عدت لحديثي مع الزعيم في اليوم التالي ، وكالأمس كان هادئا وهكذا حدثنا الرفقاء الذين عاصروه ، ومن قراءتي لرسائلة للمسؤولين والرفقاء ، وكنت وصفت له وضعنا الداخلي " بالمذل " وميؤوس اذا ما استمرينا على هذه الحال عندما سألني عن وضع الحزب .
حييته تحية الأمة فأجاب بمثلها، وقلت قبل أن ندخل في موضوع الصعوبات الداخلية التي واجهها الزعيم منذ التأسيس الى لحظة استشهاده لعل الرفقاء والمسؤولين يعتبرون وينتصرون على جميع المعوّقات .
أرجو ان تسمح لي أن أسألك شيئا في الراهن قال تفضل يا رفيقي:
قلت : منذ أيام ألم يقلق راحتكم هنا في المدافن رصاص وقنص وفوضى كادت تودي الى مساكنكم هذه الكثير من المواطنين الابرياء؟
الزعيم : نعم تقصد ما حصل في الطريق الجديدة والجامعة العربية وتحويل المدينة الى زواريب
رفيقي هذا ليس شرحه بقصير وحدث مثله سنة 1936 . لكن سأجيبك :
في ذلك اليوم كنا سكان المدافن في قيلولة وحارس المقبرة يشرب الشاي وحفارو القبور في بطالة،
فجأة سمعنا رصاص يلعلع من هنا وهناك وتساءل الجميع واحد قال عرس، واحد قال جنازة جايي لعنا ، بتعرف بهالحالات وعادات شعبنا القديمة البالية ومثلها يقول : في كل بيت بارودة . ويستعملونها في الأفراح والأتراح ، في النصر والهزيمة ، بسبب او بدون سبب.
لكن عندما ازداد الرصاص ووصل منه كما يبدو طائشا الى محيطنا نصحنا حارس المقبرة وهو كان قد أصيب برصاص قناص في الحروب السابقة ، ان ندخل كل الى ملجئه وبعد شوي بتنحل.
لم يتراءى لي ابدا ان يكون هناك فتنة او اقتتال ، حتى انني ظنيت ان شعبنا وسلطاتنا تريد ان تتخلص مما لديها من اسلحة وذخائر بقيت في حوزتها ومخازنها بعد ان استعادت فلسطين وكيليكيا والاسكندرون والاهواز ناهيك عن قبرص التي لو رمينا بعض ما تيقى من سلاح بعد النصر في البحر لتحولت الى شبه جزيرة وعبر اليها المواطنون السوريون من كل الكيانات كل يوم للإصطياف والإشتاء إنها نجمة سورية في البحر.
فقلت يا زعيمي فلسطين حالتها مش احسن من اللي سمعتو من جيرانك ، تعيش نفس المأساة والجولان لم تسالني عنه لأنو مش ع زمانك ولا شبعا .
لكن اذا اخبرتك عن الاهواز وحال عراقنا سيكون في ذلك كبير اعجاز وهول لما ستسمعه.
قلت يا زعيمي لم تعد قضية اهواز بل العراق كله ومن اين نبدأ المعركة من شماله ام جنوبه من شرقه أم من غربه.
صمتنا وسكتنا صمت اهل المقابر كي لا نبكي ونرثي أونكابر.....
لكن حضرة الزعيم كيف تصرفتم حيال الفتنة سنة 1936 وشو القصة باختصار للرفقاء :
الزعيم : وجهت يومها نداء الى القوميين في وجه الفتنة الدينية التي افتعلتها احزاب طائفية كالكتائب والنجادة، هذه الغوغاء تعبث بالمصالح القومية كلها دون حساب ، يا رفيقي هل هي نفس الفئات التي افتعلت فتنة الخميس؟
اجبته لا حضرة الزعيم هذه المرة التحالفات طائفية والفتنة ارادوها مذهبية بين السنة والشيعة من ابناء وطننا خاصة وان ابناء شعبنا الشيعة كانوا يحييون كما في كل سنة ذكرى عاشوراء ، لكن المسألة ليست صعبة كما كانوا يخططون لأن مثيل هذه الفتنة ابتدأ في عراقنا الحبيب ويحصد كل يوم مئات الارواح من مواطنينا.
الأدوات تغيرت اسماءها الكتائب جزء منها ودخلت فيها قوى تقدمية اشتراكية وماركسية يسارية - ديمقراطية كما تحلو لهم التسميات الرنانة ولبنانية قواتية تشبه فرق الهاغاناه واستبدلت النجادة ب " التتار " الجدد المعروفون بتيار المستقبل.
هذه الأمة التي وصلت فئة قليلة منهاعملت برهانك وايمانها على ان في شعبنا قوة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ.
لقنت اليهود درسا في تموز الماضي ، أعتقد أن اليهود قد ينسون السبي البابلي ، وأوهام الهولوكوست ولن ينسوا معركتهم مع حفنة من أبطال أمتنا عاهدوا الله والشعب على الدفاع عن الأمة والوطن وقدموا في سبيل ذلك دماء زكية.
لكن الخونة والمتآمرين الذين كعادتهم يحولون الانتصارات الى انكسارات قالوا كما قالوا يوما في الثورة السورية الكبرى انها ثورة الدروز وخلو الدروز يتفزروا مع الفرنسيين.
واذا كنت قد قلت لهم يوما إن انقاذ فلسطين شأن لبناني في الصميم ، فهم مصرّون على انقاذ اسرائيل لا فلسطين .
واليوم يقولون خلوا الشيعة يتفزروا مع اليهود ، لان الشيعة اذا انتصروا على اليهود بدهم يجو اليكم يا سنة ويا دروز ويا مسيحيين ، والخيانة واضحة ناصعة وشريكة علنية رسمية وغير رسمية من قوى تاريخها عمالة وخيانة صنعها الاجنبي ويغذيها بالمال والاعلام المسموم ، إنهم يهود الداخل .
الزعيم فظيع أمر هذه الأمة !
في هذه الأمة يخلط السياسي بالديني ، والوطني يالديني، والشخصي بالوطني والقومي ، والسياسي بالقومي .
نعم يا زعيمي من ثمارهم تعرفونهم وثمار تلبننهم الملّي تنذر بويل التقتيل. كما قلت في مقالتك " الدولة الدينية اللبنانية في خطر " إنها ليست ثمار الحركة القومية الإجتماعية ، بل ثمار الحزبية الدينية التي تفرق بين " اللبنانيين الصرف " واللبنانيين " غير الصرف".
نعم إنها ثمار الفلنجيين والقواتيين والاشتراكيين ويساريو اميركا و"تتار" المستقبل.
لقد قلت في ندائي في 16/11/1936 في وجه الفتنة لايقاظ الشعب:
إنّ تحويل الوطن الى ميدان ينقسم فيه الشعب الواحد، الموحد المصير الى جيشين يتطاحنان للوصول الى غاية واحدة، هي الخراب القومي، عمل شائن لا يليق إلا بالشعوب البربرية، والرجعية تحب البربرية لأن فيها حياتها وكرامتها.
إنّ الرجعية تثير الأحقاد وتستفز الجماعات وترمي الغوغاء الى معترك الفوضى.
و ختمت بياني :
هكذا ابتدأت مظاهرة أمس وهكذا انتهت مظاهرة أمس.
مع فارق جوهري اليوم ان فريقا من الفريقين وحلفاءه ومنهم حزبك لا يريد الفتنة لأنه يسخّر كل قواه للدفاع عن
القضية القومية ، والفريق الآخر ، لا علاقة لأهل مذهبه ودينه بالقضية – الفتنة التي يؤديها خدمة مجانية للأجنبي
هو الرجعية عينها هو البربرية .
أطمئنك زعيمي سنبقى وحلفاؤنا ضمان لدحر الفتن وصد الأعداء لتغلب الوطنية على الطائفية والمذهبية ولانتصار القضية القومية على الحركات الرجعية.
وكذلك يا رفقائي اذكركم لقد كتبت في نفس الموضوع في جريدة الجمهور في 28/11/1936 تحت عنوان :
دم الغوعاء
إنّ النفعيين الذين لا همّ لهم سوى استثمار الحالة الراهنة لأغراضهم الخاصة لا يزالون يرون المصالح مصالح مسلمين ومسيحيين ودروز،إلخ. وكل نفعي يلتجىء الى جماعته الدينية ليسيّرها في سبيل منافعه ونفوذه. إنهم يجيدون تقسيم المصالح وفاقا للقاعدة المذهبية الوسيلة الإستثمارية الأقرب متناولا.
نعم حضرة الزعيم هو نفس ما يحصل بعد اكثر من 70 عاما على كلامكم هذا ، واطمئنك ومهما كانت حالنا نحن القوميين ، بقي رفقاؤك على وعيهم للمؤامرات واهدافها ومعهم حلفاؤهم ، ينبهون الشعب الى الخطر المحدّق بالأمة.
نعم زعيمي نعمل بقولك في تحالفاتنا : لن تكون المعركة هينة، أما النصر فسيكون حليف المبادىء التي تؤّمن المصلحة القومية ضد المصالح الخاصة.
وما يؤيد الشعب تأييدا مطلقا إلا الذين يخدمون مصلحته خدمة مخلصة.
واخبرك يا زعيمي انهم احرقوا بغوغائهم وبربريتهم مركز مديرية الطريق الجديدة بعد ان حاولوا النيل من رفقائنا واستبسل الرفقاء في الدفاع عن علم حزبهم وانسحبوا تجنبا لإراقة الدماء التي تعتاش منها الغوغاء.
شكرا حضرة الزعيم وكأننا بالتاريخ يعيد نفسه بعد 70 عاما والأمة كما كانت قبل ميلاد نهضتنا القومية :
تستوجب السؤال عينه : ما الذي جلب على شعبي هذا الويل؟ من نحن ؟ والسياسة ذاتها تدفع شعبي من ضيق الى ضيق فلا تنقذه من دب إلا لتوقعه في جب . والأحقاد المذهبية توقظ من سباتها وتبعث من مراقدها والأمة تتفتت أشللاء.
لنعد الى حال الحزب حضرة الزعيم
اذا صرخت صرختي هذه وحال أمتنا كما ذكرنا، ما يزيدني ألما أنا وآلاف القوميين الى متى هذا التمزق الداخلي أين مسؤلياتنا وواجباتنا ألا نخجل من المبادىء التي نحمل ونمارس عكس ما نؤمن ، نقول أننا حريصون على وحدة كل شبر من ارضنا وعلى كل فئة من أبناء مجتمعنا السوري الذي نريده : الأمة السورية مجتمع واحد.
ولماذا لسنا الحزب الواحد الموحّد والموّحِد؟
لماذا نغيب عن المقاومة في العراق
وعن المقاومة في فلسطين والجولان
ولماذا انحسرنا عنها في لبنان
ولماذا زاد الفساد واستشرى في الدول السورية في السلطة وفي المجتمع حتى اننا نتعامى عنه.
ولماذا استفحلت الطائفية والمذهبية وانحسر دورنا في مواجهتها أو اننا نواجهها بخجل.
ولماذا يسيطر المال على نفوس المواطنين.
والحرية كلمة مبتذلة والكرامة والقيم حدث ولا حرج.
اسئلة كثيرة وتجر وراءها اسئلة وآلام حول دورنا في السلطة وفي مؤسساتها ماذا قدمنا لشعبنا ومطالبنا الاصلاحية خجولة .
اذا لم تكن زعيما كالفوهرر كما ذكرت او الدوتشي ، هل أنت زينون الرواقي ؟
أنا زينون القومية ؟ كيف؟
جاء زينون الى أثينة من حضارة عريقة اجتماعية ولذلك ذهبت محاولات أساتذته المستهترين لتحويله عن اجتماعيته السورية دون أي تأثير على شخصيته وتمثلت فلسفته :
أولا – ان الفكر هو جوهر الطبيعة وميزة الانسان .
ثانيا – عيّن زينون حدود الارادة ومحلها من العناية الالهية . ان اعتقاد زينون بأساسية الفكر في الوجود يضعه في صف الموحدين الفلسفيين أي المعتقد ين بأن مصدر الوجود واحد وشامل وصالح ، وهذا المبدأ يدعو الى الايمان بالعناية الالهية وبانتصار عامل الخير في النهاية على عامل الشر ، على أنّ زينون خشي أن يؤدي هذا المبدأ الى الاتكالية الشرقية فدعمه بمبدأ الارادة والواجب واعمال الفكر. ان زينون أول من أدخل كلمة الواجب الى الفكر الأغريقي ، على ما يقال ، كما أنه أول من دل على أهمية الارادة ومحلها الفلسفي وهو من هذه الناحية أب لكل الفلسفات التي عززت شأن الارادة . على هذه الأسس بنى زينون فلسفته الأخلاقية معلنا أنّ على الانسان أن يعمل واجبه بعد اعمال فكره ، وأن يسلّم للعناية ما لا يقع تحت طائل ارادته وهذا ما عرف بالتاريخ بالسلوكية الرواقية.
ثالثا – واقع الفرد وغايته رقي الفكر . قامت فلسفة زينون على أساس الاعتراف بالفرد كواقع أولي وبأنه مضطر للمحافظة على جوهر كيانه الذي هو الفكر .
وقد بلغ زينون بفضل شخصيته الفذة مكانة عالية ، فكاتبه الملوك يستشيرونه ويستزورونه استفادة من حكمته الناضجة وأمّ اليه محبو الفلسفة وطالبو الحقيقة من جميع أنحاء العالم .
واستمر أثر فكره عاملا في الامبراطورية الرومانية وخصوصا في مدرسة بيروت التي طورت فلسفة الشرع في اتجاه فلسفة الرواقية .
أما زينون القومية، سعادة ؟
أما زينون القومية ، سعادة ، فقد رسم الخطة ووضع نفسه في الطليعة . لقد رأى رؤيا زينون البديعة ، رؤيا انسانية عادلة منظمة ، يسيطر فيها عامل الفكر وتنقشع عن سمائها غياهب الأوهام ، ولكنه قبل أن ينصرف الى الأحلام أراد أن تكون أمته مستعدة للقيام بقسطها في انشاء حضارة العالم. قال سعادة " لقد شاهد آباؤنا الفاتحين وساروا على أعقابهم أما نحن فسنضع حدا للفتوحات ". وبالحقيقة باشر سعادة باقامة الحصون المنيعة لتقف في وجه الفتوحات ، وأي حصون تفيد أو تجدي قبل أن تتغلب العقيدة القومية على العصبيات العنجهية المشتتة وقبل أن تأخذ الأمة بأسس الفكر ؟ وبعد ذلك وعلى أساس هذه الوحدة القومية المتنبهة أنشأ المؤسسات المنظمة والفرق المدربة لتكون جميعها عوامل لاكتساب حق الأمة واستمرار عوامل حياتها مع الأبناء وأبناء الأبناء ما دام في العالم أمم تسعى وشعوب تجاهد.
ان من يتأمل فلسفة سعادة في خطبه الممتلئة وفي كتابه نشؤ الأمم يدرك الرابط العظيم بين فكره وفكر فيلسوف الرواقية ، خصوصا في الناحية الايجابية البانية التي تعبّر فيها الفلسفتان عن نفسية عميقة متأصلة في المجتمع السوري. ان عودة سعادة الى الواقع الاجتماعي في الأمة تخلصا من فوضى الاعتباطية العقائدية هو في جوهره أشبه بعودة زينون الى مبدأ الناموس الطبيعي. على أن سعادة كان أغنى بتمثيل جميع نواحي النفس البشرية ومطالبها فلم يقتصر على ناحية الفكر ، وان لم يهملها ، وجعل مطلب الحياة الأسمى تحقيق الحياة الحرة الجميلة في المجتمع وتأمين عوامل رقيها. ان رسالة سعادة كرسالة زينون انسانية في غايتها ، وكل عودة الى مبدأ الفكر والحياة عودة الى الانسان . و " انسانية سعادة " انسانية منظمة مسؤولة لا فوضى مائعة . انها الانسانية الطبيعية في معنى زينون للطبيعة على أنها قائمة على نظام الفكر لا في معنى المستهترين للطبيعة في أنها قائمة على الحيوانية البديهية .
اثنان وعشرون جيلا تفصل بين نابغتي سورية العظيمين زينون وسعادة وكلاهما يكونّان ركنين متينين في بناء حضارة المتوسط المتحولة بسرعة لتكّون حضارة الانسانية العامة . أما لزينون فضل التقدم ، ان كان لصدفة الزمن حق الفضل . وأما لسعادة ففضل شمول الفكرة وتحقيق الناحية العملية . انّ زينون قد خطط ، أما سعادة فخطط وبنى .
راجع (سورية الجديدة، سان باولو ، العددان 54،55، 1/3/1940).
هل أنت غاندي الهندي ؟
نشأت حركة غاندي الإستقلالية في الهند قبل حركة سعادة القومية الإجتماعية قي سورية.
بما يزيد على عقد من السنين. واستفحل أمر الحركة الهندية استفحالا شديدا بعد سنة العشرين، وكان أهم أخطارها من الناحية الإقتصادية التي اتخذ منها غاندي سلاحه وأنزلت أضرارا كبيرة بالصناعة القطنية البريطانية.
ولكن اقتصار تلك الحركة على الناحية السلمية لم يمكنها من التقدم الى أكثر مما وصلت اليه. مع ذلك فكثير من السوريين وغيرهم بالغوا في تقدير الحركة المذكورة ، حتى أن عددا من الأشخاص السوريين صاروا يجعلون غاندي مثالا للأعمال الوطنية والقيادة الشعبية، وواحد كتب يقول، وهو لا يدري ما يقول: " حاربوا بالغاندية ".
لا شك أنّ غاندي رسم خطة موافقة للنفسية الهندية المغرقة في المسائل الخفية والشؤون الغيبية. ولكن هذه الخطة اذا كانت جيدة بالنسبة الى نفسية الهنود فهي مشكوك فيها بالنسبة الى مقتضيات تنازع البقاء والحالة الأنترنسيونية.
وسواء أكانت خطة غاندي هي الوحيدة المناسبة لنفسية الشعب الهندي أم لم تكن، فمما لا شك فيه أنّ الحركة الهندية قد قصّرت في فاعليتها من الوجهة الروحية ، لا أقل من سبع سنوات عن الحركة السورية القومية التي نشأت بعدها بما يزيد على عقد من السنين. فما قطعته الحركة السورية القومية في نحو سنتين ونصف لم تصل اليه الحركة الهندية إلا في نحو عقدين ونصف من السنين. ولبيان ذلك نضع أمام القارىء بعض فقرات من خطاب سعادة الرسمي الأول الذي ألقاه في أول يونيو/حزيران سنة 1935 وبعض فقرات من خطاب غاندي الأخير الذي ألقاه في الثامن من أغسطس /آب الحاضر.
سعادة قال سنة 1935 ( انظر أ ك ج 2 ص 5):
" إننا قد حررنا أنفسنا، ضمن الحزب السوري القومي من السيادة الأجنبية والعوامل الخارجية ولكن بقي علينا أن ننقذ أمتنا بأسرها وأن نحرر وطننا بكامله."
غاندي قال سنة 1942 :
" يجب على الهنود أن يبتدئوا يشعرون أنهم أحرار."
سعادة قال سنة 1935 ( نفس المصدر ص 3 ):
" منذ الساعة التي عقدنا فيها القلوب والقبضات على الوقوف معا والسقوط معا في سبيل تحقيق المطلب الأعلى المعلن في مبادىء الحزب السوري القومي وغايته، وضعنا أيدينا على المحراث ووجّهنا نظرنا الى الأمام-الى المثال الأعلى، وصرنا جماعة واحدة وأمة حية تريد الحياة الحرة الجميلة – أمة تحب الحياة لأنها تحب الحرية وتحب الموت متى كان الموت طريقا لحياة.:
غاندي قال سنة 1942 :
" إني وقفت نفسي على " المجمع " و " المجمع " مطالب بنيل الإنعتاق المناقبي أو الموت. "
من هذه المقابلة التاريخية تدرك أيها القارىء السوري أنّ ما وجّه سعادة أنظار السوريين إليه في سنة 1935 لم يبتدىء غاندي الى الآن في توجيه أنظار الهنود إليه. والفرق التاريخي نحو سبع سنوات ونيف فقط.
مع ذلك لا يزال يوجد أفراد سوريون، من رجال ونساء، يظنون لجهلهم، أنهم أذكياء جدا ويقولون: نريد لسورية رجلا كغاندي، وبعضهم يقولون: نريد رجلا كهتلر، وآخرون نريد رجلا كموسوليني، وغيرهم نريد رجلا كأتاتورك، وغيرهم نريد غير هؤلاء ولولا جهلهم ورعونتهم لعرفوا أنهم قد أعطوا من لم يعط غيرهم ولكنهم قليلا ما يعرفون.
راجع (الزوبعة،بوينس أيرس، العدد 50، 15/8/1942 ( أ ك ج 6 – ص 191).
هكذا يحلو لشعبنا أن يشبه زعماؤه بالآخر .
اليوم كثيرون منهم يريدون زعيما ك جورج بوش ، أو احد زعماء اسرائيل ، او أسامة بن لادن ، او احمدي نجاد ، أو فلاديمير بوتين. أو أي ثري عربي ، أو مستثر حديث الثروة .
كيف تكون زعيما أنت الفقير المعدم ، الذي لم تورث لا عائلتك ولا حزبك سوى بضع ليرات تكاد تسد الرمق.
كيف تكون زعيما وزوجتك وبناتك من بعدك ذاقوا مر الحياة وعلقمها وما زالوا يعيشون بكدهم وعرقهم وجهادهم.؟
والمتآمرون الذين تآمروا على شخصك وقضيتك كل يوم هم نجوم الصحافة والاعلام والمصارف تفلس بدون ثرواتهم المسروقة من مال الشعب أو الموهوبة من الاجنبي لقاء خدمة أو عمالة .
حضرة الزعيم لقد كتبت في الزوبعة بوينس أيرس، العدد 38، 15/2/1942 مقالة بعنوان : إنهيار دولة الألقاب " نظرة في الأرستقراطية السورية " ترفض فيها الالقاب المتوارثة من عهود الإقطاع والعثمانيين والمستعمرين الذين مروا على أمتنا . منذ ذلك الزمن والى اليوم عندما قرأت تلك المقالة عدة مرات، وصلت الى خلاصة في الراهن الذي تعيشه أمتنا هي التالية : إنهارت الدول والأحزاب وبقيت الألقاب .
لا بل مشروع الفوضى البناءة هو لانهيار كل المؤسسات حتى العائلة التي هي اصغر هذه المؤسسات.
وقد وصفتَ حال البعض الذين ذكرتهم في مقال سابق في الزوبعة بدون ألقابهم :
وبعض المولعين بألقاب الإمارة والعطوفة والسعادة والأمير والبك والباشا شعروا، عند قراءتهم في الزوبعة أسماء من ينعتوهم بهذه النعوت مجّردة من بهرجتها اللقبية، أنّ الأرض تميد تحت أرجلهم حتى أنهم يجدون صعوبة كبيرة في حفظ توازنهم وتثبيت أقدامهم.
لماذا كتب الزعيم ذلك :
الحقيقة في هذه المسألة التي يستغرب البسطاء ظهورها في مقالات الزوبعة هي أنّ الأمر يتعلق بمبدأ عام من مبادىء الحركة السورية القومية الإصلاحية. فالمبدأ الإصلاحي الرابع من مبادىء هذه الحركة ينص على :" إلغاء الإقطاع وتنظيم الإقتصاد القومي على أساس الإنتاج وإنصاف العمل وصيانة مصلحة الأمة والدولة ." فالنهضة السورية القومية ترى أنّ الإقطاع مصيبة كبيرة من مصائب الأمة السورية تضاهي مصيبة التحزبات الدينية ، وأنّ الإمتيازات المدنية الموروثة من حالة الإقطاع القديمة هي حجر عثرة في سبيل الوحدة القومية التامة وصدع في بناء الدولة القومية المتينة. ولمّا كان من الواجب إلغاء الإقطاع وإزالة الإمتيازات المدنية للوراثات الإقطاعية كان لا بد من الغاء جميع مظاهر الإقطاع وامتيازاته. والألقاب الإقطاعية هي من جملة هذه المظاهر التي يجب أن تمحى عن وجه الأمة السورية .
إنّ المناقب القومية الجديدة تأبى علينا الإستمرار في هذه الفوضى الإجتماعية – السياسية. أنّ النهضة السورية القومية ترفض كل إمتياز مدني أو سياسي يوجد طبقة من الشعب لسبب الإقطاع أو تقليد وراثة فاسدة. فالقومية السورية تدعو جميع أبناء الشعب السوري الى طلب الإمتياز بالبطولة والتضحية في سبيل قضايا الأمة مقتدين بحياة الزعيم الذي رفض إقتراحات كثيرة وردته ليحمل، على طريقة الأرستقراطية السورية المتأخرة، لقب الإمارة الذي استحقه وناله والده الدكتور خليل سعادة بك. فبما أنّ البكوية هي الإمارة عينها باللفظ التركي فإن تطبيقها في سورية على طريقة وراثة الألقاب الأرستقراطية يجعل واجبا أو جائزا ترجمتها الى اللفظ العربي ونقلها، على الطريقة المتبعة في سورية ، من الأب الى الأبناء والأحفاد. وعلى سبيل المعلومات نورد هنا أنّ السيد جميل مردم (بك) وغيره من رجال " الكتلة الوطنية "وغيرهم العارفين . بمنزلة الدكتور خليل سعادة بك ، ومن أوساط دمشق أخذوا يدعون الزعيم حين زيارته الأولى لدمشق سنة 1930، أي قبل تأسيس الحزب السوري القومي بنحو سنتين، بلقب الإمارة فكانوا يتوجهون اليه بلقب " أنطون بك سعادة " أي الأمير أنطون سعادة. ولكن الزعيم أبى هذا اللقب وكل تقليد صحيح أو غير صحيح يجعله في طبقة فوق الشعب.
ثم تقول : فنحن حين نذكر أصحاب الألقاب التقليدية البالية مجِرِّدينهم من ألقابهم لا نفكر بالإساءة اليهم ، بل بجعلهم أدعى الى الإحترام . فالقاعدة القومية الصحيحة تقول إن قيمة الشخص في أعماله لا في ألقابه . ونحن ننتقد أعمال الأشخاص العمومية التي لا يسترها عن أعيننا لقب صحيح أو غير صحيح. ونعتقد أنّ أصحاب الألقاب يجب عليهم الشكر لإنقاذهم إياهم من حكم القائل :
ألقاب مملكة في غير موضعها
كالهرّ يحكي، انتفاخاً، صولة الأسد.
حضرة الزعيم حديثك يوسع أسئلتي وتكبر الأسئلة حول الزعامة ، من هو ومن أسماه الزعيم وصلاحياته والأسئلة تتالى :
سنعود الى الأساس لماذا أقمت نظام الزعامة ولم تقم نظام الرئاسة ؟
لماذا أنت الزعيم ومن اسماك الزعيم؟
هل أنت المقدس ؟
وهل هذا لتمييز شخصك ونفسك عن الآخرين ؟
لسبب ارستقراطي ؟
أم لأنك عاصرت الزعامات السائدة في اوروبا ذلك الوقت : هتلر وموسوليني وتشرشل وستالين ؟
اذا كنت تدعو الى رفض الامتيازات بين المواطنين السوريين والمساواة بينهم في الواجبات والحقوق بقدر ما يخدمون القضية القومية ،
هل لقب الزعامة لا يجعلك في طبقة فوق الشعب ؟
هذه الأسئلة حضرة الزعيم أجد فيها أزمة السلطة في الحزب ومنها أبحث عن جواب أي اننا يجب ان نعود الى منطلقاتك الأساسية .
فالى الحديث القادم...
|