في الذكرى الاولى لرحيله، أصدرت عائلة الامين نجيب اسكندر كتيّباً شمل نبذة عن حياته وكلمات عبّر فيها امناء ورفقاء واصدقاء عن تقديرهم للامين الراحل، رفيقاً، واعلامياً، ومناضلاً قومياً اجتماعياً.
الى عقيلته السيدة نجوى،ابنائه سناء، ليلى وطوني كتب بالتسلسل كما جاء في الكتيّب، كل من: انطوان يوسف اسكندر، ادوار الزغبي، القاضي نبيل صاري، الامين شوقي خير الله، الامين لبيب ناصيف، الامين فهد الباشا، الرفيق سمير مخلوف، محسن أ. يمين، حنا سعاده وروبير فرنجية.
النبذة عن حياته كما وردت في الكتيّب:
ولد في زغرتا العام 1939.
تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة القديس يوسف في زغرتا، والثانوية في مدرسة الآباء الكرمليين في طرابلس.
انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي في العام 1953، وهو من الأوائل الذين نشروا الوعي القومي في زغرتا – الزاوية.
مارس عدّة مسؤوليات في فرع الحزب في زغرتا الى ان عيّن منفذاً عاماً لمنطقة زغرتا – الزاوية.
انتسب العام 1959 الى كلية الآداب في الجامعة اللبنانية وتابع ثلاث سنوات انقطعت بسبب مشاركته في المحاولة الانقلابية 31/12/1961.
تابع في سجنه دراسة مناهج الاعلام والصحافة.
عمل في جريدة النهار ابتداء من العام 1968 وأسس مكتبها في الشمال العام 1970.
راسل جريدة الأوريان لوجور منذ العام 1972.
العام 1975 عُيّن عميداً للعمل في الحزب في أثناء فترة رئاسة الامين انعام رعد.
عمل عامي 1976 و 1977 محرراً في مكتب وكالة الصحافة الفرنسية في بيروت وتابع مراسلتها من الشمال حتى العام 1995.
تابع عمله الصحافي في جريدة النهار في الشمال حتى العام 2010.
تزوج من نجوى بيطار العام 1988 ولهما ثلاثة اولاد.
العام 1997 مُنح رتبة الامانة تقديراً لنضاله في الحزب.
حائز عِدّة أوسمة في عمله الصحافي والحزبي.
***
كلمة الامين فهد الباشا:
نجيـب اسكـندر
الصّحافـي النـبيل... القومـيّ العتـيق
"تنهض الشعوب بقدوة رجالها "
سعاده
بعد ستين عاماً من التعاقد مع عقيدة الآمال الكبيرة والآلام العظيمة، غادرنا نجيب اسكندر وكأنه في إجازة استراحة قسرية، هو ما شاءها، لكن الله شاء.
ستون عاماً ويمينه الى فوق، ورأسه ابداً الى فوق على الرغم من الاحمال الثقيلة، ومن حملات التجنّي ونوازل الدهر. ستون عاماً شاخ خلالها ديك "النهار"، وتبدل صياحه، لكن مراسل " النهار " العتيق في الشمال لا شاخ ولا ونى، ولا لان للضنى، ولا بدّل تبديلاً ... أتخيله قبل الوداع الاخير، قد أودع حقيبته، الى القلم والاوراق، غير تقرير لم ينشر عن غير غصّة وغير حرقة.... فالأحلام الجميلة اصطدمت اصطداماً عنيفاً بجدران تخلّف لطالما أدمن اصحابه، في سريالية درامية فاجعة، أسباب موتهم والتقهقر... مضى وفي قلبه اسف وأسى على تبدّل لون الشمس في " النهار " التي ما عاد ديكها يُطلع الفجر الذي أحبه نجيب .... لكن اليأس لم يقارب صاحب القلب الكبير.... بل هو أبقى، خارج حقيبة السفر الأخير، أبقى الاحلام الجميلة، وديعة للأجيال التي لم تولد بعد.
أيام وتحلّ ذكرى رحيله الأولى. وعلى مدخل الذكرى اتوقف كما توقف نجيب ذات يوم مع ذكرى بدوي بركات، متأمّلاً في قافلة الراحلين منا في زغرتا – الزاوية، الى هناك....، في الكثير من اسماء القناديل التي قصفتها العواصف على معابر العمر، وكمائن الغدر، وأتأمل في أسماء تعب اصحابها من طول الطريق، فتوقفّوا عن متابعة المسيرة الشّاقة، ولكن من دون ان نسمع انّ واحداً من هؤلاء قد سقط على جوانب الطريق خاسئاً او غادراً. عذيرهم أن الله لا يكلف نفساً الا وسعها، وليس قليلاً ان جلهم ظلّ رغم الفراق وتراكُم السنين، على حنين يستقيظ صاحياً كلما دارت الايام في المنعطفات والملمّات.... وبعد، حرصاً على ان لا تعبر ذكرى الامين نجيب عبوراً مجانياً في الزمن، أراني وقد تبلغت من الرفيق سيمون أنطون الموعد وإشارة القيام بالواجب، أراني أسجل ملاحظاً، باعتزاز، كيف ان ما يبدو لنا طبيعياً من سلوك في سلّم القيم عندنا قد يتراءى لسوانا، ممن لم يشاركونا خبزاً وملحاً، مُفارقات ومستغربات، او نوادر وطرائف.... الامر مختصراً، هو انها ليست قليلة المرات التي كان الامين نجيب والرفيق سيمون يتباينان رأياً، واحياناً يختلفان... كما انه ليس قليلاً ان ليس بيننا هذه الايام من يضاهي سيمون انطون اهتماماً بالوفاء لذكرى القومي العتيق، مؤسس الفرع في زغرتا مطلع خمسينات القرن الماضي، مع رفيق دربه الذي سبقه منذ سنوات الى البقاء في ضمير الحزب والامة المبدع يعقوب الشدراوي... وليست الملاحظة، هنا، لتؤكد، فقط، على ان خلاف الرأي لا يُفسد، عند اصحاب القضية، ودّاً للقضية، بل هي تمضي الى أبعد، الى التأكيد على أن بعض الخلاف في الرأي رحمة، ذلك بما قد يكون ضرورياً لترسيخ الودّ وتعميق الايمان بالقضية.... ومثل هذه النعمة لا تحلّ على المؤمنين من غيب، بل هي تطلع من عقيدة أغنت وأعلنت العقل شرعاً فوق كل شرع، ما لا يصحّ معه للنهضة، من بعد، ان تكون دون هذا الحد من مستوى وحدة الروح في رابطة الفكر والوجدان والايمان.... وهو هذا ما عناه سعاده بالعقلية الاخلاقية الجديدة، بالانسان الجديد. وبالعودة الى صاحب الذكرى، لا بدّ وهو في ذمّة التاريخ ان نستقرئ التاريخ بعضاً من حكايته وبني جيله، واثر ذلك على الاجيال التي تلت ولا سيما عندنا في زغرتا – الزاوية.
نجيب اسكندر، من اي بعيد قصدت اليه، من اي المسافات، فأنت لن تخطئ مكان اقامته، لن تخطئ عنوان السنديان عالي الاغصان وارفها، يحكي شموخه حكاية الوداعة في عمق الجذور. أذكر، حين لفحتنا بواكير نسمات النهضة، أواخر ستينات القرن الماضي، ان كثيرين قد سبقونا الى حجز موعد لهم مع ملاقاة الفجر... ولطالما حفزتنا إشراقة مسيرتهم وصلابة إيمانهم على التعجيل بلقاء الشمس.... أحد هؤلاء الميامين كان نجيب اسكندر.
ترى، ما الذي أتاه نجيب فأبقاه ألقاً في ذاكرة مجايليه والذين جاؤوا الى الميدان بعده ؟
في سيرة هذا المعتّق بعظيم الصبر وعبق التراث وبتجارب الدهر ما يفيد أنه، حين اكتمل عنده إشعاع نورها سنة 1953، رفع يمينه إيذاناً بانتمائه الى المدرسة الجديدة، تلميذاً من تلامذة العهد الجديد. وضع على المحراث يده وما عاد يلتفت الى الوراء الا ليستحثّ خطى المتأخرين عن اللحاق بموكب النور. الطالب يومها في مدرسة الآباء الكرمليين في طرابلس نال جزاءه على مطالبته بفصل الدين عن الدولة فصلاً من المدرسة، لأنّ قصر النظر عند المستفيدين من اقحام الدين بشؤون الدنيا لا يختلف كثيراً عن عمى النظر الكلي، وعن عمى القلب.
1954 الدولة التي أدمن نظامها عهد المساكنة بين الدولة والدين لم تكن اقلّ شعوراً بخطر هذا القومي الذي رُفض طلبه الالتحاق معلماً في المدراس الرسمية.
القاعدة هي هي: ليس لابن النور، بحسب "الشريعة والناموس"، مكان بين ابناء الظلمة. لو سُئل الصحافي العتيق تعليقاً على هاتيك الايام لاختصر ببيت من عند المتنبي يقول:
" قد هوّن الصبرُ عندي كلَّ نازلةٍ
وليّنَ العزمُ حدّ المركبِ الخشنِ "
ولم تكن الحال افضل في مواجهة ظلم ذوي القربى، والتصدّي لإقطاع لم تتعدّ آفاقه يومها حدود مراعي القطيع، ومع ذلك لم يلن للنجيب عود، لا في السجن الذي أمضى فيه أربع سنوات عقب المحاولة الانقلابية، ولا في اية من المواجهات مع قوى الرجعة وأهل الجهل. يُحكى عن صخرة المسيح، بطرس، أنه لانَ عند أول امتحان وهانَ، وأنكر معلّمه ثلاث مرات قبل صياح الديك.... نجيب اسكندر الذي لم يسهل عليه الهوان، بقي، رغم توالي المحن والامتحانات، صوتاً ووجداناً يعلنان جهاراً حقيقة آمن بها تساوي الوجود..
وبين متاعب العقيدة ومهنة المتاعب، مشى القومي العتيق بخطى كتبتها عليه مقاصدُه ومستلزمات وقفة العزّ.... في زمن القحط الذي نواجه، الزمن الذي شحّت فيه ينابيع النزاهة في الصحافة والاعلام، ونضبت عيون، يبرز اسم نجيب اسكندر نزاهة دافقة ونبلاً على نظافة كفّ ونقاء ضمير.
يلى، ان من الناس من تتعدّى اسماؤهم مجرّد الدلالة على اشخاصهم الى الدلالة على قيم وقمم.
نجيب اسكندر، لروحك في ذكراك، ولكلّ السابقين ذوي الارواح المتمرّدة، تحية على رجاء القيامتين:
قيامة الصالحين الرّاقدين، وقيامة الامة.
*
وان تمضي سنة، وسنوات على رحيل الامين نجيب اسكندر، فهو، ككل شهيد، وكل مناضل وكل من استمر وفياً لقسمه باق في تاريخ حزبه وفي وجدان رفقائه، يستذكرونه في وقفات العز وفي مسيرة الحزب، الطويلة، الشاقة والمضنية.
|