" ميزته الأساسية أنه من " بكوات " طرابلس وكان يمكن أن يكون له مستقبل سياسي ضخم الأهمية ، إنما تخلى عن كل شيء في سبيل الحزب " . هكذا عرّف الأمين عبد الله قبرصي عن الأمين مصطفى المقدم أحد أبرز رفقائنا في طرابلس ومن مؤسسي الحزب فيها .
أذكر أننا عقدنا في منزله اجتماعاً حزبياً سرياً قبل انكشاف أمر الحزب. من الحضور شابين من زغرتا أحدهما من آل دويهي والآخر من آل كرم " .
ويضيف : " كان الزعيم يقدر الأمين مصطفى تقديراً كبيراً ، ولذلك منحه رتبة الأمانة ".
إذا كان الرفيق الدكتور سميح علم الدين (1) أول منفذ عام للحزب في طرابلس، ومن الذين وضعوا اللبنة الأولى في تأسيس الحزب في عاصمة الشمال، إلا أن الأمين مصطفى المقدم هو من وضع حجر الأساس للحزب في طرابلس والشمال .
انتمى الأمين مصطفى المقدم في الفترة الواقعة بين 16/11/1934 وأول حزيران 1935. انتماؤه تمّ عبر رفقاء بلدة بترومين (الكورة) فهو، كما يقول الأمين جبران جريج في الجزء الأول من مجلده " من الجعبة " (ص 265) " صديق أبناء الضيعة، رفيق دراستهم ورفيق رياضة، إن في السباحة أو في لعبة كرة القدم على رمال شاطئ " أبو حلقة ". ويضيف أن انتماء الرفيق المقدم، والرفيق أمين مجذوب (صاحب حانوت للسجاير، منطقة التل) اعتبر في حينه " نجاحاً منقطع النظير " .
منذ انتمائه أظهر الرفيق مصطفى المقدم نشاطاً ملموساً فكان منزله في منطقة التل في طرابلس مركزاً للحلقات الإذاعية السرية، ولإجراء عمليات الانتماء .
بعد مرور فترة على انتمائه، والحزب لما يزل في مرحلة العمل السري، وقع اعتداء مسلح على الرئيس عبد الحميد كرامي من قبل أحد أخصامه من آل المقدم. كان الدكتور سميح علم الدين قريب الرئيس كرامي، يتولى مسؤولية منفذ عام طرابلس، فيما الرفيق مصطفى من الوجوه البارزة في آل المقدم. كان يمكن لهذا الحادث أن يؤثر سلباً على الوضع الحزبي الناشئ في طرابلس، لو أن الرفيقين لم يواجها الحادث بالروحية القومية الاجتماعية، فقد تطوع الرفيق مصطفى لمرافقة المنفذ العام الرفيق سميح علم الدين إلى عيادته التي كانت تقع في منطقة هي تحت سيطرة آل المقدم وذلك للحؤول دون حصول أي تعدّ عليه، مما أدهش المواطنين الذين لم يفهموا معنى ذلك إلا عند انكشاف أمر الحزب، وبالتالي انكشاف انتماء الرفيقين مصطفى المقدم وسميح علم الدين إليه .
من نشاطات الرفيق مصطفى أنه أدخل إلى الحزب نسيبه أنور المقدم، ثم محمود بيان، نجل أحد الموظفين في مالية محافظة الشمال وهو من بعلبك، وبعد ذلك فريدريك خلاط ونسيبه الدكتور نجيب خلاط .
هذا ومن المعروف أن الحزب شهد انتشاراً جيداً في طرابلس، وانتماءات من مختلف عائلاتها وأحيائها، نذكر من الأوائل: الامينة نجلا معتوق، الامين أنيس فاخوري، عبد الله أيوب (2)، خالد (3)، وفضل الله أديب، سعد الله عدره، عزمي بارودي، سعدي ذوق، مصطفى ذوق، روبير خلاط، ولاحقاً برز من أبناء مدينة طرابلس العديد من الرفقاء نذكر منهم الأمينين سليم صافي حرب، والدكتور كمال الرافعي، والرفقاء د. اشرف سباعي، زهير دبوسي، احسان سوق، احمد العجم، وصفي المغربي، عبد اللطيف غلايني، عصام البابا، ومن الرفيقات نورية النابلسي وسهيلة السوق .
ولم يقتصر اهتمام الرفيق مصطفى المقدم على مدينة طرابلس ، فهو توجه مع ناموس منفذيتها عبد الله حريكة (4) إلى طرطوس حيث كانت تربطه علاقة صداقة مع عدد من مواطنيها ، وهناك أمكنه أن يؤمن انتماء الرفيق المحامي تحسين هيكل (5) . وفي الجزء الأول من "من الجعبة" يقول الأمين جبران جريج في الصفحة 373 ما يلي: بعد تحسين هيكل وبدر مرقبي في طرطوس انضم إلى الحزب بهجت منصور وبعده بقليل انتمى على شاطئ البحر بوجود مصطفى المقدم وعبدالله حريكه، معلم المدرسة في معهد اللاييك الياس جرجي قنيزح(6). كذلك فهو استفاد من تمضيته فصل الصيف في القلمون ليوطد العلاقة بأحد أبنائها، توفيق نور، فينتمي إلى الحزب. بدوره استفاد الرفيق جبران جريج من تردده إلى منزل الرفيق مصطفى المقدم في القلمون فعمل على انتماء شقيقه محمد علي. وفي هذا الصدد يفيد الأمين جبران (7) أنه في مرحلة العمل السري انتمى في القلمون ما يزيد على تسعة رفقاء، وتشكلت منهم مديرية تابعة لمنفذية طرابلس. من الأسماء التي يوردها الأمين جبران: محمد حسن الأبيض، مصطفى أحمد الحكم، معلم المدرسة شاكر جواد (كفريا) واثنان لا يعرف الاسم الأول منهما، أحدهما من عائلة حبلص والثاني من عائلة كوسى. ويضيف الأمين جريج في مكان آخر أن: " زغرتا عرفت الحزب عن طريق طرابلس وعلى يد الرفيق مصطفى المقدم والرفيق جبران جريج بالذات فكان إدخال عدد من المواطنين على رأسهم حميد كرم الذي أصبح أول مدير لمديرية زغرتا التابعة لمنفذية طرابلس" .
تعيينه منفذاً عاماً :
بعد انكشاف أمر الحزب واعتقال سعادة ومعاونيه وعدد كبير من الرفقاء، وبعد أن كان سعادة عين عميد الدعاية والنشر(8)، الرفيق عبد الله قبرصي نائباً للزعيم، أصدر مرسوماً بتعيين الرفيق صلاح لبكي وإلغاء كل تدبير سابق. نائب الزعيم (صلاح لبكي) عمد بدوره إلى إجراء تعيينات في المناطق الحزبية حيث لزم. فعين الرفيق "الشيخ" عبد الله الجميل منفذاً عاماً لبيروت، بدلاً من الرفيق أسعد الأيوبي الذي كان اعتقل وأقيل من وظيفته كمعاون مفوض في شرطة بيروت، كذلك عين الرفيق مصطفى المقدم منفذاً عاماً لطرابلس بدلاً من الرفيق الدكتور سميح علم الدين، وتمّ إنشاء منفذية في الكورة بعد حل المديريات الأربعة التي كانت منشأة، وعين الرفيق جبران جريج منفذاً عاماً لها .
مشاركته في احتفال تأبين هنانو :
في 11 كانون الثاني 1936 وسعادة يمضي محكوميته في سجن الرمل بعد الاعتقال الأول الذي تعرض له، أقيم احتفال تأبيني في دمشق بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة رئيس الكتلة الوطنية في الشام، إبراهيم هنانو .
بينما توجه الرفيق يوسف الدبس (9) على رأس وفد من رفقاء منفذية زحلة إلى دمشق، وبصفته كان مدعواً لإلقاء قصيدة في الاحتفال التأبيني، توجه وفد حزبي من الشمال تألف من الرفقاء مصطفى المقدم (منفذ طرابلس) جبران جريج (منفذ الكورة) سعدي الذوق ورفيق من آل معوض من زغرتا. وقد فوجئ الوفد الحزبي الشمالي بأن للحزب خطيب في الاحتفال الذي أقيم في الجامع الأموي، فكان أول مسيحي يخطب في مسجد بني أمية، كما أعلن ذلك أحد أقطاب الكتلة الوطنية فخري بارودي عندما وضع يده على كتف الرفيق يوسف الدبس قبل إلقائه قصيدته وصاح بصوت عال: أيها المسلمون، هذا أول مسيحي يخطب في جامع بني أمية .
اعتقالـه :
اثر الاعتقال الثاني الذي تعرض له سعادة في أواخر حزيران عام 1936 راحت قوى الأمن تداهم منازل الرفقاء وتعتقل من وقع بينهم في يدها. في 5 و8 تموز داهمت قوى الأمن بيوت بعض القوميين الاجتماعيين في طرابلس والكورة وعكار والضنية، واعتقلت، فيما اعتقلت، الرفقاء مصطفى المقدم، د. وليم خلاط، حنا العاقوري، جبران جريج، خالد أديب، أنيس فاخوري، ناصر المصري، جورج عشي، ابراهيم رواس، لطف الله نصر، عبد الله أيوب، نجيب موسى، د. سميح علم الدين .
وفيما أخلي سبيل عدد من الرفقاء في 13 تموز، بقي الرفيق مصطفى المقدم وآخرون قيد الاعتقال مما دفعهم في 26 منه إلى إعلان الاضراب عن الطعام، والاستمرار فيه إلى ما بعد 30 تموز. بعد فترة قصيرة أفرج عنهم .
منفذ عام الشمال :
يفيد الأمين جريج في الجزء الثاني من كتابه "من الجعبة" أنه في ختام السنة الحزبية الرابعة (1935-1936) دمجت منفذيتا طرابلس والكورة في منفذية واحدة باسم منفذية الشمال تولاها الرفيق مصطفى المقدم، فيما عين الرفيق جبران جريج مذيعاً متجولاً، ثم صدر قرار بانتدابه لتنظيم فروع الحزب في محافظة "اللاذقية" بصفة مفتش في عمدة الداخلية .
وفي مكان لاحق يضيف: "وفي طرابلس عين الرفيق رياض أديب منفذاً عاماً بدلاً من الرفيق مصطفى المقدم" إنما دون أن يعطي تفسيراً لذلك .
سعاده يقيله ثم يعيّنه مجدداً منفذاً عاماً
في الجزء الثالث من كتابه "من الجعبة" (ص 502) الذي يغطي الفترة 16/11/1936 – 16/11/1937، يوضح الأمين جبران جريج أن منفذ عام طرابلس مصطفى المقدم أصدر بياناً موجهاً ضد البطريرك الماروني عريضة بسبب بيان كان أصدره وفيه يطالب بإبقاء فرنسا في بلادنا 99 سنة تتجدد تلقائياً.
اعتقل بسبب توزيع البيان الرفقاء سليم صافي حرب (الأمين لاحقاً ومنفذ عام طرابلس) محمود بيان، وراتب صالح (الشهيد في الثورة الانقلابية) .
وفي مكان آخر من الجزء المذكور يفيد الأمين جبران أن المنفذ العام الرفيق مصطفى المقدم أصدر قراراً بطرد عدد من الرفقاء بسبب تصرفات تمردية قاموا بها، وعمم القرار على الأعضاء، ثم رفع الأمر إلى مركز الحزب .
كيف تعاطى سعاده مع القرار اللا دستوري للمنفذ العام بعد أن أوضح له أنه تجاوز صلاحياته الدستورية بإقدامه على طرد أعضاء في منفذيته ؟
أولاً: أصدر مرسوماً بإقالة المنفذ العام لتجاوز صلاحياته، وقد تبلغ الرفيق المقدم المرسوم بكل نظامية وتفهم، واضعاً نفسه بتصرف الزعيم .
ثانياً: ثم أصدر مرسوماً آخر بطرد هؤلاء الأعضاء من الحزب .
ثالثاً: بعد ذلك أصدر مرسوماً بتعيين الرفيق مصطفى المقدم منفذاً عاماً لمنفذية طرابلس لامتثاله ، وحسن نيّته .
منحه رتبة الأمانة :
بعد أن صنف دستور الحزب في 20 كانون الثاني 1937 وفيه المرسوم عدد 7 الخاص برتبة الأمانة، منح سعادة الرتبة إلى عدد من الرفقاء هم حسب مخطوطة مذكرات الأمين كامل أبو كامل: فخري معلوف، نعمة تابت، مأمون أياس، كامل أبو كامل، عبد الله قبرصي، جورج عبد المسيح، معروف صعب، عجاج المهتار، أنيس فاخوري، مصطفى المقدم ونجلا معتوق .
في الجزء الرابع من مجلده "من الجعبة" يورد الأمين جريج أسماء الأمناء الذين منحهم سعادة الرتبة حتى تاريخ مغادرته الوطن في تموز 1938 إلى المغتربات. إلى الأسماء التي يوردها الأمين كامل أبو كامل في مخطوطته، يضيف الأمين جريج أسماء آخرين تمّ منحهم الرتبة، وهم : عزيز حديد، خالد أديب، جمال ناصيف، محمد أمين تلحوق، فؤاد أبو عجرم، عساف أبو مراد، بشير فاخوري ووديع الياس. اثنان منهم فقدا الرتبة لاحقاً وهما عزيز حديد وخالد أديب .
إلا أن الرفيق إبراهيم يموت يورد في كتابه "أضواء على العقيدة القومية الاجتماعية" ، أنه جاء في عدد شباط من النشرة الرسمية عام 1948 (10) ، اسم الأمين مصطفى المقدم كرفيق، خلافاً لما أورده عنه الأمناء عبد الله قبرصي، جبران جريج وكامل أبو كامل، مضيفاً اسمه الى لائحة الامناء الذين منحهم المجلس الاعلى الرتبة قبل عام 1954 وهم، بناء للرفيق ابرهيم يموت: مصطفى المقدم، اسد الاشقر، مصطفى سليمان، سامي خوري، عصام المحايري ومحمد امين ابو حسن.
لذا نأمل من الرفقاء الذين لديهم ما يفيدون به في موضوع رتبة الأمانة للرفيق مصطفى المقدم أن يكتبوا لنا، أو يتصلوا .
بعد التعديلات التي طرأت على دستور الحزب اثر مؤتمر ملكارت، ومنها إلغاء رتبة الأمانة، سقطت الرتبة عن الأمين مصطفى المقدم كما عن جميع الرفقاء الذين كانوا يحملونها. إلا أن الرفقاء في طرابلس وخارجها استمروا يتوجهون إلى الرفيق مصطفى المقدم بـ "الأمين مصطفى" تقديراً منهم لتاريخه الحزبي ولما قدم من تضحيات في سبيل الحزب، وكونه يشكل أحد رموز الحزب البارزين في مدينة طرابلس .
هوامش
(1) شقيق زوجة المجاهد الوطني عبد الحميد كرامي ، وخال الرئيسين المرحوم رشيد ، وعمر.
(2) نشط حزبياً متولياً مسؤوليات محلية واعتقل اكثر من مرة. انتقل الى شكا وبقي قومياً اجتماعياً حتى آخر يوم في حياته.
(3) منح رتبة الامانة ورافق سعادة كناموس ثان له في زيارته الى البرازيل والارجنتين عام 1938 – 1939. اسمه الكامل خالد اديب عبد الواحد. طرد لاحقاً من الحزب.
(4) محام. من بلدة بترومين. انتمى إلى الحزب بواسطة الرفيق الياس خوري نجار. ترشح عن الانتخابات في الكورة ضد الأمين عبد الله سعادة، وكان أصبح شيوعياً .
(5) الجزء الأول من كتاب الأمين جبران جريج "من الجعبة" ص 272 .
(6) منح رتبة الأمانة وتولى في الحزب مسؤوليات قيادية في السلطتين التشريعية والتنفيذية .
(7) الجزء الأول من "من الجعبة" ، الصفحة 370 .
(8) التسمية في حينه لعمدة الاذاعة والاعلام.
(9) مؤسس العمل الحزبي في البقاع الاوسط واول منفذ عام للمنطقة. منح رتبة الامانة.
(10) في تلك النشرة ورد أن سعاده قام بزيارة مسؤولي الحزب في فروع الشمال والاطلاع بنفسه على أحوال الحركة القومية الاجتماعية هناك، رافقه في الزيارة الأمينان أنيس فاخوري الذي كان يتولى مسؤولية منفذ عام طرابلس وعبدالله قبرصي. كان في استقبال سعاده، وفود فروع الحزب في الشمال يتقدمهم عميد الداخلية الأمين الياس جرجي، منفذ عام الكورة الرفيق الدكتور عبدالله سعاده وعقيلته الدكتورة مي، والأمينة نجلا معتوق حداد .
ضمن هذه الجولة ، زار سعادة "الرفيق المناضل وصفي مغربي، ناظر مالية منفذية طرابلس، ودار الرفيق مصطفى المقدم، منفذ عام طرابلس الاسبق" .
|