تسنى لي ان اتعرف عليه في مدينة السلمية، ثم زيارته في منزله في بلدة "عقارب" التي فيها استضافنا، رئيس الحزب انذاك الامين علي قانصو وكنت اتولى مسؤولية عميد للداخلية.
لفتني فيه، ليس فقط قامته الشاهقه وطلته البهية، انما اريحيته، ووعيه القومي الاجتماعي ومتانة التزامه في الحزب.
ثم سمعت عن تعرضه مرارا للسجن، وللتعذيب، فما تراجع وما استكان وما ضعف، كذلك سمعت عن الحضور المتقدم الذي اسس مع السلطات الحكومية في محافظة حماة، ومع كافة القوى السياسية والشعبية.
*
الاسم الكامل: رحيل غيبور غيبور
ولد في بلدة عقارب عام 1931
انتمى الى الحزب في حماة عام 1948
اقترن من المواطنة الصديقة المؤيدة نوفا غيبور، وأسس معها عائلة قومية اجتماعية، من الرفقاء والرفيقات: فيروز، عدنان، سناء، جمانا واليسار
من مسؤولياته الحزبية:
-مدير مديرية الزوبعة المستقلة (عقارب) في الفترة 1948-1952
-مسؤول عسكري من عام 1954-1955 حلقات عسكرية
-منفذ عام الصرفند(1) (حمص – حماة) في الفترة 1979-1988
-مفوض المفوضية الشرقية وعضو فيها من عام 1989 الى 1997
-مدير المديرية الثانية في منفذية السلمية، ومدير المديرية الثانية في منفذية المنطقة الوسطى(حماة)
تعرض للاعتقال اكثر من مرة:
•ستة أشهر (1949-1950) أثر شجار من أجل الحزب مع الاشتراكيين الحورانيين قضاها في سجن سلمية وحماة.
•سنتان في سجن المزة عام 1955 واخلي سبيله في أواخر عام 1957.
•تتالت التوقيفات في حماة وحمص ودمشق مدة أربع سنوات حتى الحركة التصحيحية عام 1970.
•سيق مرتان سيرا على الاقدام مكبلا من حماة حتى دمشق في زمن عبد الناصر.
*
أورد أحد الرفقاء في كتاب ترشيح الرفيق رحيل لنيل رتبة الامانة، المعلومات التالية التي تضيء على جانب من الحضور المتقدم للرفيق المذكور في منطقته:
" لقد تحلى الرفيق رحيل غيبور طوال حياته الحزبية بالالتزام والعطاء دون تردد أو خوف رغم ما تعرض له من سجن وعذاب أثر أحداث المالكي. لقد تعرّض في السجن لأشد أنواع العذاب وبقي محافظا على قسمه وإنتمائه، لم يتزعزع إيمانه يوما بل كان دائما الرفيق القدوة الملتزم المسخر لخدمة الحزب والرفقاء في المنطقة.
" إن الرفيق المذكور هو رجل المنطقة: ما من طارئ يحدث مع أحدنا، إلا وهو الحل، سواء كان الاشكال مع رجال الدولة أو مشاكل اجتماعية ومادية. ذلك انه بنى علاقات واسعة جدا لما يتحلى به من صفات الاخلاق والكرم والرجولة. وكانت له كلمة مسموعة لدى كافة الأجهزة الامنية عند الدولة برغم معرفتهم التامة بالتزامه الحزبي.
" ترشح أكثر من مرة للنيابة باسم الحزب، وكان يحصل على أعلى رقم من الاصوات ولكن حسابات أخرى كانت تجعل امكانية فوزه غير متوفره.
" أؤكد إنه الرفيق الملتزم القدوة الممارس لأخلاقيته الحزبية في كل الظروف، وهذا قليل مما أعرفه عن الرفيق المذكور. أقول: إنه سوري قومي اجتماعي، بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى ".
*
أفادنا رئيس لجنة تاريخ الحزب في منفذية سلمية الرفيق غسان قدور تعقيباً على صورة الرفيق الراحل رحيل غيبور أنها " تعود إلى بداية الخمسينات من القرن المنصرم، وقد أخذت له أمام "غرفة النظارة" في سجن سلمية إثر إعتقاله، بعد حادثة جرت معه، وهذه تفاصيلها:
" في بلدة تل الدرة الحالية (القرية فيما سبق) قررت قيادة الطائفة الاسماعيلية التوسع في مراحل التعليم فأحدثت مدرسة متوسطة فيها لتستوعب الأعداد الكبيرة من الطلبة من كل منطقة سلمية، بدأت بالصف السادس تطور حتى التاسع.
" كانت المدرسة بحاجة إلى إدارة خبيرة، فقام مسؤول التعاقد بالبحث، حتى ألتقى في منطقة مشتى الحلو بالمدرّس فهمي شريح، الرفيق من بلدة ترشيحا(فلسطين)، فتعاقد معه في البداية كمدرّس للغة الانكليزية. ثم غدا مديراً للمتوسطة. وكان من جملة المتعاقدين مع المدرسة عدد من الرفقاء أمثال: المحامي الراحل الرفيق أحمد ادريس المير سليم، الرفيق الدكتور خضر الحموي، الرفيق والاديب الراحل حسن القطريب.
كان الرفيق رحيل طالباً في المتوسطة. وقد حدث في عام 1951-1952 شجار اصطنعه بعض الطلبة ممن تنتمي بعض أسر عائلاتهم لحزب البعث. فتمّ ضرب الرفيق فهمي وأذوه في وجهه. سرّب الخبر في حينه أحد الطلبة القوميين وكان في الصف الثامن، للرفيق رحيل الذي كان في بيت أهل الرفيق الراحل محمد دلول وكان لا يبعد أكثر من 20م، حيث نال المعتدين علقة ساخنة، أغلقت على أثر الحادثة "المتوسطة" ولم يتقدم الطلبة الرفقاء الى امتحان الشهادة الاعدادية، بسبب اعتقالهم لمدة من الزمن. ولما أحيلت القضية إلى دمشق تطوع عدد من الرفقاء المحامين للدفاع عن المتهمين، فأخلي سبيلهم".
*
يضيف الرفيق القدور انه في لقاء مع الرفيق علي سليمان خنسة الذي رافق الرفيق رحيل لعدة سنوات،
" التقيته في منزله في سلمية بتاريخ 31-10-2013، وأطلعته عن النبذة المكتوبة عن الرفيق رحيل، فرغب ان يزيد عليها مما حفظته ذاكرته من مواقف تضيء على تاريخ ونضال الرفيق رحيل قال:
•في عام 1940 كان عبد الحميد السراج (رجل المخابرات المعروف) موظفاً بالميرة (إبان الاحتلال الفرنسي للشام) وكان يبيت عند مختار بلدة "عقارب" المرحوم مصطفى غيبور، عم الرفيق رحيل.
لما اعتقل الرفيق رحيل بعد حادثة المالكي، ذهب المختار لعند السرّاج، ليتوسطه لإطلاق سراح رحيل فأجابه السرّاج: ابن أخيك عنيد، حاولت مراراً وتكراراً أن ينسحب من الحزب القومي لأخلي سبيله لكنه كان يرفض دائماً، فظل في السجن من عام 1955 حتى عام 1957.
•خرج من السجن شديد العوز والفقر الكبير، فعمل في حفر آبار الموتورات (المحركات الآلية لرفع المياه الجوفية) ليحصل على قوته وقوت عياله اذ في فترة الخمسينات انتشرت زراعة القطن في المنطقة وكانت تحتاج الى مياه كثيرة.
•روى لنا وفي بيتنا كيف تم قلع أظافر يديه في سجن المزة، وكيف كان وهو تحت التعذيب، يرفع يده بعد ان يصحو (ليقول تحيا سوريا) فيعودون لضربه من جديد.
•ذات مرة حرّض الاشتراكيون في المنطقة رجلاً من آل زيدان على إثر خلاف عائلي بينه وبين آل غيبور فطعن الرفيق رحيل بسكين في بطنه في كاراج سلمية-حماة، فتمّ أُسعاف الرفيق رحيل من قبل سائق من الاشتراكيين يدعى (محمد جحا) الى المشفى الاهلي في حماه، وكان يديره أحد قيادات الحورانيين الدكتور (فيصل الركبي) الذي اشرف على علاجه، وهو يعلم انتماءه للقومي. أكمل الرفيق رحيل مداواته فيما بعد في لبنان على حساب الحزب. لاحقاً رد الرفيق رحيل الجميل للدكتور فيصل الركبي لما عاد ابنه من الولايات المتحدة حيث كان يدرس، فاعتقل بسبب اشكال أمني. سارع الرفيق رحيل الى اطلاق سراحه متوسطاً لدى العقيد يحيى زيدان.
•علاقته مع العقيد يحيى زيدان رئيس فرع الامن العسكري في حماه خدمت الحزب وأبناء المنطقة، وكان لكرم ضيافته الدور الكبير في خدمة المنطقة في عدة قضايا.
يقول الرفيق علي في زيارة لهما (للعقيد يحيى): اعتذر الاخير، فما كان منهما إلا أن رجعا دون انتظار. بعد فترة قامت مفرزة الامن العسكري في سلمية بالاتصال بالرفيق رحيل لتخبره لزوم مقابلة العقيد في الفرع حيث قدم له الاعتذر، وانعكس ذلك تقدير كبير لدور الحزب (كان التنظيم سرياً).
•استضاف الرفيق رحيل العقيد يحيى وقيادة فرع الامن العسكري في "عقارب" بوليمة كبيرة حضرها من طرف الحزب (الرفيق محمود الحسن منفذ عام عكار يومها وكان برفقته الرفيق الشهيد علي غازي طالب. دُعينا، الرفيق الراحل سامي دلول، وأنا لحضور هذه الوليمة وقد تحدث الرفيق رحيل فيها عن دور الحزب بشكل عام دون أن يصرح بالتنظيم السري.
•كانت له علاقة طيبة مع البطيريرك الراحل (هزيم) وتعود العلاقة الى وقت قديم عندما كان آل غيبور يسكنون قلعة حصن شيزر المتاخم لمدينة محردة مسقط رأس البطرك هزيم (ولا زال هناك قصر في الحصن يدعى قصر غيبور)، ولما توفي الرفيق بديع العبد الله (من قرية السقيلبية) شيّع من حماه الى مثواه الاخير في بلدته، فلم يشأ القساوسة ورجال الدين أن يسيروا أمام المشيعين بل مشوا وراءهم وكان في مقدمتهم الرفيق رحيل والرفيق علي خنسة والرفيق ملحم العبد الله وغيرهم.
•لما توفي حبيب مخلوف شقيق زوجة الرئيس الراحل حافظ الاسد في قرية (بستان الباشا). وقف في صف المعزين يأخذ بالخاطر ومعه الامين حسن مخلوف وأنيس مخلوف، الشاعر والفنان.
*
وفاته:
في كانون أول 2003 وافت المنية الرفيق رحيل غيبور، ويوم الجمعة 2 كانون الثاني 2004 كانت بلدته "عقارب" والسلمية على موعد مع الحزب في احتفال كبير لمناسبة مرور اربعين يوما على وفاة الرفيق رحيل. ومنذ الصباح تقاطرت الوفود القومية والشعبية الى هذه القرية الواقفة على بوابة البادية السورية، والتي ستتحول يوما ما الى جنات وحقول خضراء غنية بالخير، مثلما تحولت بلدة "عقارب" الى قلعة نهضوية بفضل نشاط الرفيق رحيل غيبور.
حضر المهرجان: عضو قيادة فرع محافظة حماه عبد الكريم حيدر ممثلا حزب البعث العربي الاشتراكي، وامين واعضاء شعبة حزب البعث في السلمية، وممثلون عن كافة احزاب الجبهة الوطنية التقدمية، والتجمع الوطني الديمقراطي، والهيئات المدنية مع عدد من أعضاء مجلس الشعب ومدراء المؤسسات والدوائر الرسمية في المحافظة. كما حضر وفد مركزي ضمّ عضو المجلس الاعلى الامين انطون اسبر ووكيل عميد الاذاعة الرفيق كمال نادر(2) ومنفذ عام حمص الرفيق الياس خليفة والامينان عادل الطبرى وعبد الله نصر الله.
ادار الاحتفال مقدما ومعرّفا الاستاذ عمر غيبور بصوته الاذاعي المعروف في سورية، وكان أول المتكلمين الرفيق المناضل عبد الرزاق منديل الذي جاء من دير الزور لوداع رفيق عمره ونضاله، يحمل إليه اكليلا من الزهور ويرثيه بقصيدة ألقاها بصوت شابته أثار الزمان وقطعته العبرات، لكن فعل الايمان والعاطفة والوجدان كان أقوى من الزمن والعمر.
ثم ألقى الرفيق اسعد حافظ المير أسعد كلمة منفذية حماة وقال عن الرفيق رحيل انه ولد في صحراء الآلام، تحيط به كثبان القهر من كل جهات وليس له خيار سوى الصمود والصراع مثل السنديانة التي تشمخ في وجه الاعاصير ولا تنحني. هكذا وقف في وجه التحديات والصعاب، مؤمنا ان بلوغ الاهداف النبيلة يتطلب النضال المستمر وان الحق انتصار على الباطل دون مساومة.
وعدد خصاله الكثيرة ورجوليته وشهامته، كما تحدث الرفيق اسعد عن زوجة الراحل السيدة ام عدنان راويا عنها حادثة تعود الى زمن الاعتقالات وكيف اصرّت على استضافة دورية الامن التي جاءت تعتقل زوجها ليلا ولم تقبل بمغادرتهم المنزل قبل تقديم عشاء فاخر واتمام كل مراسم الضيافة السورية القومية.
والقى الشاعر خضر العكاري قصيدة جاء فيها:
بكت السماء وهدّنا الترتيل لما توارى في التراب رحيل
رفقاء دربك والقلوب فواجع والزوبعات يلفها التهويل
خرقوا الصفوف وهاجروا بعنادهم صوب البراري والذئاب تعول
يا وقفة العز الحياة دماؤنا ان الفداء رجولة وسبيل
آمنت بالفكر الجميل...مضحيا او ليس فكر للحياة جميل
يكفيك فخرا يارفيقي اننا من امة اعطت وذاك ضئيل
تشرين يشهد بالبذار نقية آذار روى والربيع جميل
تموز يزأر بالهتاف مدويا فكرا تجلّى والظلام افول
بعد قصيدة للشاعر عبد الرحمن الابراهيم، القى كلمة مركز الحزب حضرة وكيل عميد الاذاعة الرفيق كمال نادر. وفي الختام القت السيدة فاطمة غيبور كلمة أهل الفقيد فعددّت خصال الرفيق الراحل ومزاياه، ومنها شجاعته ورجوليته الصلبة وروح البطولة، وقد دخل الجيش السوري واختير مدرباً رياضياً للشرطة العسكرية في دمشق قبل ان يتعرض الحزب للملاحقة في أواسط الخمسينات، حيث نال نصيب كبير من الاعتقالات والعذاب والقهر.
هوامش:
(1)كانت فروع الحزب في الشام تتخذ في تلك الفترة تسميات مناطق في الجنوب اللبناني .
(2)منح لاحقا رتبة الامانة. ومثله ايضا الامين الياس خليفة.
|