في الجزء الرابع من كتابه "مع أنطون سعاده" (ص 141) وتحت عنوان "العلاقة مع الشركس" يروي الأمين جبران جريج التالي:
" كنت أعرف أن في جوار مدينة حمص قريتين شركسيتين وان للرفقاء شمنق (وهم شراكسة) علاقة وطيدة بهما، وقد عمدوا بعد إنتمائهم الى الحزب الى إضفاء الجو السوري القومي الاجتماعي عليهما وذلك بدءاً من تعليم الأهالي اللغة العربية التي كانوا يجهلونها، الى إيجاد علاقات إجتماعية أوثق صلة من ذي قبل. كنت أعرف كل هذا ولكني فوجئت في أحد الأيام بإستدعاء الزعيم لمقابلته.
" وجدت في مكتبه والد الرفقاء شمنق، الرفيق خالد، الذي إنتمى بعد إذن خاص بسبب سنه والذي بقي إنتماؤه سراً، وجدت الرفيق خالد شمنق بإنتظاري بناء على مشروع قدمه للزعيم وإقترح إشراكي بتنفيذه.
" خلاصة المشروع تقضي بالقيام بزيارة الى الاردن لعقد سلسلة لقاءات مع الشركس الموجودين بكثرة فيه الذين على ما يبدو كان قد أجرى الرفيق خالد بعض الإتصالات التمهيدية معهم بصفته أحد أركان الشركس في الوطن السوري.
" كما كان بدا لي ان الجو كان مهيأً للقيام بعمل إذاعي حزبي من هذا النوع خصوصاً وأن المبادئ السورية القومية الاجتماعية استهوت الكثيرين منهم إن لجهة محو العنصرية أو لجهة الفروسية التي إشتهر بها الزعيم وأعضاء حزبه.
إتفقنا ان نلتقي ثانيةً لترتيب برنامج الزيارة ولكن احتفالات اول آذار وما تابعها من إكفهرار الأجواء اللبنانية ثم إنقلاب حسني الزعيم وبعدها الاستشهاد قضى على هذا المشروع وهو في مهده".
*
وكما الرفيق خالد، فقد انتمى جميع اولاده الى الحزب(1) .
الرفيقة حرية، التي اقترنت من صديق الحركة الامير امين ارسلان، والذي سيلعب دوراً جيداً في تاريخ الحزب.
الرفيقة سميحة، التي اقترنت من الرفيق صفوح الدروبي الذي تولى مسؤوليات محلية في مدينة حمص، منها مسؤولية منفذ عام .
الرفيق احمد وقد شارك في الثورة الانقلابية، اوقف غيابياً، في 28/2/1962 وصدر الحكم عليه غيابياً ايضاً.
وشقيقه الرفيق محمد الذي تولى مسؤولية منفذ عام حمص.
***
يورد الرفيق أنور فهد في كتابه "أيام في الذاكرة"، وقد عرف جيداً، الرفيقين احمد ومحمد شمنق، التالي:
" أنهيت قراءة المبادئ وعدت الى الرفيق احمد ومحمد حافظ توكل أبلغه عن رغبتي بالإنتماء الى الحزب، فطلب مني الإنتظار بعض الوقت ريثما يراجع المسؤول ويحصل منه على موعد، وعاد بعد أسبوع ليطلب مني مرافقته الى مقهى "المنظر الجميل". وفي تلك الأثناء إنتابني الشعور بالسعادة، ورافقت حافظ الى المقهى ولدى وصولنا إتجه بي الى زاوية من المقهى حيث كان يجلس شاب وسيم إستقبلنا ببشاشة ولطف وتبادلنا التعارف، وعلمت أن اسمه محمد شمنق، وهو إبن خالد شمنق، رئيس نادي المتقاعدين في حمص الذي إنتمى الى الحزب بموجب مرسوم خاص صدر عن الزعيم أنطون سعاده، وذلك بسبب كبر سنه، وللرفيق محمد شقيقتان قوميتان إجتماعيتان هما حرية شمنق، زوجة الأمير أمين أرسلان، وسميحة التي أصبحت فيما بعد زوجة منفذ عام حمص الرفيق صفوح الدروبي، وأن هذه العائلة هي من وجهاء الشراكسة.
" دعانا الرفيق محمد للجلوس ووجه لي بعض الأسئلة المتعلقة بمبادئ الحزب وعندما شعر بضعف إجابتي، طلب مني العودة الى دراسة المبادئ دراسة وافية حتى يتسنى لي الإنتماء. عدت الى البيت بعزيمة وإهتمام لتحقيق ما طلبه مني. بعد نحو ثلاثة اشهر دعيت لمقابلة الرفيق محمد شمنق، وبعد جلسة طويلة معه أبلغني الموافقة على طلب إنتمائي وحدد لي موعداً لألتقيه في مقهى "الروضة" وكانت تعليماته لي أنه حين حضوري الى المقهى أن أجلس جانباً وان لا أتحدث إليه، وأن عليّ اللحاق به عند مغادرته المقهى الى حيث يكون إتجاهه."
*
"الأمير" أمين ارسلان
وبالمناسبة نعيد تعميم النبذة التي كنا أعددناها عن "الأمير" أمين ارسلان، ونشرتها مجلة "البناء – صباح الخير"، وعممت لاحقاً الى الفروع الحزبية عبر الحدود.
*
بعد حادثة بكفيا (شباط عام 1937) اعتقل سعادة ومعه عدد كبير من القوميين الاجتماعيين. من سجنه أرسل الزعيم مرسوماً بواسطة محاميه الشيخ إبراهيم المنذر يعين فيه الأمين أنيس فاخوري نائباً للزعيم له كل الصلاحيات الإدارية والتنفيذية، إلا السياسية.
شكل نائب الزعيم هيئة تنفيذية من مفوضين كان فيها الرفقاء جبران جريج مفوضاً للمالية، قاسم حاطوم للداخلية، إميل خوري حرب للإذاعة، وفريد مبارك الذي كان عميداً قبل حصول الاعتقالات.
في أجواء الملاحقات اختار الأمينان فاخوري وجريج فندقاً متواضعاً في بحمدون، ثم انتقلا إلى غرفة في بناية تقع قرب حمام النزهة (منطقة "عالصور" الواقعة في محيط البسطا التحتا– زقاق البلاط) وكان ظنهما أنها بعيدة عن عيون الأمن، إلا أنهما اكتشفا بعد فترة أن شرطياً ودركياً يسكنان في البناية. كان الأمينان جريج وفاخوري يحملان أسماء مستعارة، كما أن المال لم يكن متوفراً لديهما، وأخيراً، انتقلا إلى منزل الأمير أمين أرسلان الذي يقول عنه الأمين جبران جريج في الجزء الثالث من مجلد "من الجعبة":
".. الذي حسب ما عرفنا فيما بعد أنه كان قد انتمى سراً بإذن خاص من الزعيم(2) بالنظر إلى سنه المتقدمة، وكانت زوجته حرية وشقيقتها سميحة رفيقتين ساهمتا مساهمة فعالة في تشكيل لجنة مالية لجمع التبرعات للحزب تحت اسم "مساعدة لعائلات مستورة" .
ويضيف الأمين جبران، كانت هذه اللجنة مؤلفة أيضاً من الرفيقات: جمال ناصيف رئيسة، أميرة تيماني، نعم فاخوري، سلوى بدران(3)، أسما سلوم أعضاء، وكان لهن الفضل الأكبر في جمع أكبر مقدار من المال نستعين به في أعمالنا الحزبية ومساعدة الرفقاء السجناء".
وفي مكان آخر يقول الأمين جريج: " تحوّل بيت الأمير أمين أرسلان الكائن في محلة رأس النبع في بناية الدكتور عمر سلامة، إلى مركز سري للحزب، مركز للعمل الحزبي بكل معنى الكلمة، وقد بقي محافظاً على هذه السرية بالرغم من اتساع الأعمال التي كنا نستعين بالرفيقات لإيداعها البريد العادي ضمن مغلفات مضمونة بأسماء المقصود إرسالها لهم ".
رافق الأمير أمين أرسلان سعادة عند توجهه للقيام بالاتصالات المناسبة على هامش المؤتمر الذي عقد في مصيف بلودان عام 1937 من أجل درس موضوع فلسطين. كان المشتركون فيه من جميع البلدان العربية، إلا أن الدعوة لم توجه إلى زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي على اعتبار أن الأحزاب لم تدع إلى المؤتمر. رغم ذلك قرر الزعيم التوجّه إلى بلودان حيث قام بالاتصالات ولقي الترحيب إلا أنه عاد يحمل معه انطباعات ترسخ في نفسه اعتقاده اليقيني أن لا خير يرجى من المهتمين بالسياسة لا من أجل فلسطين أو من أجل كيليكيا والاسكندرون.
فمن هو الأمير أمين أرسلان؟
في الجزء الثالث من كتابه "من الجعبة" يورد الأمين جبران جريج نبذة عن سيرة الأمير أرسلان. هنا بعض من تلك النبذة:
•ولد الأمير أمين أرسلان في بيروت سنة 1870.
•بدأ دراسته في مدرسة عينطورة – كسروان - ثم انتقل إلى الجامعة اليسوعية وبعدها إلى الكلية الملكية في اسطنبول حيث تخرج.
•أثناء دراسته أنشأ منظمة طالبية سرية ضد السلطان العثماني وسلطاته المطلقة وتجاوزاته التعسفية ووضع لها قوانينها وفرض عقوبة قاسية لمن يفضح السر.
•نال الجائزة الأولى في مسابقة موضوعها المناقبية المسيحية (Moral) وقد هنأه رئيس الجامعة اليسوعية على هذا الإنجاز الضخم الصادر عن غير مسيحي وتوجه إلى الطلبة المجتمعين في الندوة قائلاً لهم: " يؤسفني، أيها السادة، أن يكون شخص غير مسيحي قد عالج الموضوع بفهم اكثر عمقاً منكم. كان المفروض فيكم أن تعالجوه أحسن منه أو على الأقل مثله ". وتوجه إلى الطالب الأمير أمين أرسلان متأسفاً أن لا يكون في عداد أعضاء الكنيسة المسيحية وهو الذي يتمتع بهذا الفهم العميق للمسيحية فكان جواب الأمير أمين: " كان لي الشرف أن أنال تهنئتك على معالجتي ونلت الدرجة التي منحتني (95%) ولكن لو أفسحت لي في المجال لأقارن بين الدينين لنلت درجة أعلى ومنحتني 100% ".
•مارس وظيفة قائمقام في مناطق مختلفة، منها عجلون، السلط، طبريا في الجنوب السوري، وفي دوما (الشام).
•عيّن متصرفاً في ألبانيا.
•أثناء الحرب العالمية الأولى عاد إلى الوطن ليستقر في بلدة الدامور، وانحصر همّه في مساعدة الأهالي للحصول على مواد تموينية.
•بعد انتهاء الحرب واحتلال الفرنسيين لبنان والشام انضم إلى معارضي الانتداب، ومن أشهر أعماله في هذا السبيل، الاجتماع الذي انعقد في عيناب وقد اعتبرته السلطة المنتدبة عملية تكتل للدروز ضدها.
•امتدت حركة المعارضة إلى مجلس إدارة جبل لبنان فكان له اليد الطولى في الموقف الذي وقفه أعضاؤه في ذهاب وفدهم إلى دمشق حيث اعترضهم الجنود السنغاليون وتسبب هذا الموقف في سجنه ونفيه إلى جزيرة أرواد سنة 1920 ثم إلى جزيرة كورسيكا (فرنسا) حيث استطاع بدماثة أخلاقه وتصرفاته أن يقدم خدمات جلى للمنفيين، دامت هذه المدة 6 سنوات.
•بعد أن عاد من المنفى بقي على معارضته للسلطة الفرنسية.
•عند انكشاف أمر الحزب السوري القومي الاجتماعي تعرّف على زعيمه فأبدى إعجابه به ثم أيّد حركته السورية القومية الاجتماعية .
•في الاعتقال الثالث عام 1937 الذي تعرّض له سعادة ورفقاء على أثر معركة بكفيا، وضع منزله تحت تصرف قيادة الحزب السرية. وعندما تقرر إخلاء سبيل الموقوفين من أعضاء الحزب واحتاج الأمر إلى كفالات مالية اتصل به عميد المالية آنذاك الأمين جبران جريج فقدمها بكل اندفاع وحماس.
•لعب دوراً أساسياً في تقريب الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى دار المختارة أثناء معركة الانتخابات النيابية عام 1947 وقد جمع زعيم الحزب بحكمت جنبلاط، وأزال جوّ التوتر بينهما.
•منحه الزعيم لقب " القومي الكبير " .
•توفي سنة 1948. وقد عددت الست نظيرة جنبلاط مآثره بشكل ملفت.
***
أوردت جريدة " النهضة " في العدد 24 ، تاريخ 10/11/1937 وتحت عنوان "الامير امين ارسلان" الخبر التالي:
" صدر مرسوم جمهوري بشأن حساب تقاعد الأمير أمين أرسلان، وقد خصصت الحكومة للأمير الكريم معاشاً تقاعدياً شهرياً قدره 79530 غرشاً سورياً لبنانياً ويصرف له ابتداء من أول ديسمبر سنة 1937.
وقد كلفت وزارة المالية اللبنانية بملاحقة تحصيل مبلغ 26570 غرشاً سورياً لبنانياً من الحكومة الشامية وذلك لقيمة توقيفات التقاعد والترقية المحسومة من رواتب الأمير أمين أرسلان خلال المدة التي قضاها في خدمة الحكومة الشامية بين أول يونيو 1918 إلى 24 يوليو 1920.
وقد قيد دين للأمير مبلغ 31648 غرشاً على حساب معاش التقاعد الذي قررته له الحكومة اللبنانية وذلك لقيمة التوقيفات التقاعدية التي لم تحسم من أصل رواتب الأمير أمين بصفته نائباً في مجلس " المبعوثان " العثماني خلال سنتي 1325 و 1337 هجرية.
فنهيء الأمير الكريم لتقدير السلطات لخدماته الجلى " .
*
عنه يورد الدكتور طوني يوسف ضو في كتابه " وجه لبنان الأبيض " في الصفحة 147 ما يلي:
أمين مصطفى أرسلان (1870-1947) من بيروت، سياسي وأديب، نائب لبناني في مجلس المبعوثين العثماني، رجل إنساني، عضو مجلس الإدارة ومعاون حاكم متصرفية جبل لبنان حبيب باشا السعد عام 1918. ساند الحكومة الفيصلية، ونفي إلى كورسيكا مع أعضاء المجلس الإداري.
هوامـش
ــــــــــ
(1)نأمل من كل رفيق يملك معلومات تضيء على سير الرفقاء شمنق ان يزودنا بها.
(2)ينفي سعادة، في مقال له في جريدة "الزوبعة" بتاريخ 14/12/1941، حول موضوع الأديبة مي زيادة، ان يكون الامير امين ارسلان قد انتمى الى الحزب. يقول:
" في مساء ذلك اليوم كنت مدعواً للعشاء عند صديقي وصديق الحركة السورية القومية الاجتماعية السيد الأمير أمين أرسلان، الرجل الكبير النبيل المناقب الذي كان من رجال السياسة في العهد التركي، وأحد أعضاء مجلس إدارة جبل لبنان المشهور الذين قبضت عليهم فرنسة سنة 1920 ونفتهم إلى كرسكة وباريس، فأطلعته على ما بلغني من خبر مي وقلت له أني سأزورها في أول موعد وأبديت اهتمامي الشديد لأمرها وقضيتها الغريبة ".
(3)والدة المحامي سنان براج، احد القياديين المعروفين في حركة المابطون .
إشـارات
ـــــــــ
جاء في الصفحة 80 من الجزء الرابع من مجلد " من الجعبة " للأمين جبران جريج وفي معرض الحديث عن احتفالات أول آذار 1938: " هناك في منزل الرفيق الأمير أمين أرسلان أقيمت حفلة أخرى مختصرة تعهدتها عقيلته الرفيقة حرية، ضمت باقة من الورود الحسان حول طاولة الشاي المتنقلة بينهن وقطع الحلوى توزع عليهن ".
ساهم الرفيق الأمير أمين بتقديم الكفالة عن عدد كبير من الرفقاء المعتقلين الذين كان عددهم يربو على المئة ونيف، يقول الأمين جبران جريج في الجزء الثالث من "من الجعبة":... فمن أين أحصل على العديد ممن يمكنهم تقديم الكفالات، هذا من الناحية القانونية البحت. أما من الناحية المعنوية، فمن كان يملك الجرأة الكافية ليتقدم ويقوم بعمل من هذا النوع يتعلق بالحزب السوري القومي الاجتماعي، هذا الحزب المنحل المعرّض لكل أنواع الاضطهاد والتنكيل، على كلّ تدبرت الأمر وكان من أبرز الذين تقدموا للكفالة الأمير أمين أرسلان ما عدا بعض أقارب الموقوفين وأصدقائهم ".
كان من بين الذين حضروا المؤتمر القومي الإسلامي الذي عقد في بيروت في 22/24 تشرين أول 1936 إلى جانب السادة سليم سلام، عبد الحميد كرامي، رياض الصلح، سليمان الضاهر، عبد اللطيف البيسار، الشيخين أحمد رضا وأحمد عارف الزين، وغيرهم.
|