عرفت عائلة صعب، الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ ثلاثينات القرن الماضي، وبرز منها أمناء ورفقاء كان لهم شأنهم في النضال القومي الاجتماعي، نذكر منهم على سبيل المثال معروف صعب، فؤاد كامل صعب، نجيب طعان صعب وشقيقيه الشاعرين رضا وسعيد صعب، شهاب صعب، عفيف صعب ونبيه صعب.
وعرفت الامين فؤاد صعب منفذاً عاماً لمنفذية ليبيريا، تلك التي شكلت حضوراً حزبياً مميزاً، ثم في مسؤوليته كأحد أعضاء اللجنة الرئاسية التي تولت قيادة الحزب في فترة من أوائل سبعينات القرن الماضي.
ما سمعت عنه، تحققت منه بنفسي، عبر اللقاءات العديدة، عملاق فكر ووعي ومناقب ورقي وعمق في كل كلمة وكل تصرف.
من ظلم القدر ان يخسر حزبنا باكراً احد كوادره من حجم الامين فؤاد صعب في وقت يحتاج فيه إليه والى أمثاله، لينهض دائماً مدرسة جديدة تهئ لمجتمعنا بناة في كل ميدان.
أحد الذين عرفوا الامين فؤاد صعب جيداً في فترة تواجده وتوليه للمسؤوليات في منفذية ليبيريا سجل في كتابه "في مواكب النسور" شهادته الصادقة الحية عما كان عليه الامين فؤاد.
بعض ما كتب الامين مصطفى الشيخ علي:
" تعرفت الى الامين فؤاد صعب منذ 37 سنة حين كان منفذاً عاماً لمنفذية ليبيريا، وكنت عضواً حديث الإنتساب في احدى المديريات التابعة لهذه المنفذية. في البدء، لم أكن لألتقيه إلا في المناسبات الحزبية الرسمية، او في إجتماعات إستثنائية وذلك بحكم نظامنا الحزبي. غير اني لا أذكر لقاء واحداً إلا وترك في نفسي اثرا طيباً ما زالت تختزنه ذاكرتي الى يومنا هذا. كان لكلامه وقعاً خاصاً يميزه الهدوء والتأني في إنتقاء الكلمات المعبرة والحاسمة في آن، يتسرب الى وجدان المستمع دون ان يستأذنه بالدخول.
معه، كانت منفذية ليبيريا اقوى منفذيات الحزب في الوطن وعبر الحدود، لما كان يتمتع به من قيادة فذة وشخصية تجمع بين القوة والحنكة والمعرفة.
لم أعهد بين الناس سوى صديقاً يحبه ورفيقاً يقتدي به وخصماً يرهبه ويحترمه.
كان للكلمات البسيطة في قاموسه أبعادا جديدة، فتأخذلك الدهشة وكأنك تسمعها للمرة الاولى في حياتك. سمعته مرة يقول: (اذا كان هذا هو الوضع، فسيكون هذا هو موقفنا.. أقول إذا كي لا اخطىء) وأكمل حديثه. بينما انا مأخوذا بهذه الـ إذا التي تمنع الخطأ وتوحي الدقة وتمنح الثقة.
لم اكن ادرك ان لأداة الشرط هذه كل هذه الابعاد وهذه الحصانة. في مثل هذه الكلمات البسيطة، في كل مرة، كان بإستطاعته ان يكون واضحاً، صادقاً، معبراً، حاسماً، مستحوذاً على إنتباه الجميع وجريئاً لا يخاف إلا الخطأ .. الذي يقود الى الفشل.
قصدته ذات مرة لاقترح عليه معاقبة أحد الرفقاء بالطرد، أو أقله بالفصل لأجل غير مسمى. اذ كان لهذا الرفيق النشيط هفوات تسيء إليه وبالتالي الى الحزب. وكنت متحمساً جداً لعقوبة الطرد. فبادرني بنظرة ترافقها ابتسامة تتفهم حماستي تلك، وسألني : ماذا كنت لتفعل يا رفيقي إن ألمتك ذراعك. أتعالجها أم تقطعها ؟؟ فاكتفيت بالقاء التحية الحزبية وانصرفت مدركاً اني كنت على وشك أن أكون مثل ذاك البغل الذي يهم بلبط رفيقاً من الداخل. وبدقائق معدودة انتهى موضوعاً كنت مهيأ لاناقشه على مدى ساعة أو أكثر.
ثم عاد الى الوطن لأسباب بعضها صحي، غير أنه تناسى وضعه وراح يعالج الأزمة الحزبية التي أدت الى انشقاق داخلي. انتخب عضواً في لجنة رئاسية وشهد منزله في الشويفات اجتماعات شبه يومية استمر معظمها حتى طلوع الفجر.
... ثم رجع الى ليبيريا ليعالج وضعه المادي، بعد أن عالج قلبه المثقل بهموم الامة والحزب.
الازمة التي عصفت بالحزب كانت همه الأكبر، إذ كيف لحزب الوحدة أن ينشق على نفسه، كان حزنه كبيراً بحجم ايمانه، وآلامه عظيمة شأن كل ذي نفس كبيرة، غير أن احزانه وآلامه بقيت صامتة يعبر عنها بابتسامات أمّر من الحزن وأبلغ من الألم، لكن كلامه بقي يشيع الثقة ويوحي بالاطمئنان.
الأمين فؤاد وقف نفسه على مصلحة الأمة والحزب وأعطى من نفسه في أصعب الظروف وأحرجها ، سواء كان أميناً، رئيساً منفذاً عاماً أو رفيقاً فهذه الألقاب والمواقع الادارية كانت آخر همه، بل انه اقتصر حياته كلها إيماناً وعملاً ونهجاً بخمسة حروف فقط لا غير ألا وهي ( س.ع.ا.د.ة).
في قدوته تربى أجيال من القوميين الاجتماعيين، ما أشد اعتزازي بأن أكون واحداً منهم. بالرغم من كل الصعاب والمحن التي اعترضت حياته، لم يتوان ولو مرة واحدة عن القيام بواجبه نحو هذه النهضة العظيمة، وحجم الواجبات يحدده الفرد في أدائه وعطائه. فحمل نفسه أكثر من وسعها، وكان خير تلميذ وخير معلم لخير تلاميذ. في أمثاله صدقت توقعات سعاده ورهانه على ان في النفس السورية كل خير وحق وجمال".
**
سيرة مضيئة :
ــــــــــــــــــــــ
- ولد الأمين فؤاد كامل صعب في الشويفات عام 1924.
- درس في مدرسة شارل سعد وانهى المرحلة الثانوية.
- عمل في سلك الدرك وتعرّف على سعاده وهو في السجن، وكان ينقل رسائل منه الى القوميين في الخارج.
- انتمى عام 1950 على يد الامين حسن ريدان قبل فترة من مغادرته الوطن الى ليبيريا.
- اقترن من ابنة عمه الرفيقة مفيدة أسعد صعب، وكان له معها رسائل عديدة شرح فيها عن الحزب وتعاليمه
والاخلاق التي يجب أن يتحلى بها شباب وصبايا بلادنا، وكيف نفهم الحب سمواً وارتباطاً روحياً – مادياً،
وهذا مما جعل الرفيقة مفيدة تنتمي الى الحزب عام 1953، سنة تخرجها من مدرسة "مدام ايفانوف" في
الشويفات، على يد الامينة هيام نصر الله محسن والرفيقة اميلي شويري. تولت الرفيقة مفيدة مسؤولية
مديرة مديرية السيدات في الشويفات، قبل أن تقترن بالامين فؤاد صعب عام 1955 وتهاجر معه الى
ليبيريا، حيث كان الامين رشيد رسامني في مسؤولية منفذ عام.
رزق الامين فؤاد بابن وحيد: عمر.
*
تولى الامين فؤاد صعب مسؤولية منفذ عام ليبيريا التي تولاها تباعاً الأمناء حسن ريدان، عادل شجاع،
أحمد عز الدين، والرفيق مكرم سعد. جميعهم ساهموا في هذا الحضور المميز للحزب على صعيدي الجالية
والدولة، وفي انتشار الحزب وتضاعف عدد أعضائه، وقد تربوا على مفاهيم الحزب وقواعده الدستورية
المناقبية. ارتفع عدد المديريات، وبات للحزب شأنه في حياة الجالية، فكرياً وثقافياً وفنياً واجتماعياً، ان عبر
المؤسسات التي انشأها، ومنها النادي اللبناني، أو عبر النشاطات والمناسبات الحزبية العديدة.
كان للحزب، بفضل ما بنى الامين فؤاد صعب والمنفذون العامون الآخرون، حضوره في الجالية، فلا قرار
يتخذ إلا بناءً لقرار المنفذية.. وكأن الجالية باتت ملحقة بالحزب، والجامعة اللبنانية الثقافية تنظيماً رديفاً.
تميّز الامين فؤاد صعب، الى عمق تفكيره، بسويته العقائدية والثقافية وبتحليله المنطقي للامور، لذا كان
لخطبه في المناسبات الحزبية وقعها الكبير في نفوس المستمعين.
لم يتقاعس عن أي واجب حزبي، فهو كان يلبي فوراً كل طلب حزبي اذا اقتضى الواجب ان يحضر الى
الوطن، مهما كان لهذا الامر من تأثير سلبي على أوضاعه المالية – الاقتصادية، فالحزب الذي وهبه كل
عقله وفكره ووجدانه، هو البوصلة التي تقيّد بحركتها باستمرار.
هذا الجهد المتواصل أثر على صحة الامين فؤاد، كذلك كان للازمات الحزبية المتتالية أثرها السلبي
الآخر، خاصة وهي كانت تعصف بالحزب في النصف الأول من خمسينات القرن الماضي، وقد عمل
جاهداً لمنع الانشقاق الحزبي، في لقاءاته بالقيادات الحزبية، أو عبر عضويته في اللجنة الرئاسية .
عام 1986 هوى عملاق آخر من حزبنا، عن عمر لم يناهز الـ 62 عاماً، فيما هو يخضع لعملية جراحية
في برشلونة (إسبانيا) فوقع الخبر كالصاعقة على الحزب، وطناً وعبر الحدود، وشهد مطار بيروت حشداً
للرفقاء وأبناء الشويفات يستقبلون جثمان الامين الذي أضاء كثيراً في حزبهم وعرفوه بثباته على المفاهيم
الحزبية، وبعد نظره ورقيه ومناقبيته وترفعه في كل مراحل حياته، وكان لهم قدوة تشع، فتحتذى.
وان مضت 27 علماً على رحيل الامين فؤاد صعب إلا أننا نشعر، نحن الذين عرفناه، أنه ما زال بيننا بكل
ما كان يكتنزه من فضائل النهضة التي كانت، حقيقة وفعلا، تعني له كل وجوده.
|