ولد الرفيق جميل سماحة عام 1936 في بلدة الخنشارة (المتن الشمالي) المجاورة لبلدة سعاده، ضهور الشوير، وفيها ترعرع، وانتمى الى الحزب في اسرة قومية اجتماعية تضم شقيقه الرفيق لطف الله، وشقيقتيه الرفيقتين بربارة وامتثال.
درس في مدرسة القديس يوحنا في الخنشارة، ومنذ نعومة اظفاره تجلى بين اقرانه بقوته البدنية، وحبه للرياضة، خاصة الركض. عرف بأخلاقه العالية وترفعه عن كل حقد او ضغينة، كما بعناده في الدفاع عن كل ما يؤمن به انه حق.
بعد ان انتهى من الدراسة الابتدائية، بدأ يساعد والده في مهنة البناء، التي برع فيها، فكان اذا بدأ بالعمل رغب ان ينهيه بدقة وبسرعة.
التزم بالحزب في آذار عام 1956، ومنذ ذلك الحين راح يهتم بفنون القتال والتدريب على استعمال السلاح. "اني اريد ان ابذل دمي فداء أمتي. وما يدفعني لهذا نار حامية تتأجج في صدري لا استطيع إخمادها"، فما ان بدأت حوادث العام 1958 حتى التحق الرفيق جميل بالمخيم الحزبي في ضهور الشوير، وما ان انهى الدورة التدريبية حتى كان من اوائل الرفقاء الذين رفعوا أيديهم عندما سأل آمر المخيم الرفقاء، من يريد منهم ان يلتحق بمواقع القتال، بالرغم انه لم يكن مضى على عرسه إلا فترة قصيرة.
لم يستمع الرفيق جميل الى نصح احد، ولا الى نداء عروسه تذكره أنها حبلى بجنين، اذ كان نداء الواجب اقوى من كل نصح ومن كل نداء آخر. في شملان قاتل الرفيق جميل ببطولة، وبالعناد الذي عرف عنه، وتمكن مع رفقائه من صد القوى التي هاجمتهم، وفيما كانوا يطاردونها، غادر موقعه الى سطح بناية مدرسة شملان ليرمي قنبلة يدوية على بيت مجاور كان الرصاص ما يزال يأتي منه، فتلقى رصاصة قاتلة في مؤخرة رأسه. الا انه تمكن من رمي القنبلة مصيباً الهدف، متفادياً السقوط عن سطح المدرسة، إنما ليرتفع شهيداً الى جانب سعادة والشهداء الابرار.
كان ذلك في 2 تموز 1958.
***
عرفت "الخنشارة" الحزب منذ بداية الثلاثينات، عبر الامين وديع الياس مجاعص(1) الذي اوصل تعاليم النهضة الى الخنشارة، وكان ان انتمى الرفيقان الياس الرياشي (ابو أحمد)، وايوب سماحة. ومن الرعيل الاول نذكر الرفقاء: فوزي رياشي، فؤاد مخول قاصوف، فيليب جرجي رياشي، مراد العقل، جميل سجيع رياشي، ديب بطرس رياشي، موريس جريس رياشي، فؤاد اسكندر رياشي، حنا سمعان رياشي، يوسف سالم رياشي، يوسف رشيد قاصوف، بشارة سالم رياشي، نجيب سماحة، نقولا نمر سماحة، مخايل بشارة رياشي، يوسف جرجي رياشي، طانيوس اديب رياشي.
زار حضرة الزعيم الخنشارة اكثر من مرة، في احداها عام 1947 بعد عودته من المغترب وذلك للقيام بواجب التعزية بالرفيقين الياس الرياشي (ابو احمد)، وايوب سماحة اللذين كانا توفيا اثناء غيابه. يومئذ تجمّع أهالي الخنشارة والقوميون الاجتماعيون للاستماع الى خطاب الزعيم الذي القاه من على شرفة المنزل حيث مكتب المديرية اليوم.
وشهدت الخنشارة العديد من المهرجانات والمناسبات الحزبية، منها المأتم الحاشد الذي أقيم للرفيق الشهيد جميل سماحة عام 1958، والاحتفال الضخم الذي اقيم يوم الاحد 2 تموز عام 1961 في الذكرى الثالثة لاستشهاد الرفيق جميل سماحة، فقد كانت "الخنشارة" على موعد مع رئيس الحزب آنذاك الامين عبدالله سعادة يرافقه وفد مركزي مؤلف من عميد الداخلية الامين رامز اليازجي، عميد الدفاع الرفيق بشير عبيد (الامين، الشهيد لاحقاً)، والامينان اسد الاشقر وإميل رعد. لدى وصول الموكب ادى له القوميون الاجتماعيون التحية، وهم يقفون صفوفاً طويلة منتظمة، بينما فرقة موسيقية تعزف الالحان الحماسية، ورفيقات وفتيات البلدة يرشقن الموكب بالزهور والارز، فيما كان لاعبو السيوف: الرفيق محمد الحلبي، والمواطنان جميل وإميل عيد يقدمون عرضاً رائعاً. واتجه الموكب اولاً الى منزل اهل الشهيد جميل حيث قاموا بواجب التعزية، ثم الى الكنيسة يرافقهم اهل الشهيد وأقاربه.
بعد القداس انتقل الجميع الى باحة الكنيسة حيث اعدت منصة الخطابة، فتكلم كل من مدير المديرية، المنفذ العام، الرفيقة منتهى، شقيقة الشهيد جميل، الرفيق جورج رياشي في قصيدة لاقت الاستحسان، الشاعران الامين عجاج المهتار والرفيق فوزي عبد الخالق(2) في باقة من قصائدهما القومية. اما كلمة الختام فكانت لرئيس الحزب الامين عبدالله سعادة الذي ارتجل خطاباً حماسياً قوطع مراراً بالتصفيق والهتاف الحزبي.
*
من كلمة عريف الاحتفال:
ها هي قريتك يا جميل تستقبل رئيس حزبك ورفقاءك، ها هي الجبال تفتح صدرها لتطلع انت معها طموحاً يتحدى ومستقبلاً لا يخبو. وها هو لبنان اليوم يتطلع إليك يا شهيدنا والى رفقائك الشهداء من قوسايا والى جميع شهداء معركة البطولة والصمود ليحي فيكم رجولة الامة وشبابها المقاتل الذي حفظ لها سيادتها وعنفوانها.
من كلمة مدير مديرية الشهيد جميل سماحة – الخنشارة:
إن بلدة الخنشارة التي رافقت الحركة القومية الاجتماعية منذ تأسيسها اتفتخر باستقبالكم وترحب بكم في هذا اليوم الخالد من تاريخ نهضتنا الجبارة، التي أعطت وتعطي القوافل المتتالية من الشهداء في سبيل عز هذه الامة ومجدها. ويوم اعطت الخنشارة من دمائها قرباناً زكياً على مذبح هذا الشعب المتألم.
فأهلاً بكم يا حضرة الرئيس وأهلاً بكم أيها المواطنون الكرام، أهلاً بكم جمسيعاً في معقل من معاقل البطولة والعطاء، في الخنشارة.
من كلمة منفذ عام المتن الشمالي:
ان منفذية المتن العامة في الحزب القومي الاجتماعي إذ تحيى ذكرى استشهاد البطل جميل سماحة، انما تقوم بذلك تمجيداً للبطولة الفذة المقرونة بصحة العقيدة، وترسيخها للايمان العميق الفاعل في النفوس، والدافع فيها العمل الطويل الشاق في سبيل الحياة الحرة الكريمة، وتخليداً لقافلة شهداء النهضة القومية الاجتماعية الذين قضوا في ساحات الشرف دفاعاً عن حق شعبهم في السيادة والعزة فروت دمائهم تربة هذا الوطن وملأته بطولات ومحبة وفداء....
وما مشاركتكم بهذه الذكرى، ايها المواطنون الكرام سوى دليل واضح على تحسسكم معنا بالواقع الذي نحياه، وشهادة صادقة على ثقتكم من ان هذه النهضة القومية الاجتماعية هي منكم ولكم، وهي تعبر عن آمالكم وامانيكم وتهئ لكم الصبر الذي تتوقون إليه، لان بها عزكم وفيها كرامتكم وبانتصارها انتصاركم.
ومن كلمة شقيقته، الرفيقة سميحة سماحة:
هي الذكرى الثالة تمضي، ورفقاؤنا الشهداء ليسوا بيننا. هي الذكرى الثالثة تمضي، وجميل ليس بجانبنا.
هي الذكرى الثالثة تمضي وجميل... اين جميل؟ هل مات؟ نعم. لقد مات جميل، نعم لقد مات جميل، نعم لقد مات جميل الجسد وغاب عنا جميل اللحم والعظم، اما جميل المبدأ. اما جميل العقيدة الصحيحة. اما جميل الحق يقهر الباطل، فهو خالد خلود المبدأ، ومنتصر انتصار العقيدة وقوى كالحق في معركته مع الباطل.
يا اخي، ويا رفيقي الشهيد لقد بدأت افهمك كما لم افهمك من قبل. الان بدأت اعي منعنى استشهادك. كنت ابكي عليك دموع الاخت المفجوعة بأخيها الوفي. اما الان، بعد ان سارت اختك على الطريق التي سرت. وآمنت بما امنت،
فقد بدأت تفهم جميلاً من جديد. لقد بدأت تفهم انها ان باتت تبكي جندياً بطلاً شهيداً، وهل يموت من تمجد بطولته في كل يوم، وتتجدد حياته في كل سنة؟ لغيرنا ولاصحاب الضمائر السوداء، ان يقول جميل مات، اما نحن القوميون فنقول ان كل من عرف سعاده عذب الموت لديه، ورخص الدم عنده، وانبرى في كل مكان يقرع باطلهم بحقه، ويذيب حديدهم بحرارة ايمانه الم يقل سعاده ان دماءنا التي تجري في عروقنا ليست ملكنا انها وديعة الامة فينا متى طلبتها وجدتها؟ الم يقل ان الحياة وقفة عز فقط ؟
نعم تعلّم جميل هذا، وتعلّمه ايضاً رفقاؤه الشهداء وامنوا به. ولم يكونوا إلا صادقين في ايمانهم فكانوا ابطالاً. وهم خالدون في نفس كل منا، إنهم الخميرة التي تستمد منها قدرتنا على الموت دوماً في سبيل الحياة، والمنهل السخي الدافق قوافل اخرى من الشهداء في كل معركة حق. لأننا لم نعد نؤمن إلا بالدم ثمناً لترسيخ جذور النصر الذي لا مفر منه. فقروا عيناً يا شهداء النهضة لاننا على الرسالة محافظون. والى النصر الاكيد سائرون. ولتحي سورية.
*
يورد الرفيق انور فهد(3) في كتابه "ايام في الذاكرة" ما يلي: "ابلغني الرفيق بشير عبيد بان الرفيق جميل سماحة هو عريس ولم يمض على عرسه الا فترة قصيرة. مع ذلك فقد ترك عروسه والتحق بالمخيم وسألني فيما اذا كان بالامكان إعفاءه؟
ناديت الرفيق جميل وطلبت إليه الصعود الى سيارة نقلته، رغماً عنه الى بيته في الخنشارة" .
وتوضح صادرة لمديرية الخنشارة رقم 01/08/39 تاريخ 24/06/1971 ان في صباح اليوم التالي لوصوله الى بيته، كان الرفيق جميل يستمع الى اخبار المعركة عبر المذياع، وعندما علم ان معركة تدور رحاها في شملان حيث كان، لم يتمكن من ضبط انفاسه، فهب مُعلماً ذويه انه ذاهب الى المعركة، كذلك اعلم المسؤولين في مديريته، ولم يستمع الى نصح احد، سواء من رفقائه او من اهله، فاستأجر سيارة وتوجه الى شملان حيث التحق بـ "جريدته" في المعركة.
*
سيرة شخصية
• جميل لطف الله سماحة .
• مواليد الخنشارة عام 1936.
• انتمى الى الحزب في مديرية الخنشارة عام 1956.
• والدته: مريم سالم الرياشي.
• اقترن من السيدة سلوى نقولا عبد النور (من كفرحونة) وكانت خسرت جنينها بفعل الصدمة عندما وصلها
نبأ استشهاد عريسها الرفيق جميل.
هوامش:
(1) وديع الياس مجاعص : للاطلاع على النبذة المعممة عنه الدخول الى قسم "من تاريخنا" على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info
(2) فوزي عبد الخالق: من "مجدلبعنا". شاعر معروف. للاطلاع على النبذة المعممة عنه، مراجعة الموقع المذكور آنفاً.
(3) انور فهد: رفيق مناضل من حمص. كان غادر الى الامارات المتحدة فإلى استراليا. مراجعة الموقع المذكور آنفاً.
|