كنت، عندما اقرأ صحف الحزب ومجلاته في خمسينات القرن الماضي، اطلع على الاعلان المنشور في معظم اعدادها عن "الخياط الرجالي يورغاكي فهد"، الى جانب الاعلان الاخر عن "الخياط الرجالي فهد حريق"، ثم تعرفت الى الرفيق يورغاكي شخصيا اذ كان محله يقع في شارع المزرعة (1) المجاور لمنطقة المصيطبة حيث ربيت وما زلت. ولاحقاً تعرّفت الى الرفيق فهد حريق، في محله الكائن في جوار سينما اوبرا، وسط ساحة الشهداء، عندما توظف الامين مهدي عاصي مديراً للمحل، بعد خروجه من الاسر عام 1969.
دفعت حوادث العام 1958 الرفيق يورغاكي الى التوقف عن المجيء الى محله، تماما كما فعل رفقاء في مناطق بيروت الغربية حيث كان للمقاومة الشعبية حضورها. اذكر منهم في المصيطبة العليا (منطقة صائب سلام) (2) الرفقاء: ابراهيم صندقلي، عبد الرحمن بشناتي، زكريا حنينه، عبد الحفيظ حنينه، فضل موسى.
"وضاع" الرفيق يورغاكي. لم اعد اعرف عنه شيئا. انما بقيت اتذكره، وارجو ان اعرف اين استقر بعد مغادرته المزرعة، الى ان غادرت الى البرازيل عام 1976 فالتقيته.
وجدته كما عرفته منذ ما يزيد على عشرين عاما، شكلا وروحية. مع فارق انه انجب اولاداً، وان احدى بناته، الرفيقة كلود، اقترنت من الرفيق حنا حجار(3)، وكانا يقطنان الى جانب منزل الامين نواف حردان، وكان طبيعيا ان نلتقي باستمرار.
في الفترتين اللتين قضيتهما في البرازيل، التقيت الرفيق يورغاكي كثيرا، بعقيلته الرفيقة لوريس، بابنه سعادة، ببناته الرفيقة كلود، والمواطنتين سورية واليسار. فهو اسس عائلة قومية اجتماعية وحافظ طيلة سنوات ابتعاده الجسدي عن الوطن، على ايمانه القومي الاجتماعي وعلى التزامه بمفاهيم الحزب العقائدية وتعاليمه، وان كان ابتعد عن الانتظام الاداري.
في المناسبات الحزبية والاجتماعية كان الرفيق يورغاكي حاضراً مع عائلته، وتواصله مع الرفقاء كان مستمراً، وخاصة مع صديقه "التاريخي" الرفيق سمعان صوابيني(4)، فعندما خسره، شعر بجزء كبير ينسلخ من ذاته، وراح يتحيّن ساعة رحيله، ليلتحق به.
برّ الرفيق يورغاكي بوعده، وشيّع وسط حزن عمّ رفقاءه واصدفاءه ومعارفه في الجالية، والكل اجمعوا على ما كان يتمتع به من صلابة في ايمانه، وثبات في مواقفه وعناد في التمسك بكل ما يراه حقاً وصواباً.
*
يورغاكي فهد، عرفه جيداً الامناء البرتو شكور، نواف حردان، جميل العريان، والرفقاء: الشاعر علم الدين شروف، الشاعر والكاتب يوسف المسمار، محسن نقولا، وداد عز الدين، الشاعر شفيق عبد الخالق، كريم موسى، رمزة صليبا وغيرهم وغيرهن. بعضهم رحل، والبعض الاخر ما زال ينبض ايماناً بالحزب وعاملاً في سبيل رقيه ونموه.
عسى احدهم يكتب ما يعرفه عن الرفيق يورغاكي، فهذا الرفيق كان له حضوره الآسر متمتعاً بالكثير من الصدق في التزامه القومي الاجتماعي.
هوامش:
(1) كان محله مجاوراً لمحطة بدران، في ملك آل سميرة، ومنهم الرفيق الياس الذي كان من مؤسسي مدرسة مار الياس بطينا، مسؤولاً مالياً واميناً للصندوق.
(2) كان صائب سلام من ابرز قادة "المقاومة الشعبية" .
(3) من قرية بدادا (صافيتا). كان رفيقا ناشطاً ومناضلاً، في الوطن ثم في سان باولو. تولى مسؤولية منفذ عام البرازيل.
(4) من القدس. رفيق عقائدي ومذيع ناجح، ومناضل في سبيل القضية القومية الاجتماعية، في الوطن (الاردن) ثم في البرازيل.
|