الرفيقة أدال باسيل كلاب التي كانت انتمت في سنوات العمل السري قبل انكشاف أمر الحزب في 16/11/1935 هي التي أوصلت تعاليم النهضة القومية الإجتماعية إلى الرفيق جميل عازار، "الشيخ" كما كان يحب رفقاؤه وأترابه أن يسمونه تحبباً، كشيخ شباب لما كان يتمتع به من صفات المروءة والنخوة والكرم والوفاء، وقد عرف بهذه الصفة في الحزب.
من مرويات الأمين جبران جريج أن الرفيق جميل عازار رافق سعادة إلى الإجتماع الذي عقد لرفقاء منفذية الشوف في مغارة "عزوز" الواقعة في الوادي بين بلدتي جديدة الشوف والمختارة وكان ذلك في أوائل شهر تشرين أول عام 1935، كما كان بين الرفقاء الذين اعتقلوا إثر إنكشاف أمر الحزب، واعتقال زعيمه ومعاونيه والعديد من أعضائه.
تولى الرفيق جميل عازار مسؤوليات حزبية في كل من منفذيتي جبيل وبيروت، ومركزية، منها أنه عين ماسك دفاتر في عمدة المالية، في فترة تولي الرفيق عفيف فاخوري لمسؤولية عميد والرفيق جورج عبد المسيح لمسؤولية جابي عام. ورد ذلك في رسالة سعادة إلى الرفيق فضل أديب عبد الواحد، صيف العام 1936.
قبل ذلك، تولى مسؤولية معاون للمفوض المالي الرفيق مأمون أياس، عندما شكل نائب الزعيم الرفيق صلاح لبكي مجلس مفوضين تألف منه، من الرفيق جورج حداد للداخلية يعاونه الرفيق قاسم حاطوم، والرفيق مأمون أياس للمالية. حصل ذلك في فترة الأسر الثاني لسعادة، حين استصدر الزعيم مرسوماً بتعيين الرفيق صلاح لبكي نائباً للزعيم.
لاحقاً عين الرفيق جميل عازار مفوضاً للمالية، وهذا ما يورده الامين جبران جريج في الجزء الثالث من كتابه "من الجعبة" وبهذه الصفة شارك الرفيق جميل عازار في الوفد المركزي الذي رافق سعادة إلى عماطور، الشوف في شهر كانون الثاني 1937، وسمي بـ "يوم عماطور".
وعندما صدرت جريدة النهضة في العام 1937 تولى الرفيق جميل عازار مسؤولية محاسب في الإدارة، إلى جانب الرفقاء شحادة رزق الله(1)، عبد الرحمن عكاوي وعبد الحميد شوشاني، أما الإدارة فتولاها الأمين جبران جريج.
تعرّض الرفيق جميل للإعتقال مراراً. فبعد ان كان اعتقل إثر انكشاف أمر الحزب، اعتقل مرتين في العام 1936 و 1937. أما الإعتقال الأطول الذي تعرض فيه لتعذيب شديد أدى إلى إصابته بداء الجنب (السل) مما عجّل بالإفراج عنه، تمّ عام 1939 عندما راحت السلطات الفرنسية تتعقب القوميين الإجتماعيين وتعتقل من تتمكن منهم بغية الكشف عن التنظيم الحزبي السري، في المركز بصورة خاصة. السبب في اعتقالها الرفيق جميل عازار هو ما كان يشاع في جميع الأوساط الحزبية عن علاقات وثيقة له مع معظم المسؤولين المركزيين. هذا ما يشير إليه الامين جبران جريج في المجلد الرابع من "من الجعبة" مضيفاً أن جهاز الإستخبارات العسكرية لجيش الشرق الفرنسي حاول عبثاً انتزاع المعلومات من الرفيق جميل عازار رغم التعذيب الشديد الذي تعرّض له.
خرج الرفيق جميل عازار من السجن، إنما مع داء راح ينخر جسده، فتّم نقله إلى مستشفى بحنس في المتن الشمالي حيث وافاه الأجل عام 1942.
نقل جثمان الرفيق الشهيد إلى مسقط رأسه غرزوز في موكب خاشع ترأسه وفد مركزي تألف من الأمناء فؤاد أبو عجرم، أديب قدورة وجبران جريج الذي ألقى كلمة مناسبة في ساحة الكنيسة بعد الصلاة عن روحه.
* * *
•كان سعادة يكّن للرفيق جميل عازار مودة عميقة، كما كان يولي شقيقاته، تقلا، جميلة وكوكب، ثقة كبيرة. وبالرغم من أنهن لم تنتمين إلى الحزب فقد كان سعادة يخاطبهن بالرفيقة، كذلك الرفقاء، وذلك تكريماً لإخلاصهن. وقد بلغت ثقة الزعيم بهن أن ائتمنهن على مرسوم تعيين عادل عسيران نائباً له إثر انكشاف أمر الحزب. كن مطلعات على وجود الحزب وهو في فترة العمل السري. كنّ أهلاً للثقة وحافظن عليها، معتزات بها رغم الشدائد والإضطهادات والإعتقالات، وحرصن – بعد وفاة الرفيق جميل شهيداً لنضاله المميز – على أن يبقى منزلهن مفتوحاً للنشاطات الحزبية، كما كان.
وفي هذا الصدد يقول الأمين عبد الله قبرصي أن الرفيق جميل عازار وشقيقاته كانوا مثالاً للإلتزام
والعطاء، وبيتهم كان بيتاً للحزب. اضطهدوا وسجنوا وضربوا، وبقوا محافظين على قوميتهم.
بدوره يؤكد الرفيق جهاد كرم (من حامات، وتولى مسؤولية منفذ عام جبيل) أنه بعد موت شقيقهنّ الرفيق جميل، أبقت شقيقاته بيتهنّ مفتوحاً أمام جميع النشاطات الحزبية، وهنّ بقين عازبات، كما شقيقهن الرفيق الشهيد جميل.
•عندما خرج العميدان نعمة ثابت وزكي نقاش من سجن الرمل، بعد ان كانا اعتقلا مع سعادة ورفقاء آخرين إثر انكشاف الحزب، نظّم الرفقاء تظاهرة أمام سجن الرمل لاستقبالهما، كان على رأسها الرفيقان جميل عازار ونهاد ملحم حنا. كان هذا الإستقبال الحاشد أول مظهر حزبي علني بعد الإعتقالات التي تمت.
•بمناسبة رأس السنة عام 1937 أقام الرفيق جميل عازار مأدبة على شرف الزعيم دعا إليها أسرة جريدة "النهضة" وعدداً من الرفقاء والرفيقات. فيها تكلم الشاعر الأستاذ جبرائيل غرزوزي، الرفيق أحمد دمشقية، الامين جبران جريج، والرفيق جورج عبد المسيح.
•يفيد المواطن بيدرو بشور في رسالة له من المكسيك، وهو شقيق الرفيقين الراحلين فكتور وجورج بشور ان سعاده دعي الى اجتماع لرفقاء الاشرفية في منزل الرفيقات عازار، بعد الانقلاب الذي قام به حسني الزعيم في دمشق، حضره بعض المواطنين وكان هو من بينهم. تحدث في اللقاء كل من سعاده، والامين عبدالله قبرصي.
•نشرت جريدة "البناء" في عددها تاريخ 23 حزيران 1973 خبر وفاة الرفيقة جميلة عازار، موضحة ان التعازي تقبل في منزل شقيقتها الرفيقة تقلا، ملك نصري باسيلا حي مار نقولا، الاشرفية.
وفي عددها تاريخ 30 حزيران نشرت "البناء" عن انه سيعقد يوم الاحد اول تموز في كنيسة مار تقلا، قداس وجناز عن نفس الرفيقة المرحومة جميلة عازار شقيقة الشهيد جميل عازار، والرفيقة تقلا عازار (إنما لم تكنَّ رفيقات).
•أقامت منفذية جبيل مهرجانين حاشدين تكريماً للرفيق الشهيد، الأول عام 1960 وتكلم فيه رئيس الحزب آنذاك الأمين عبد الله سعادة، وتولى المواطن حافظ فرح مهمة التعريف، أما الثاني فقد جرى مساء الأحد 18 تموز 1971 في ملعب نادي بلدة المنصف الرياضي بحضور رئيس الحزب الرفيق يوسف الأشقر وعدد كبير من الرفقاء والمواطنين.
افتتح الإحتفال الرفيق جوزف عون(2)، وبعد أن ألقى رئيس الرابطة الثقافية في جبيل الأستاذ نسيب عازار كلمة العائلة، ألقى المواطن الشاعر زياد أبي فارس قصيدة جاء فيها:
طاطئ الرأس يا رواسـي بـلادي إن روحـي تفـوح للأبـعـاد
اعصـفي يا زوابـعي إن مـجدي ودمائي وقـف لمجـد بـلادي
قالهـا والجراح تزعـف من صدر كريم والسـجن بالـمرصـاد
وعظـيم أن يحـمل المرء جرحـا راعـنا للـبـقاء لا للـنفـاد
ما بكيـنا جمـيل فـهو على الأيام طـود بيـن الذرى متـهـادي
ما بكـيناه، لا، فـما تنـدب الأحياء فـي غمـرة الوغـى والجهاد
مـا بكيـناه فـمـا زال فيـنـا زائـراً في مـرابـض الأسـاد
زاعقاً كالنسر في ضـرب خوافيـه صــيحـة اسـتشـهـاد
ايه ما مكـسر السـيوف أناجيـك وفي زحـمة الـرزايا الـشداد
البطولات بعـض زرعـك فيـهم والشـهادات بعـض هذا الحصاد
بعد الشاعر أبي فارس ألقى منفذ عام جبيل الرفيق يوسف الشاعر(3) كلمة المنفذية، أما كلمة الختام فكانت لرئيس الحزب الرفيق يوسف الأشقر.
(1): من الرفقاء المناضلين في الحزب. من بلدة زبوغا. تولى مسؤوليات حزبية عديدة، منها مدير
مديرية ديك المحدي حيث كان يقطن. والد الرفيق قيصر رزق الله.
(2): استمر قومياً اجتماعياً. غادر في اواخر السبعينات الى مدينة وندسور في كندا، وما زال مقيماً فيها.
(3): من بلدة تنورين، انتمى في كلية الآداب، الجامعة اللبنانية عام 1968 وتخرج منها. تولى مسؤولية مدير مديرية كلية الآداب وفي هيئة منفذية الطلبة الجامعيين، كما منفذاً عاماً لمنفذية جبيل. غادر إلى مدينة مندوسا في الأرجنتين وفيها فارق الحياة إثر حادث سيارة.
* * *
بـطاقـة هويـة:
•الإسم الكامل: جميل جرجس عازار.
•مواليد غرزوز (جبيل) عام 1903.
•انتمى في مرحلة العمل السري عام 1935 على يد الزعيم.
•تلقى دروسه الإبتدائية في مدرسة البلدة، وانتقل من ثم مع أهله إلى بيروت فسكن الأشرفية واكمل دروسه في مدرسة الحكمة وامتهن التجارة.
•اعتقله الفرنسيون عام 1939 وزجوا به في سجن القلعة العسكري حيث أنزلوا به تعذيباً وحشياً لحمله على الإدلاء بأسرار التنظيمات الحزبية وبأسماء المسؤولين، دون جدوى.
•إذا كان التعذيب الشديد لم يستطع أن ينال من روح الرفيق جميل عازار، فقد نال من جسده فتدهورت صحته واصيب بداء الجنب (السل) بحيث اضطرت السلطات الفرنسية إلى إطلاق سراحه.
•نقل الرفيق جميل إلى مستشفى بحنس إلا انه سرعان ما سقط فريسة مرضه فتوفي في العام 1942 عن عمر يناهز الـ 39 عاماً وتسجل في عداد أول شهداء العراك القومي ضد الإنتداب.
|