تولوا مسؤولية مفوض عام لبنان، ومعه مجموعة من الرفقاء الذين كانوا يلتقون في مكان سري في بناية مجاورة لمستشفى الجامعة الاميركية، ما زالت قائمة الى يومنا هذا، لتدارس مختلف مواضيع العمل الحزبي، هو الرفيق الشهيد جوزف رزق اللـه. واذ سيأتي يوم نتحدث فيه تفصيلاً عن تلك المرحلة، لا بد ان نورد اسم احد الرفقاء المناضلين الذين تولوا مسؤولية "العمل الحزبي في فروع سهل البقاع"، ولم نكن نعرفه طوال نيّف وسنتين الا باسمه المستعار كميل، الى ان مضت سنوات اخرى عرفنا اسمه الحقيقي، وقد تمكن من التسلل الى الاردن، فالمغادرة الى اوتاوا وفيها تولى مسؤوليات وبقي نابضاً بالحياة القومية الاجتماعية الى ان وافاه الاجل، هو الامين شفيق راشد.
غادر الرفيق الياس مسوح الى الكويت بعد ان كانت اشتدت عليه ظروفه الاقتصادية، فانقطعتُ عنه، انما لم ينقطع عن ذاكرتي ووجداني، واستمر كاحلى ما اعرف عنه، ليس فقط في سويته الادبية المميزة، وفي نجاحه كاعلامي مثقف عرفته الصحافة في الكويت رئيساً لتحرير جريدة " الرأي العام "، انما في مناقبيته وفي ثباته على العقيدة القومية الاجتماعية.
عندما وصلني خبر نعيه في كانون الثاني 2007 شعرت في اعماقي بحزن وبغصة كبيرين.
الحزن لرحيله، وكان يعدُ، بعد ان عاد الى مسقط رأسه مرمريتا، يمؤلفات تليق بكفاءاته. اما الغصة فلأني لم اتمكن من زيارته مرة ثانية بعد ان كنت توجهت الى منزله للاطمئنان على صحته، وكنت علمت ان الآلة التي تضخ الاوكسجين لا تفارقه إلا لماماً.
الرفيق الياس مسوح، الاديب الفذ، القومي الاجتماعي المؤمن بالقضية القومية الاجتماعية في اعماقه، الحامل وسام العطاء والابداع من حزبه، لم يغب عن رفقائه واصدقائه الكثر، وقد استقر في ذاكرة ووجدان كل منهم، كما هو مستقر في تاريخ حزبه، مناضلاً قومياً اجتماعياً، وواحداً من ادباء النهضة الافذاذ.
امثاله يبقون، وواجبنا ان لا نكرمه فقط، انما ان نكون اوفياء لذكراه، ومثلنا بلدته مرمريتا، فيطلق اسمه على احد شوارعها، او على ساحة من ساحاتها، فتتعرف الاجيال، مثلنا، على من ارتفع في الادب، في الصحافة وفي النضال القومي الاجتماعي، وكان في كل منها، وفياً ومميزاً
|