إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الشاعر المهجري الرفيق فارس بطرس

الامين لبيب ناصيف

نسخة للطباعة 2014-07-01

إقرأ ايضاً


نقرأ لسعاده رسالة كان وجهها بتاريخ 21/3/1941 الى "الرفيق العزيز فارس بطرس وفيها يهنئه على يقظته ووعيه وعلى القدوة الروحية التي يقدمها لرفقائه"، فمن هو فارس بطرس الذي يتوجه اليه سعاده بالرفيق العزيز؟

هذا الرفيق عرفته جيداً عند اقامتي في البرازيل لمرحلتين، عام 1976، ثم عام 1983، كما عرفت شقيقه الأديب الرفيق هلال، ورافقت العديد من المناسبات الحزبية والعامة التي كان له حضوره فيها.

واني لا انسى يوم وقف في حفل اقامه الرفقاء في سان باولو في تموز 1977 لوداعي قبل عودتي الى الوطن ملقياً قصيدة رائعة.

ساهم الرفيق فارس مع الأمين نواف حردان وعدد جيد من شعراء وادباء المهجر البرازيلي في تأسيس عصبة الأدب العربي، وتولى عام 1980 رئاستها.

من هؤلاء الشعراء نذكر الرفيق شفيق عبد الخالق، الرفيق يوسف المسمار، الشيخ الراحل شكيب تقي الدين، الراحل نبيه سلامة، ابراهيم سلمان، الأديب ميشال اليازجي والعشرات غيرهم.

*

عام 1981 أصدر الأديب نعمان حرب، ضمن سلسلة " قبسات من الأدب المهجري " كتاباً عن الرفيق الشاعر فارس بطرس. في شرحه لسيرة الرفيق الشاعر يقول الاديب نعمان:

ولد الشاعر فارس بطرس عام 1906 في بلدة خربا، القرية الصغيرة الرابضة على حدود محافظتي السويداء ودرعا.

منذ صغره تنبأ له معلموه بمستقبل باهر لما وجدوا فيه من علائم الذكاء والفطنة والذهن المتّـقد.

ما إن انهى دراسته في مدرسة القرية، حيث كان يحتل المرتبة الأولى بين اقرانه، يمّم الطالب النجيب شطر مدينة القدس في اول عام 1922، تحدوه الامال العريضة، ويدفعه حب العلم والمعرفة، فانتسب الى الكلية الاستعدادية الاميركية، وهي الوحيدة في القدس يومذاك، ونهل من معينها الدروس والعلوم باللغتين العربية والانكليزية، حتى نهاية عام 1925.

في تلك السنة نشبت الثورة السورية الكبرى، بقيادة المجاهد سلطان الأطرش، وانقطعت المواصلات بين جبل العرب وبيت المقدس، بسبب المعارك الدامية التي كانت تدور بين جيوش الثورة وجنود الاستعمار الفرنسي، وبذلك توقفت امدادات نفقة الدراسة، وانتصبت المخاطر في وجه الطالب الشاب، وسدت السبل في وجه عودته. وحاول مرات عديدة العودة ليحمل البندقية، ويخوض المعركة، ولكن بعد المسافات، وانقطاع المواصلات، وخطورة الطرقات، وقفت حجر عثرة بوجه طالب الجهاد، ومنعت الثائر من الاسهام في مواكب الثورة.

إلى البرازيل

لذلك لم ير من وسيلة لمتابعة العيش والحياة إلا الهجرة، والاغتراب. وهو لما يزل في ربيع العمر وعنفوان الصبا. فاختار الهجرة الى البرازيل، وهي من البلدان المزدهرة، المرحبة بكل وافد اليها، المهللة لكل زند قوي، يحط في ربوعها، ويساعد في نهضتها وعمرانها.

ومع انتصاف سنة 1926 انتقل الشاب الطموح من صفوف العلم والدراسة، من المقاعد التي جلس عليها أكثر من اربع سنوات، الى الحياة الجديدة، الى الصراع من أجل المستقبل المادي الزاهر، الى بلاد البرازيل، الرحبة الواسعة.

في خضم المعركة

بدأ فارس بطرس عمله في التجارة المتنقلة. ولا بد لكل من يمارس هذه المهنة، من مواجهة الصعوبات، واحتمال المشقات. فكان يناضل، ويكدح، ويعرق، ويسير المسافات الطويلة، بين القرى والدساكر، بين الاحراج والسهول، بين الوديان والجبال، سيراً على الاقدام، وتنوء كتفه بالبضائع المحمولة الثقيلة، عندما يتعذر عليه وجود واسطة للنقل، وكم قاسى، وكم تصبب العرق من جسده، وتبللت ثيابه، وانهارت قواه. وكل هذه المشقات لم تثنه عن مواصلة كفاحه، ولم تُغيّر من الفضائل التي اشتهر بها. فلقد كان ولا يزال معروفاً بصدق المعاملة، ونقاء الأخلاق، وطيب السريرة، وحسن السلوك، لا يعرف الكذب الى نفسه طريقاً، ولا يعرف الغش في عمله مكاناً.

واصبح موضع ثقة التجار المتعاملين معه، ومثالاً يحتذى في الطيب، والاجتهاد، والصدق.

فائدة المطالعة

ان صعوبات الحياة التي واجهت فارس بطرس، والمعركة النضالية التي خاضها في صراعه مع هذه الحياة، لم تمنع خريج كلية القدس النضالية من مطالعة كل ما يتيسر له من مجلات "الهلال" و"المقتطف" و"الفنون" و"الشرق" و"الرابطة". وهذه المنشورات كانت تعج بأعظم قبسات الفكر، واعلى دفقات الادب والشعر، يكتبها عمالقة الفن، والابداع، أمثال: نعيمة، وجبران، وخليل سعاده، وفوزي وشفيق معلوف، وحبيب مسعود، وشكر الله الجر، ونصر سمعان، وميشيل مغربي، وحسني غراب، وتوفيق بربر، وجورج صيدح، ونبيه سلامة، وغيرهم كثير من أصحاب الفكر المبدع.

من هذه المطالعات، لاعاظم الادباء والشعراء والمفكرين، تكوّن قلب الشاعر فارس بطرس، ذخراً ذاخراً متفجراً، وحساً شاعرياً مرهفاً، وخميرة من الفن والالهام. هذه المعطيات الجديدة، قوت المواهب وصقلتها، وجعلتها، تفرز العصير المستساغ، والماء القراح، وتعطيها الألوان الحلوة الزاهية، والكساء الأصيل الفتان.

أول الغيث

بدأ الشاعر فارس بطرس ينظم ابياتاً شعرية، ومقطوعات ادبية منذ عام 1933، بعد أن قوي عوده، ورسخت أصالته. وأخذ ينشر شعره ونثره في مجلة "الشرق" وجريدة "الرابطة" ومجلة "العصبة" وجريدة "أخبار العرب" وجريدتي "الأنباء"(1) البرازيلية و"الوطن"(2) الارجنتينية، وفي جرائد أخرى في الأوطان العربية.

وبقي هذا الحصاد الأدبي، يعطي أشهى الثمار. وأزكى الطعوم. ولئن شغلت الشاعر فارس بطرس انشطة العمل، وتكاليف الحياة، في بلاد لا تعرف إلا المادة مثالاً وهدفاً، فإن روحه وفكره ومواهبه، بقيت منطلقة من غصون وارفة الى فروع قوية. من خيط من النور الى مصابيح. من جداول منسابة الى انهر دفاقة.

وينتقل فارس بطرس في شعره من مرحلة الى مرحلة اقوى وأعمق، وكلما انصرمت الأيام وتعاقبت السنون، ازداد فكره المتوهج اشعاعاً ونوراً. وهو يستعد الآن لإصدار ديوان من الشعر، تحت عنوان (شفق الغروب) يصدر فيه انتاجه خلال نصف قرن مضى من الزمن.

**

كان الرفيق فارس بطرس قد خسر عقيلته السيدة روزا جبارة، شقيقة الرفيق سامي جبارة(3) فوجهت له وللرفيق سامي جبارة رسالة تعزية بتاريخ 12/1/1979.

وعندما وصل نبأ وفاة الرفيق فارس، نعته عمدة الاذاعة والاعلام، كما وجهت بتاريخ 6/5/1992 رسالة تعزية لكل من معتمدية البرازيل، منفذية الساحل البرازيلي، وعصبة الادب العربي.

نعي الحزب

ينعي الحزب السوري القومي الاجتماعي الشاعر المهجري المعروف الرفيق فارس بطرس والذي توفى عن عمر يناهز الـ87 عاماً قضى معظمه في المهجر البرازيلي، وقد شيعته الجالية السورية في "سان باولو" في مأتم مهيب شارك فيه حشد كبير من ابناء الجالية.

ولد الشاعر فارس بطرس عام 1906 في بلدة خربا (محافظة السويداء) تلقى علومه الابتدائية في مدرسة القرية وعام 1922 انتقل الى الكلية الاميركية في مدينة القدس لمتابعة علومه.

هاجر الى البرازيل عام 1936، وعمل في التجارة. نشر انتاجه الادبي من شعر ونثر في العديد من المجلات والصحف، منها "الهلال"، "المقتطف"، "العصبة"، "الانباء"، "البرازيلية"، "الشرق"، "الرابطة".

شارك في تأسيس "عصبة الادب العربي" الى جانب الادباء والشعراء الامين نواف حردان، شكيب تقي الدين، الرفيق شفيق عبد الخالق، نبيه سلامة، احمد القادري، خليل العقدي وغيرهم، وانتخب رئيساً في احدى دوراتها لمدة سنتين.

اصدر ديوانه "اضواء وانواء"، عام 1987، واصدر عنه الاديب نعمان حرب دراسة مستفيضة كانت الاولى في سلسلة "قبسات من الادب المهجري"، وذلك عام 1981.

انتمى الى الحزب السوري القومي الاجتماعي في اواخر الثلاثينات، وله مراسلات مع سعاده، وكان يشارك في العديد من الاحتفالات والمناسبات القومية والوطنية في البرازيل، وخاصة في سان باولو".

الرسالة الى منفذية البرازيل

تبلغنا بأسى وحزن بالغين وفاة الرفيق الشاعر فارس بطرس الذي تعرفنا اليه رفيقاً وصديقاً.

باسمي وباسم قيادة الحزب نتقدم منكم بأحرّ التعازي راغبين ان تنوبوا عنا في تقديم التعزية الصادقة الى آل الرفيق الفقيد، وان تقدموا الى رئيس عصبة الادب العربي الرسالة المرفقة تعبيراً عن مشاركتنا ألمهم لوفاة الرفيق الشاعر، والبقاء للامة

**

مـن شـعـره

إن غَداً ضَمّني الرَّدىَ وحَيـاتِي ضَمّهَا الليلُ في سُكُون مَمَاتي

واَسـتراحَتْ مِمَّا لها مَن شقاءِ الارضِ حِملاً يذوبُ طَيَّ رُفَاتــي

جَنّتي أننّي أَهِيمُ عَلىَ الدُّنيَــا عبيراً وَفي شـذَا ذِكْريَاتـي

وَغذاءُ الوُرُود أَنْوَاءُ بَحرِ وجَمَالُ الدُّجَى ضِيَـا النّيّراَتِ

*

أمـانـي ...

يا هزاراً يشـجيه صمت الليالي شـادياً راضياً على كل حال

طاردتك الفصول في كل أفـق كنت فيه تشكو بعاد الوصال

اينما كنت في الأنام غريــب أنت – يا ناسك الربى والجبال

لا يناجيك من صروف الليالـي غير فجر حاكته سود الليالي

يحمل الزهر في الربيع انعتاقـاً من قيود الثرى ودنيا المحال

خففي اللوم – يارفيقة عمـري واخْبريني – ما تشتهي – ما تخالي

لا تخافي - يا منيتي – كيف حالي إنني شـاعر غريب الخصال

أنا من يزرع الحنين دموعـاً أنا من يزرع العلى في مقال

أنا من يزرع الأماني كبـاراً أنا من يزرع الرؤى من خيال

أنا من يزرع المكارم اخلاقـاً ومجداً وعزةً في النضــال

أنا من يزرع المروءة عطفـاً أنا من يزرع الصفا من جمال

همتي همة النسـور التي عاشت لتحيا وحيدة في اعتــدال

أنا من يزرع الحروب انتصاراً في ميادين عزها والرجـال

أنا اشقى من عاش في غربة الأرض وحيداً ما بين قفر الرمال

أمتي سوريا ولبنان طـودي وربيعي هولٌ ودنيا معالي !

كل ما أمعن الزمان اغتيالاً وحروباً في أمتي لا – تبالـي

همها أن ترى الوجود جمالاً همها أن ترى العلى باكتمـال

يا بلادي– يا منيـتي– يا بلادي أتمنى أن افتديك بحالـــي

أنت من أرضنا هلال خصيب أنت من شعبنا وقود اشـتعال

أنت من ناضل الاعادي قروناً أنت من يطلب العلى باحتمال

*

ليلة الشهيد سعاده

شقّ درب العلى بسفك دمائِهْ وتحدّى التاريخ ليل شـقائِهْ

وتخطّى الصعاب ينشر حزبا سـبقته الاحلام في اسـتجلائه

رائد يقتفي النجوم دروبـا كي يضم البلاد شوق لقائـه

فسقى الارض من نضال المعالي وسقى سوريا دماء وفائـه

رائد جال بالصراع زعيما مثّل فجر الربيع من ظلمائه

قائدا كم به الشّـوادي تنادت وتهادت سكرى بلحن غنائه

فيه للمجد ثورة وانعتـاق ينقذ الشرق من قيود بلائـه

يهدم الجهل والخيانة والتضليل والحقد باصطخاب ندائـه

وينادي الاحرار جيلا فجيلا مستثرا في الحر حرب إبائه

علّه ينقذ البلاد ويبنـي من وقود الشـباب مجد ارتقائه

*

مطلع الشمس شرقنا تائه العمى وفجر التاريخ فجر جوائه

يرتدي اليوم للهوان رداء وسـواد التوجيه لوْنُ ردائه

حطّمت جيشه الجهالات ممّا ارضعته الاحقاد من خلفائه

ودخيل البلاد افسد ما في العرب اصلا بالسوء من اوبائـه

وطن يرتدي الهوانَ رداء ويعاني الطوى رجال ابائه

وطن يعبد التقاليد والفوضى ووحي التضليل وحي سمائه

وطن دأبه المؤامرة الكبرى لبيع الاجزاء... من اجزائه

يرضع الغدر والخيانة طفلا وينال التوجيه من اغبيائـه

يفرض الحرب بالتوحش والاجـرام فرضا... للهدم من انبائـه

لا يني يعبد الخرافة علما ورنين القيود لحن غنائـه

وسجون الفجور شلّت قواه وجواء العبيد جوّ فضائـه

هكذا الجهل حطّم النّور العابا ليلهي بها ظما جهلائـه

وعميل زاد اليهود نجاحا كعميل التدجيل في ابنائه

انما العلم في القيادة نصر يحكم الارض قوّة في مضائه

ليت للشرق – بانتصار المعالي ما به ينتهي شقاء نسائـه

اوله من معاهد العلم خلق كي تسود الاخلاق في اقويائه

سوف يبقى النضال ما بقي العلم عدوا للجهل في اسـتفتائه

عاش من كرّس الحياة نضالا للمعالي في بذله وسخائـه

وسيبقى في ذمة الدّهـر اجيالا ونور الخلود – نور سمائه

عاش مستشـهدا سعاده حلم ورفاق الخلود.. من رفقائه

هوامش:

1-صاحبها ورئيس تحريرها الأمين نواف حردان.

2-اشتراها الرفيق بدرو تشاكماكيان من الاديب عبد اللطيف يونس في الارجنتين، وصدرت بالاسبانية، كلاهما فارقا الحياة .

3-من "جديدة مرجعيون". تولى رئاسة نادي مرجعيون، وكان وجهاً في الجالية


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024