" ... وعند بيادر قلحات ، تقدمت فتاة صغيرة من الزعيم حاملةً له باقة من الزهور فتناولها منها والبُشر يطفح من وجهه الوسيم ، وألقى في القوميين الاجتماعيين وأهالي الضيعة كلمة يعبر فيها عن إغتباطه بهذه الروحية العامرة التي كان يثق بوجودها ، حتى لو لم يرها بأم عينه ويحسها بقلبه ، الخافق في محبة هذا الوطن ومحبة هذا الشعب ".
هذا المقطع ورد في الصفحة 295 من الجزء الثالث من مجلد " من الجعبة " للأمين جبران جريج .
من هي هذه الفتاة الصغيرة ؟؟؟
يوم الأحد 3 الجاري كنت في قلحات الى جانب آل ومحبي ورفقاء الرفيق وفاء نصر في القداس الجنائزي الذي أقيم لراحة نفسه .
بعد ذلك توجهت الى منزل المرحوم الرفيق ميشال نادر لتفقد الفاضلة سلام والدة الامين كمال والرفقاء جان، نادر، زياد، رينيه، وإنعام عقيلة الرفيق منير شدياق .
إكتشفت في الزيارة ان الرفيقة فايزة بيطار التي عرفتها في آواخر ستينات القرن الماضي رفيقة ناشطة في كلية العلوم – الجامعة اللبنانية، كما عرفت الرفيق وسام إميل رفول الذي إقترن بها لاحقاً، هي إبنة السيدة إوجيني، شقيقة الفاضلة سلام، وانها حالياً في بلدتها قلحات .
وإكتشفت أكثر انها هي الطفلة التي قدمت باقة الزهور لسعاده في ذلك اليوم من شهر تموز 1937.
وترافقت مع الامين كمال نادر لزيارة خالته السيدة اوجيني .
إمرأة قاربت أواسط التسعينات، جالسة عند طرف سريرها .
إستقبلتنا بالترحاب ، سألتها عن الرفيقة فايزة، وعن الرفيق وسام وعائلتهما .
- حدّثينا عن زيارة سعاده الى قلحات .
إبتسمت وقد شعّ نور من الفرح في نظراتها. وحدّثتني كيف إستقبلت قلحات زعيم الحزب بالزغاريد والهتافات ورش العطور، والحناجر تدعو له بطول العمر، ولحزبه بالإنتصار .
ومشت قلحات الى البيدر، هناك تقدمت الفتاة إبنة الحادية عشرة، وقدمت لسعادة باقة من زهر "الكتلة" ، قالت له انها فتشت عن ورود، فلم تجد. إختارت زهر الكتلة، المعروفة في قلحات وجوارها، وجمعتها في باقة، فيها حب وعربون وفاء .
تناول سعادة الباقة من الفتاة الصغيرة، وإبتسم قائلاً : "نحن مش مع الكتلة(1) بس من إيدك بقبلها" ، وقبّل جبين الفتاة، وسط الزغاريد .
قبل ان أغادرها قالت لي ودموع الفرح في نظراتها "زدت عشر سنوات على عمري، الله ينصركم ".
رفعتُ لها يدي بالتحية .
- تحيا سورية، قالتها لي بصوت قوي. وعند الباب إلتفتُ إليها في مقعدها، ورفعتُ لها يدي مرة ثانية بالتحية لأسمع منها هتافاً عالياً، مع يدٍ مرتفعة زاوية قائمة. ودائماً تحيا سورية .
هذه هي قلحات التي سجلت وقفات عز في تاريخ الحزب، منذ إنتمى إليها الرفيقان ألفرد خوري(2) وميشال نادر في العام 1934، والتي يصّح ان يُكتب تاريخها المُضيء، وفاءً للمناضلين الراحلين، وقدوة للأجيال المقبلة على الحزب.
هوامش
(1) يقصد "الكتلة الوطنية" التي كان الحزب غير مؤيد لمواقفها.
(2) ابن أخ الرفيق الاديب فؤاد سليمان ، درّس لاحقاً في الجامعة الاميركية .
|