الرفيق نجيب فيكاني هو احد الرفقاء السبعة الذين اقسموا اليمين في البقاع الاوسط، بعد ان كان انتمى الامين يوسف الدبس في شتاء 1934، الرفقاء الآخرون جاك مطران، ديب كربجها، ميشال كعدي، فهد الدبس، نبيه دموس، عزيز خيرالله.
كان الرفيق فيكاني يعمل في احدى دوائر مطار رياق العسكري الفرنسي(1) عندما وقعت في يده خريطة للمطار ارتأى ان يسلّمها لسعادة علّها تفيده في شيء. احال الزعيم الخريطة الى الرفيق المهندس جورج حداد لاعطاء رأيه في اهميتها. بعد درسها تبيّن انها خريطة عادية لا اهمية عسكرية لها، فأعادها الى مكتب الزعيم الذي ابقاها بين اوراقه.
وكان ان صودرت الخريطة مع اوراق اخرى عند انكشاف امر الحزب واعتقال الزعيم ومعاونيه، والعديد من الاعضاء، وكان طبيعياً ان يثار موضوع الخريطة في التحقيقات، يرافق ذلك الكثير من اللغط.
يفيد الامين جبران جريج في الجزء الثاني من مجلده "من الجعبة" (ص94) "انه في 28/11/1935 تمّ اعتقال الامين يوسف الدبس وجرى التحقيق معه ايضاً بشأن خريطة رياق فتبين ان لا علاقة له بها".
يوضح الرفيق فيكاني في مقابلة معه نشرت في ملحق "البناء" من العدد 353 تاريخ 22/05/1982 من مجلة "صباح الخير" انه عندما قرع باب المحقق "تبّال" (او "تمبال" حسب الامين عبدالله قبرصي) مستأذناً بالدخول رفض مقابلتي مرة واثنتين وذلك لانه لم يكن يخطر بباله ان نجيب الفيكاني يأتي الى مكتبه.. وعندما عرفت جيداً انه متوتر الاعصاب جداً قررت الرجوع الى فلسطين. ولكن قبل الرجوع كتبت رسالة الى السيد "تبّال" وأخبرته فيها انني انا نجيب الفيكاني الذي حاول مقابلتك بالتاريخ المعين والساعة المحددة ولكنك رفضت مقابلتي فأنني آسف لما حصل. وبالسرعة القصوى انطلقت متوجهاً نحو فلسطين. اما هو فراح يجند رجال الامن والتحري لملاحقتي في لبنان وفي فلسطين بواسطة الانتداب الانكليزي لان الانتداب انتداب واحد والمصلحة واحدة. ولكن هؤلاء الرجال لم يستطيعوا القبض علي فسافرت الى مصر وقمنا بجلسة عمومية هناك للقوميين الاجتماعيين. وسنحت لي الفرصة هناك لاتصل بالسيد عبد الرحمن شهبندر رفيق سلطان باشا الاطرش، وعلمت بعد ذلك ان "تبّال" اصدر كتاب براءة بحقي فقررت الرجوع من مصر الى بيروت فنصحني بعدم الذهاب إلا بعد مضي 15 يوماً على تاريخ إصدار البراءة وبعد 3 اشهر عدت الى فلسطين لرؤية الرفقاء وخاصة حسين القلعاوي الذي حذرني من البقاء في فلسطين لاكتشاف امري هناك ايضاً.
ذهبت الى الناقورة، وعندما وصلت الى هناك وأعطيت جواز المرور للمسؤول هددني ذلك المسؤول وطلب مني النزول من السيارة فنزلت وفتش المحفظة التي اقلها معي وقال بانه لديه امر بامساكي والقبض علي فأبرزت له كتاب البراءة فلم يعترف به. وبعد قليل اتصل بالسيد "تبّال" وعرف انني بريء وسمح لي بالمرور.
وعندما وصلت الى بيروت اتصلت بـ"تبّال" الذي حذرني من ملاحقة الفرنسيين لي. ثم حضرت الى رياق الى بيتي فوجدت مذكرة التوقيف تنتظرني فادخلت سجن الرمل ليلة واحدة بعدما اصدرت مذكرة براءتي ضد مذكرة توقيفي".
في الجزء الثاني (ص108) يورد الامين جبران جريج التالي:
" وفي هذه الاثناء كانت مجلة "الكرمل الجديد" التي كانت تصدر في القدس والتي كان لها موقف ايجابي منذ انكشاف امر الحزب، كانت في هذه الاثناء تنشر الخبر الطريف التالي تحت عنوان "الحزب السوري القومي" بتاريخ 4 كانون الاول 1935: اثيرت ضجة هائلة حول الخريطة المزعومة لمطار رياق العسكري، وانتشر خبرها في جميع المحافل والاوساط وكثر اللغط حولها وحول وجودها فمن ناف ومن مؤكد. قصص تروى وحكايات تسرد وخيال يتسع افقه الى ما شاء الله. وانشغل بال القوميين الاجتماعيين فراحوا يتتبعون اخبارها باهتمام خاص.
واذ بخبر يسري بين الناس كالدم في العروق. مفاده ان واضع الخريطة تلقى امراً من الزعيم بواسطة الصحف بالحضور الى دائرة التحقيق ليتحمل مسؤوليته كاملة. ما كانوا ليصدقوا النبأ لغرابته اولاً ولطرافته ثانياً. وراحوا يتساءلون عن كنه هذه الخريطة ومدى مسؤولية واضعها وهل يجرؤ هذا القومي الاجتماعي في الاقدام على خطوة خطيرة من هذا النوع، مستقبلها مجهول، غامض!!! ومن جهة اخرى، هل لدى الزعيم الثقة في ان هذا القومي الاجتماعي سينفذ ما طلب إليه القيام به فعمد الى هذا الاعلان وبهذه الطريقة بالذات؟ انه لامتحان عسير وتجربة فذة في آن واحد.
وتناهت الاخبار ان القومي الاجتماعي، صاحب الخريطة، حضر من حيفا الى دائرة التحقيق ووضع نفسه تحت تصرف المستنطق. نجح مبدأ الثقة. تغلبت روح المسؤولية على الانهزام والخوف فعلاً، كان الامتحان عسيراً والتجربة فذة "
انما نحن مع التوضيح الذي اورده الرفيق نجيب الفيكاني في المقابلة التي نشرها ملحق "البناء".
*
وفي المقابلة المنوّه عنها آنفاً يدلي الرفيق فيكاني بمرويات تُضيء على مرحلة العمل الحزبي في ثلاثينات القرن الماضي، ننقل ادناه ابرز ما جاء فيها:
عندما دخلنا على الرفيق نجيب الفيكاني الذي كان عارفاً بموعد المقابلة أخرج مباشرة ملفاته وراح يعرض ما تتضمنه هذه الملفات ويقول في بداية مذكراته مستشهداً بكلام الزعيم في رسالة له لغسان تويني في 9 تموز سنة 1946: "ومع ذلك فان مرويات هؤلاء الرفقاء ومذكراتهم اذا كانت لاحد منهم مذكرات تكون مستنداً هاماً من مستندات تاريخ حركتنا القومية الاجتماعية".
وكان سؤالي له: "متى انتميت للحزب وكيف؟
فأجاب: "رأيت النور لاول مرة في حياتي سنة 1933 يوم افضى لي الرفيق (وهو اليوم الأمين) يوسف منصور الدبس من دير الغزال – البقاع بسرية حزب سياسي في البلاد يدعى الحزب السوري القومي – كان يدعى هكذا يومذاك – ويا لفرحي وعمقه عندما تفهمته من كافة نواحيه لاننا كنا آنذاك نتخبط في الحياة خبط عشواء إذ لم يكن من روابط في بلادي لتلم شمل الشباب" .
وتابع يقول: "وفي مطعم حداد تجاه الجامعة الاميركية في بيروت تم اختتاني بيد الزعيم سعادة الخالد وباعث التاريخ العريق لامة كادت ان تضمحل".
وقال: "منذ ذلك الوقت كانت كل عقبة تصادفنا كنا نجد لها الف مخرج ومخرج وحل منطقي لا غبار عليه لاننا مؤمنون بعقيدة تساوي الوجود" .
* ما هي النشاطات التي كنتم تقومون بها ؟
- كنا نعمل بسرية تامة إذ ان رجال الاقطاع السياسي والديني ورجال سلطات الانتداب كانوا يلاحقوننا لان الزعيم اتى بفكر مهاجم للاقطاع وللمتحكمين برقاب الشعب، اتى ليزرع الوعي والايمان في عقول وقلوب الناس وليدفع بهذا الشعب الى وقفات العز ضد التحكم والتخاذل.
كنا نجتمع في مكتب قرب مدخل سوق النورية – اوتيل استراليا – وكانت توضع كرتونة مرقمة كالساعة وعقرب متوجه نحو الرقم الذي يأتي فيه الزعيم وذلك ضمن المحافظة على العمل السري وكان الناس عندما يرون هذه الكرتونة يظنون ان في هذا الوقت يجيء صاحب مكتب التبوغراف، وكنا قد ضربنا موعداً في هذا المكتب وفي الساعة الثامنة، فحضرنا، فإذا بالزعيم يأتي في الساعة الثامنة تماماً ويدخل بوجهه الوضاح.
وعندما احضرت زوجته القهوة اخذتها قائلاً "شكراً" عندئذ قال الرفيق: "نحن كحزب اول من ادخل هذه الكلمة "شكراً على قاموس اللغة العربية اذ لم يكن الناس يستعملون الا الكلمات الدخيلة وكان هذا بفعل الانتداب في النفوس والالسنة.
* اين كانت مجالات نشاطاتك؟
- بعدما انتميت بحوالي عدة اشهر ذهبت الى سورية الجنوبية بتاريخ 08/11/1933 "وعرض علينا هذا التاريخ في جواز مرور ما يزال محتفظاً به".
وكان نشاطنا في فلسطين واسعاً إذ تكثفت لقاءاتنا مع المواطنين هناك ولكن بسرية تامة.
* صف لنا رؤيتك الزعيم لاول مرة ؟
- "شعرت بشيء من القشعريرة تجتاحني وشعرت ان الزعيم كان ضالتي المنشودة وموضوع الاحترام الزائد المتجلي في شخصه" .
* ويوم استشهد الزعيم ما كان موقفك ؟
- "كنت في رياق عندما فوجئنا باستشهاده وقلت يومها: ما هم لو زالت الدنيا لانها لا توازيه ابدا "
وعندئذ تحركت عاطفة زوجة الرفيق نجيب واظهرت محبتها للحزب وراحت تتأسف لا عليه بل على الامة التي انجبت الزعيم.
وكانت للرفيق نجيب صور ذكرى مع جميل مردم – عبد الرحمن شهبندر – سلطان باشا الاطرش – محمد عزالدين الحلبي – الامير علي الاطرش.
ثم اخرج من محفظته الصغيرة شيئاً ملفوفاً بورقة صغيرة وراح يشمها ويقبلها. فتشوقت لرؤيتها فعرضها علي وكانت ½ قرش سوري كان قد اعطاه اياه الزعيم كذكرى سنة 1933.
*
للامين يوسف الدبس تفسير آخر اذ يروي في كتابه "في موكب النهضة" انه بعد ان انتمى على يد سعادة رجع الى البقاع وبدأ اتصالاته مع مجموعة من اصدقائه في بلدة رياق "لانها مركز الثقل بالنسبة للفرنسيين وقاعدة كبيرة للجيش والطيران"، ولما رأى اندفاعهم وحماسهم توجه الى بيروت لينقل للزعيم آخر اخبار هؤلاء الاصدقاء "اذ كنت اتنقل بين البقاع وبيروت لاطلع الزعيم على كل ما يجري حتى انتهينا الى موعد للالتقاء "بالرفقاء" الجدد، وفي الموعد المحدد اصطحبت الزعيم الى رياق، الى الغرفة الصغيرة التي كنا قررنا ان نستعملها قصراً للسكن ومكتباً للاجتماعات الحزبية" .
ويضيف: "دخل الزعيم الغرفة وهو يلبس البنطلون الرصاصي وينتعل الجزمة السوداء كأنه الفارس الذي يستعد للمعركة وأخذ يشرح للحاضرين مبادىء الحزب وأهدافه والأسباب التي دعته لإنشائه بتلك الطلاقة والصراحة التي لا تتلعثم والكل ينظر إليه مشدوهاً مأخوذاً بسحر بيانه وتحليله للامور من جميع جوانبها لمدة ثلاث ساعات متواصلة.
انتهى الاجتماع باداء القسم ورفع الأيادي زوايا قائمة وكتابة البطاقات الحزبية التي كان على كل عضو جديد ان يملأها: الاسم الكامل، مكان وتاريخ الولادة، المهنة، اقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي الخ.. ثم بصم الابهام الايمن من اليمين الى اليسار.
وفي هذا الصدد يقول سعادة في خطابه في 23 ايلول 1948 في منزل الرفيق نبيه دموس في بلدة رياق:
" أشعر بسعادة عظيمة لوجودي في هذا البلد الطيب، سعادة خاصة لي، لأن رياق لم تخيب قط الأمل الذي وضع فيها لإنشاء عهد جديد لهذه الأمة، إذ في هذه المنطقة ابتدأ الحزب السوري القومي الاجتماعي في البقاع ومنها امتد إلى جميع أنحائه .
" أذكر يوم رياق وقد دخلت إلى حانوت صغير رأيت فيه من الرجولة والعز الشيء الكثير واجتمعت فيه إلى عدد قليل من شباب رياق أكثرهم عمال وافتخر أنهم كانوا عمالاً حتى اليوم فنحن جميعاً عمال لهذا الوطن.
" وبعد خمس عشرة سنة جهاد ومثابرة صارت رياق جيشاً صغيراً من جيوش النهضة القومية الاجتماعية، إنها كتيبة من ألوية الزوبعة الحمراء وجيش الانتصار للنهضة القومية الاجتماعية.
" إن عهد الذل قد انقضى وقد وضعنا له حداً وابتدأنا عهد عز ومجد فتحناه بقوة إيماننا وسواعدنا وسنبقى رجاله المتمكنين نصونه إلى النهاية.
" أهنئكم أيها الرفقاء واعتزّ بكم، فلتحي رياق وليحي القوميون الاجتماعيون ".
وعن الرفيق نجيب فيكاني يورد الامين ابرهيم يموت انه "كان رفيقاً نشيطاً ومخلصاً، اعتقل مع الامين يوسف الدبس ورفقاء من البقاع في معتقل "المية ومية"
*
كان الرفيق نجيب توجه بالقطار الى حيفا للعمل في جريدة "الكرمل"، وفي حيفا نشط حزبياً وصحافياً، فساهم بتأسيس منتدى ثقافي سرعان ما شهد انتماء 300 عضواً، فرئيساً له.
عمل الرفيق نجيب في الصحافة في جريدة "الوادي" في زحلة قبل انتقاله الى فلسطين.
وعندما كلفه سعاده ان يتوجه الى فلسطين للعمل في سبيل نشر العقيدة السورية القومية الاجتماعية صارحه انه لا يملك مالاً للقيام بهذه المهمة، تناول سعادة حقيبته وافرغ ما فيها. فلم يكن في حوزته سوى قرش واحد سلمه للرفيق نجيب.
امضى الرفيق نجيب ثلاث سنوات في فلسطين.
*
- ولد الرفيق نجيب الياس وهبة الفيكاني في رياق من العام 1910.
- والدته هدباء كعدي من قوسايا
- اساس العائلة من آل عبد المسيح، انتقلت من بلدة الفاكهة الى رياق، مؤسسة لحارة الفيكاني.
- الجد وهبة، كان من رجالات اواخر القرن التاسع عشر، علاقته الجيدة بالمتزعم ملحم قاسم جعل هذا يمنحه قطعة
الارض في جوار رياق مؤسساً حارة الفيكاني.
- توفي الرفيق نجيب الفيكاني عام 1986.
*
هوامش
(1) تولى لاحقاً رئاسة دائرة الهاتف في رياق
|