الحديث مع الزعيم ، حديث يطول ويطول ويتناول كل شؤون الحياة للمواطن السوري ، تاريخه ، حضارته، شخصيته، آماله ومستقبله.
في شخصية هذا الزعيم تجد الحلم السوري ، ناصع أبيض ، لا يمكن أن يلونه شيء الا الربيع في بلادنا، ولا ينبهر الا بشمسنا وحقيقتنا الناصعة.
انه الزعيم الذي لا تغيب عنه أدق التفاصيل في عملية الصراع والبناء . انه المهندس لهذه الخطة النظامية الدقيقة ،زعيم الدولة السورية القومية الاجتماعية المستقلة .
فكيف عمل وماذا واجه فيها.
الزعيم شخصية شفافة ، ناصعة ، لا تعرف الغموض، والتخفي ، لاستنادها في عقيدتها وقضيتها الى حقائق لا الى أوهام ،الى تفكير علمي وعملي في كل شيء،الى العقل شرعا أساسيا ووحيدا، حتى أنك تجد الحلم عنده عار تستطيع أن تقرأه معه، وتعيش فيه.
فلننطلق من عبارتيه التاليتين في بحثنا :
أنّ مسألة الزعامة هي من أسس الحركة القومية ولا يمكن أن تبقى في غموض عند الأعضاء. ( من رسالة الزعيم الى الرفيق يوسف الغريّب – 15/1/1942 ).
... ومن كان منكم ماسونيا قديما يجب أن يدرك أنّ هنالك فرقا أساسيا جوهريا عظيما بين غموض الماسونية وجلاء الحركة السورية القومية. ( الى رئيس وأعضاء مجلس ادارة سورية الجديدة- 15/11/1939 )
نعم يختلف سعادة عن الآخر، بالجلاء والوضوح واليقين ، عماد النهضة القومية العظيمة
الحزب السوري القومي الاجتماعي يقوم بقضية أمة بأسرها ويهتم بجميع مسائلها. وهذه القضية والمسائل ذات طبيعة داخلية معقدة وشكل خارجي مختلط وحاجاتها الاذاعية والثقافية والتنظيمية والتجهيزية كبيرة جداً
جدا ( من مقالة ما شفنا شي ).
ويقول أن حركته نبّهت الشعب السوري من رقاده الطويل. ..وأنّه لم يلقٍِ في كل تاريخه السياسي كلاما جزافا، ولم يقل قولا ينحصر معناه في مكان أو في مناسبة. فكل ما يقوله سعادة يهم الشعب السوري كله، لأن كلام سعادة أجزاء متصلة تكوّن كلاً يظلُ ناقصا اذا فُقِد بعض أجزائه.
( من خطاب الزعيم في 1 مارس 1940 /سورية الجديدة، سان باولو،العدد 63،27/4/1940 ).
اذا كانت حركته قد نبهت الشعب السوري من رقاده الطويل. يا ترى متى يتنبه السوريون القوميون الإجتماعيون ويخرجون من رقاد ما بعد سعادة طال عقودا وعقودا وزاد تعقيدا ، متى يعودون الى النهضة والوعي بقراءة سعادة وليس السياسات التقليدية المهترئة والرجعية التي تفتك بكل شيء.
نعم القوميون بحاجة الى سعادة ولا يبحثون عنه ويحملون اسمه وصوره وشعاراته دون مضمونه وخططه في السياسة والحرب وغيرها....
ألم يقل ايضا في خطابه 1 آذار 1940 : " إنّ نهضتنا القومية ليست لإشباع بعض رغبات مستعجلة أو بعض خصوصيات شعبنا المحدودة، بل لإعادة النبوغ السوري الى عمله في اصلاح المجتمع الإنساني وترقيته."
فمتى يتمكن الوعي عند القوميين من النبوغ والسير في طريق الحق والخير والجمال كما رسمه سعادة.
للأسف ما زال الليل طويلا.
بالأمس كنا نتحدث بماذا نتوجه الى المواطنين والرفقاء في الأول من آذار الثالثة بعد المئة، واقترحنا الخروج من خطاب المهاترات السياسية والطوائفية والتبعية التحالفية، الى خطاب سعادة ، وكأنه يحيا بيننا الآن في كل ما قدّره أن يحدث لأمته لو استمرت في فقدان الوعي القومي.
أجاب رفيق محتجا هذا كلام قديم للزعيم.
للأسف اترك لكم التعليق.
في مكان آخر عيّن أحد الجهّال مديرا لمديرية ، وراح يعصر نبوغه وتفوقه ليبتدع الخطط السياسية الباهرة والقاهرة، فما كان منه إلا أن دعا قوى المديرية والمحيط بهذه المديرية العريقة الى تكريم أحد رموز الفساد والخراب والدم وكل ما تشتهي نفسك ان تسمي حالة من هذا النوع . ويتسوله في تنفيعات وخصوصيات باسم الحاضرين وباسم حزب سعادة.
مثلان صغيران يؤكدان أننا ما زلنا في سبات عميق.
نعم انه ليس كزعامات اوروبا الذين عاصرهم من الفوهرر الى الدوتشي الى الرفيق ستالين وغيرهم.
هؤلاء أتوا من مؤسسات ورتب عسكرية ، ووراءها دول وجيوش جرارة.
وهو أتى من أمة ممزقة أخرجها من التاريخ الى الشمس الساطعة.
أخرجها من قبور تحفر لها وتدفن فيها حية ، الى جانب تاريخها وحضارتها وأحلام ابنائها.
ان عظمة زعامته ليست من ارث اقطاعي او ارستقراطي او عسكري كما قلنا ، بل من ايقاظ الوجدان القومي في شعبه.
نعم انه ليس زعيما نفعيا شخصانيا –فرديا انانيا.
لم يرث الزعامة من عهد عتيق.
كما سبق وقلت، حضرة الزعيم في حديثنا السابق، ان أزمتنا الداخلية لم تعد أزمة تحل بمرسوم من حضرة الزعيم الذي استشهد.
لكن يمكن حلها من قراءتنا لتراث الزعيم وتاريخ صراعه في بناء المؤسسات الحزبية في الوطن والمغترب.
نعم حضرة الزعيم اني ابحث عن التفاصيل الصغيرة لما واجهته .
لأننا نعيش تخبطا ليس سهلا الخروج منه اختلط فيه السياسي بالفردي – النفعي والشخصي بالقومي وحب السلطة والوصولية.
فاذا كانت قضية الأمة قضية بالغة التعقيد وكبيرة المشاكل، فان المشاكل الحزبية هي اليوم لأكثرتعقيدا وارباكا لنضاله .
لا بل ان بعضهم حاول أن يشغلنا ويدغدغ عواطفنا ويخرجنا عن بوصلة الصراع للبحث عن جسد بال لا قيمة له.
لو اردت ان توفر السلامة الشخصية على انقاذ الأمة لفعلت ولوجِد من يصفق لك في ذلك لا بل لنصبوك زعيما دون منازع على العالم أجمع.
نعم بعضهم اراد ان يلهينا بأن جثمانك قد صودر من مدفنك .
وانه ما زال مخبأ في مكان ما.
أنه يريد ان يقول لنا أن حيازته على هذا الجسد البال قد انقذ الأمة.
لا بل أراد أن يحجّر الزعيم ويضعه في قوالب جامدة ، لا بل تابوت يدفن فيه فكره وحيويته وحيوية الأمة كلها.
ونقول معك أنّ الهدم والافساد ليس بطولة.
فالبناء والعمران والتقدم والازدهار بطولة.
في حديثنا السابق قال لي رفيق ختمت بأسئلة ننتظر اجوبتها اسئلة كبيرة ، فهل ستجد الأجوبة المطلوبة عليها.
اجبته بعدك عن الزعيم عن اعادة قراءته يجعلك وكثير من الرفقاء يجهولون مكنونات آثاره ، وعظمتها للأمة السورية، لأجيالها القادمة لقرون قادمة عديدة ، ثقافة حياة ترسي بناء عظيما في السياسة والحرب والتربية طلابا ومعاهد وجامعات، في الدين ورجال الدين ،في الأدب قصة وشعرا وفي الزواج والعائلة والمرأة والأبناء.في نظرته الى الآخر سوريا أو أجنبيا ، في عقيدته ونظرته لحرية معتقد الآخرين.
الزعيم :
نعم يا رفيقي واجهت في السنوات الولى هذه الحالة لأن البعض قد بقي متأثرا بعصر الانحطاط اسمع ماذا قلت في مقالتي ما شفنا شي ( الزوبعة العدد 60 / 15 شباط 1943 ):
قلت في بداية هذه المقالة :
ان قضايا الحزب كان يجب ان تعالج في نشرة خصوصية توزع في داخلية الحزب لتبقى لها صفتها الداخلية.
لكني عدت وكتبت عنها في الزوبعة : لكي لا يحرم القوميون وغير القوميين فوائد الدروس الناتجة عنها.
وأضفت:
. فإذا خاطبوا الزعيم مثلاً، لم يخطر لهم انهم يخاطبون الحزب السوري القومي الاجتماعي كله بإعتبار أن الزعيم "قائد قواته الأعلى ومصدر السلطتين التشريعية والتنفيذية". ان فكرة النظام وقواعده بعيدة جداً عن افهامهم. ولذلك يتوهمون ان الزعيم ليس سوى فرد مثلهم، فإذا تدخلوا في شؤون عمله فإنما يتدخلون في شؤون فرد ويجب أن لا يصعب على هذا الفرد أن يتدخل أي من شاء في خططه وتدابيره ومراسيمه وقراراته. ولا يهمهم أن يفهموا أن وراء هذا شخصية الحزب العامة وإرادته وانه ليس وراءهم غير شؤونهم الفردية الخصوصية وانه ليحق لهم التدخل في شؤون الزعامة يجب أن يحصلوا على تفويض حزبي عام بذلك.
واني اعترف في هذه المقالة:
هذه الحالة فاشية في الجيل السوري الحاضر بسبب انتشار الفوضى فيه أجيالاً متعاقبة بلا انقطاع. والحزب السوري القومي الاجتماعي ورث هذه الحالة التي يعالجها بنظامه وتأديبه، والنظام بطبيعته قاس وشديد، وإلا بطل أن يكون نظاماً. انه قواعد مقررة لتسيير المجموع أو الجماعة، وكل خروج عنها أو عليها هو خروج عن إرادة المجموع أو عليها. والزعيم الذي يتساهل في النظام وحقوق المجموع وإرادته هو زعيم ضعيف الرأي واهن العزيمة ولا يصلح لتمثيل المجموع والتعبير عن إرادته وصون حقوقه. واذا وجدت مسائل يمكن التساهل فيها فالزعيم الصالح هو الذي يعرف أكثر من غيره مدى هذا التساهل والحد الذي يقف عنده لكي لا يفسد الروحية ولا يهدم المبادىء العامة.
يوجد أفراد غير قليلي العدد يريدون زعيماً لين العريكة، سهل الانقياد، غير مدرك عظمة المسؤولية التي يحملها ليكون لهم تأثير شخصي عليه فيحسنوا له فعل هذا فيفعله ويدلوه على تلك الطريق فيسلكها. وبذلك يصير لهم الحق بالتباهي فيقول أحدهم أنا الذي دللت الزعيم على أمر كذا ويقول آخر أنا الذي أشرت عليه بكذا ولولاي لما استقر شيء الخ...
كيف يفهم الزعيم الأرستقراطية ؟
لقد رفضت حضرة الزعيم لقب الأرستقراطية ، لكني أجد أنك معجب بالأرستقراطية الانكليزية مثلا ما هو التفسير لذلك ؟
في مقالته : الحرية وأم الحرية – (تأملات في الثورة الفرنسية). ساوباولو- 14/7/1923 ( أ ك ج 1 – ص 46 ).
نلاحظ ان المقال خط في عيد الثورة والاستقلال الفرنسيين وجاء فيه:
الارستقراطية غير منحصرة في الملوك والأشراف، لأن الأرستقراطية على أنواع شتى. فمنها أرستقراطية المال وأرستقراطية العقار وأرستقراطية القوة وأرستقراطية النبوغ وأرستقراطية اللقب. وما أرستقراطية الحسب التي يتمتع بها الملوك والأشراف الا جزءا صغيرا من الأرستقراطية الكاملة، وهي ليست ملازمة للملكية كما يفهم ذلك بعض الذين يتلقفون الأمور كيفما اتفق، بل هي موجودة في الجمهورية أيضا. وقد جاء في تعريف أرسطو لها ما معناه أنّ الأرستقراطية أقلية من ذوي الأهلية والفضل، يسودون في جمهورية فيديرون شؤونها وينفّذون القوانين الموضوعة بأمانة ودقة ويقومون بعبء الحكم حبا بالمصلحة العامة والخير العام.
وهذا يعني ان الأرستقراطية موجودة في كل نفس يمكنها أن تحيا وتنمو بدون الملكية، فهي أبدا موجودة في كل نفس تضطرم بشعلة الارتقاء والتفوق وفي كل فرد أفضل.
...فروسو هزأ بالحرية الانكليزية وعدّها وهمية ليس لها من صفات الحرية الا حرية انتقاء الأسياد أو المستعبدين لأن الحكومة في انكلترا ليست ديمقراطية.
والحقيقة أنه وان كان لا يزال لأرستقراطية الحسب حقوقها في انكلترا ، نرى أنّ أرستقراطيي انكلترا أكثر اهتماما بشؤون امتهم وأشد اخلاصا وأمانة في خدمتها بما يوافق روحها وينطبق على راحتها وسعادتها من كثير غيرهم من ديمقراطيي الأمم الأخرى وفي عدادهم ديمقراطيي فرنسة. وهذا عائد الى امرين : أولهما ارتقاء الشعب الانكليزي اجمالا ارتقاء متينا راسخا، وثانيهما تبادل الثقة بين الشعب والأمة بتبادل الحقوق والواجبات.
في انكلترا يؤدي الأشراف الأمة حقوقها ، أما في فرنسة فالأمة تتنازع حقوقها تنازعا. الأرستقراطية الانكليزية أرستقراطية في الظاهر ديمقراطية في الباطن أو هي الأرستقراطية الحقة التي تمثل الأفضلية بأبهى معانيها. أما الديمقراطية الفرنسية فديمقراطية في الظاهر، أوتوقراطية في الباطن وهي في مثل هذه أسوأ انواع الحكومات.
اذا حضرة الزعيم أنت ارستقراطي النبوغ والإرتقاء والتفوق، لا ارستقراطي السلطة والملكية وغيرها.
عندما احتفى السوريون القوميون الاجتماعيون بميلاد زعيمهم في أول آذار 1940 ، قال الزعيم في تلك الحفلة :
أني لا أتصور هذه الحفلة أعدت لشخصي مجرّدا عن التعاليم السورية القومية وعن الحركة السورية القومية ، بل هو موقنٌ أنها أعدت لشخصه من أجل تمثيل التعاليم والمبادىء السورية القومية، ومن أجل أن يقود الحركة السورية القومية.
يتبع... ولن نطول عليكم هذه المرة
|