عندما سئل الزعيم أنطون سعادة عن الشيخ بيار الجميل مؤسس الكتائب اللبنانية بعد الحوادث – الفتنة التي قادتها وافتعلتها الأحزاب الطائفية مسيحية ومحمدية عام 1936 في شهر نوفمبر وعلى رأسها حزب الكتائب ، المبني على قواعيد طائفية ومذهبية بحتة تستغل الشعارات الوطنية والدينية في سبيل منافع العائلة.
مندوب جريدة النهضة سأل الزعيم عن الحوادث في ذلك الحين وجرح بيار جميّل :
بعد أن كان الزعيم قد سأل واطمأن عن صحة رئيس الكتائب: واذا كان رئيس الكتائب قد طلب سحق رأسي فأنا أريد سلامة رأسه . لأن المبدأ الذي أتمشى عليه هو مبدأ القومية ، وهو المبدأ الذي يدعونا الى محبة أبناء قومنا وجلب الإصلاح القومي لهم.
فسأله مندوب النهضة : ولكن لا الكتائب اللبنانية ولا غيرها أظهرت هذا الموقف في أيام محنكم ؟
فأجاب الزعيم – نعم لم يهتم أحد لمصيرنا ولم نكن ننتظر أن يهتم بالقوميين غير القوميين . ونحن انما نعمل للمبادىء التي تنير بصائرنا ، في سبيل هذه المبادىء نتألم ونصبر ونتسامح. والحقيقة أني قد نسيت تهجم الجمبّل ولست أذكر الآن سوى أنه في محنة وأنه أحد أبناء قومي الذين يذهبون ضحية الإكليركية والرجعة فأتألم كثيرا لهم.
وعاد مندوب النهضة وسأل – ما رأيكم في إقدامه في حوادث الأحد الماضي ؟
فأجابه الزعيم – إنّ بيار جميّل جندي باسل ولا شك ، ولكنه قائد ضيق.
وبا لأمس القريب عندما اغتالت يد مجرمة الوزير بيار الجميّل الحفيد ، لم يكن موقف القوميين الإجتماعيين إلا الألم والحسرة على خسارة مواطن ومسؤول في هذا الوطن ولم يكن ردهم إلا الإدانة والمطالبة بكشف الجناة ومعاقبتهم أشد العقاب.
وهذا موقف لمسه الشيخ أمين جميّل نفسه على ما نظن.
واذا كانت قيادة قوى 14 شباط تبحث عن باب تدخل به للتحرش بالقوميين الإجتماعيين وتدبير مؤامرة عليهم وعلى حزبهم ، ووجدت حسرة الشيخ أمين على إبنه فأرادت أن تستغل ذلك بالتلفيق والتحريض طالما هي والمحكمة الدولية أصبحوا يشكلون القضاء والقدر لجميع اللبنانيين .
لا شك أن الصراع التقليدي التاريخي بين الحزبين الكتائب والقومي عمره 70 عاما .
لكنه كأي صراع بين أية أحزاب أخرى عقائدي وسياسي وإن كانت تخللته بعض الحوادث الجانبية في الجامعات والمدن ذات النفوذ القوي للحزبين فيها .
لكن أحزابا مسيحية من نفس الفصيل العقائدي والطائفي والمذهبي فتكت بالكتائبيين وفتكوا بها دون رحمة ، وتاريخ القوات اللبنانية التي هي فصيل منشق عن الكتائب فاقت الحزب المؤسس دموية وعمالة للأجنبي حتى هذه اللحظة.
فقضية سلاح القوميين فقد قرأتم وسمعتم عنها الكثير ، لكن من يذر الرماد في عيون المواطنين لتمرير مشاريعه ومؤامراته لماذا لم يجب حتى الآن على أسئلة اللبنانيين حول شبكة محمود رافع وغيرها من شبكات في عز العدوان الإسرائيلي كانت تخترق السلطة وتمارس عمالة رسمية.
لماذا لم يجيبوا بعد حول السلاح القواتي المتطور والإسرائيلي المصدر الذي بيد شبكة القواتيين ؟ أم ان الكلام أن هذا سلاح حراسة وأمن خاص للشيخ بيار الضاهر وال ال ب س ، كلام كاف ؟
لا بل أنه أخطر من الأول لأن الشيخ بيار الضاهر وال ل ب س يصبحون متهمين مدانين مباشرة لتسلحهم من دولة عدوة؟
الجواب عند القضاء والشيخ بيار الضاهر وال ل ب س.
فما إدعاه اليوم الشيخ أمين الجميّل هو جزء من المسلسل الذي بدأته صحيفة " معاريف لبنان " والمسماة المستقبل واذا كانت مستقبلا فهو أسود يا لبنانيين تصنعه هذه الأيادي السوداء، ومستكتبيها أمثال البروليتاري السابق ومنظمته الثورية والإمبريالي الرأسمالي الحالي نصير الأسعد.
ولنعرض للمواطن تاريخا كتائبيا قد يكون يجهله الجيل الجديد الذي قل من القراءة :
القاعدة الأساس لتاسيس حزب الكتائب الفاشي تقوم على : التحريض الأساس من الأكليروس الماروني ولا يزال يحرّض الأوساط الشعبية المارونية على التمسك بوجهة نظر طائفية بحتة تبنى على أساس وجهة نظر مسيحية . فيقول بأن المسيحيين والمسلمين جنسان لا يجتمعان إلا وواحد سائد والآخر مسود ، ولذلك يجب أن يبقى لبنان منفصلا عن بقية البلاد السورية ، لكي يتسنى للمسيحيين أن يسودوا ، وصحفهم ومؤسساتهم لا تفتأ تغذي هذه الروح ."( سعادة – مقالة الرأي العام – أ ك ج 2 –ص 266 ).
وكان الشيخ بيار الجميل المؤسس للفلانج الطائفية قد قال في خطاب ألقاه في بكفيا مسقط رأسه تحدث فيها عن " الأحزاب اللبنانية الصرف " التي أسستها لهم فرنسة المحتلة واستحالة توحيدها في جبهة واحدة ضد سعادة وحزبه وقضيته القومية التي نعتها " بالسخيفة ".
وكان بيار جميّل يقف أمام منزله في بكفبا مقلدا دون كيخوط ويهاجم الحزب السوري القومي الإجتماعي.
والتاريخ يعود نفسه والنعوت هي نفسها ها هو الشيخ أمين اليوم يصدق نفسه بأنه أصبح " الرئيس الأعلى لحزب الكتائب " المخترعة .
فقد أوهمت الكتائب اللبنانية الشباب اللبناني وغررت بهم ليكونوا صناع الإرادة الأجنبية العاملة في الخفاء وأوهمتهم بأنها منبثقة من عقلية تفكر باستقلال وتجرد. فاستخدمت وما زالت النعرات الدينية وكل وسائل التعصب الأعمى الحقيرة.
ويقول سعادة عن هذه الأحزاب الطائفية المغررة كمثال على خداعها ومتاجرتها بالوطنية :
وقف توفيق لطف الله عواد زعيم احدى هذه الفرق الطائفية المسماة الوحدة اللبنانية في المجلس النيابي يقول :
" تقول الحكومة أن لأحزابنا صبغة طائفية . إنّ مجلسكم ودستوركم وكل شيء في هذه البلاد مبني على الطائفية . إنزعوا الطائفية من أنظمتكم قبل أن تطلبوا من الشباب نزع الطائفية من صفوفه ".
ويعلق سعادة : هذه هي الروح الوثابة التي " خلقتها هذه الأحزاب التي يتكلم باسمها واسم " الوفها " السيد توفيق لطف الله عواد.
والكتائب هي احدى هذه التشكيلات.
والكتائب التي نشأت بشعاراتها أنها منظمة رياضية تريد أن تنشء جيلا صحيا . يقول عنها سعادة :
أن الكتائب قد قبّحت الرياضة وحقرَت الروح الرياضية . فالعالم لم يرى حفلة واحدة من حفلاتها الرياضية ولم يرى تعليما واحدا من تعاليمها الرياضبة ...( إلا اذا كنا نجهل مواطني العزيز أن مجزرة عين الرمانة . وعينطورا والكرنتينا والصفرا واهدن ودعوة اسرائيل لإجتياح لبنان وانشاء جيش عميل في الجنوب هي اعمال رياضية ).
ونتابع كلام سعادة
فالكتائب صفرت من الرياضة ولم يبق لها سوى صفة الميول السياسية التي حاول ذوو المصلحة في الحكم زرعها في " الكتائب " وافساد روح الشبيبة بجرها الى معارك التنازع على الحكم واستعمال ألأساليب الفاسدة القاضية على الروح القومية المعلية شأن المنازعات الداخلية .
بتأسيس حزب الكتائب وغيره من الأحزاب اللبنانية الطائفية التي لا تعرف الا التعصب الديني الذميم ، فكثرت الإختلافات والخصومات الداخلية . وحلت المآرب الشخصية والدينية محل الغايات القومية . وتدفع الشعب الى الهياج الديني والمذهبي كما حدث في احداث نوفمبر 1936 وكما حدث طوال الحرب الأهلية اللبنانية وكما يبثون اليوم من شقاق طائفي ومذهبي .
وقد عرض سعادة للكتائب وقائدها عرضا مفصلا في مقالته – عرض سريع للأحزاب السياسية المنحلة في الجمهورية اللبنانية :
نشأت " الكتائب اللبنانية " بايعاز قيل أنه من بعض المراجع الإكليركية المارونية التي لم تنظر بعين العطف الى نشؤ حزب الوحدة اللبنانية ، التي كانت بدورها تستمد نفوذها من مرجع كبير في دولة الإكليروس الماروني، وقيل إن من بعض الشخصيات التي تعطف على فكرة لبنان الفينيقي . ومهما قيل فنحن نعرف والناس مثلنا يعرفون أنّ " الكتائب اللبنانية " نشأت بإيعاز ، كان بقصد منه حالة معينة : لدعم مكانة بعض الأفراد في الجمهورية اللبنانية ، ولمحاربة الحزب السوري القومي ثانيا ، وهي من هذه الناحية تتفق مع زميلتها الوحدة اللبنانية ( رحمها الله).
واتخذت لنفسها الرياضة قناعا تخفي وراءها وجها طائفيا بحتا ، هو وجه ماروني لم تتمكن من إخفائه طويلا في حياتها القصيرة ، وحتى بعد انتقالها الى رحمته تعالى ، ففي الإضطرابات الأخيرة أطل الوجه من شباك مدرسة الحكمة ومن شبابيك اليسوعية وادراة جريدة البشير . أما الفكرة الرياضية التي ادعتها " الكتائب " فلم تظهر في أي عمل من أعمالها ، فهي لم تعن بالحفلات الرياضية ولم تقدم جوائز كما تفعل المؤسسات الرياضية عادة ، وكل ما قامت به " الكتائب "أنها كانت تقيم استعراضات في الشوارع كلها انتهازية بمناسبات خاصة وعند رأي بعض الناس.
وباختصار نقول
أن " الكتائب " كجميع المنظمات التي تخفي وراءها غايات ومقاصد شخصية ، لم تتمكن من أن نوحد صفوفها في جبهة قوية ، فقد أدى التنافس والتناحر بين الأشخاص على الأشخاص الى تشرذمها وتفريخها لأحزاب وميليشيات مجرمة كالقوات اللبنانية.
أعضاء الكتائب : معظمهم مثقفون ثقافة لا بأس بها من الوجهة النظرية ، ولكن اتجاههم العملي محدود في أفق ضيق ، وتفكيرهم تخنقه الأوساط التي لها في خنقه مأرب ، والتي تأبى على الشباب انفلاته من جو الطائفية الضيقة ليعمل في سبيل المجموع.
رئيس الكتائب : وهذا أيضا ( كما يعرّفه سعادة ) من عائلة إقطاعية من المتن تتوارث المشيخة ، كزميله عواد ، أبا عن جد ، تفكيره تفكير رياضي ، وقد يكون دون مرتبة الكثير من أعضاء " الكتائب " ثقافة وعلما ونضوجا.
جنتلمن.
قيل إنه يفكر بدماغ إبن عمه المحامي موريس الجميّل ويضرب بعصا اليسوعيين.
يتبع
|