إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

لو أرادوها لفعلوها ..

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2010-11-13

إقرأ ايضاً


بدأت ملامح السياسة تتبلور مع نهاية المرحلة الإولى للتكوينات البشرية ( المشاعية البدائية ) وبداية المرحلة الثانية ( الإقطاعية ), حيث حل الإستغلال, وحدث الانقسام التدريجي بين أفراد المجتمع, وظهرت الحاجة الى تنظيم العلاقات الإجتماعية والإقتصادية وربطها بنظام سياسي جديد, لم تعهده المجتمعات مِن قبْل ( الدولة ). أما بالنسبة لعلاقة الإنسان بالدين فإن تاريخها يعود الى بداية الصراع مع قوى الطبيعة والأخطار,التي كانت تتهدده. وقد كان لهذه القوى دورا في تغلغل الخوف الى دواخل الإنسان وعبادته لها خلال مراحل تطور وعيه الذاتي لمحيطه الخارجي . ولعل اللجوء الى وسائل تخويف الأفراد من انتقام القوى الخارقة ( الآلهة ), لحملهم على تجنب ارتكاب الخطايا, ما دفع بالمُفكر البرتو مورافيا الى القول بأن الأنسان قد خلق الله كي لا يقتل نفسه.

قيل ان السياسة فن المُمكنات وان الدين أفيون الشعوب. واذا وَجَدَت فنونُ مُمكنات السياسة ما يُبرر سيطرة القوي على الضعيف منذ غابر الزمان وتغاضت عن تجاوز الأفراد والطبقات المُستغِلة حدود مجتمعاتها, لفرض السيطرة والهيمنة على المجتمعات الأخرى بالقوة, فإن الدين وإن عارض ذلك, إلا أنه كثيرا ما استُغِل في التحريض على الفتن, وتأجيج الخلافات والصراعات الداخلية, والدعوة الى التغيير لتحقيق غايات سياسية. وكان لوقوع وخنوع وخضوع أعداد كبيرة من أفراد المجتمع لتعاليم دينية مُحرّفة, سببا في ضعف تأثير الفئات الواعية والساعية والداعية الى التخلص من أغلال التخلف,التي كبلهم بها رجال التزلف والتزقف والتلفف في لباس الدين ,والقابضين من السياسيين .

مرّت فترة طويلة, طوت في ثناياها الكثير من معاناة الإنسان في ظروف بيئية ومعيشية صعبة, تنوعت فيها العبادات والديانات قبل أن يصل في النهاية الى الإيمان بوجود الإله غير المنظور,الذي أقرت به الديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام), لتبدأ بعدها مرحلة جديدة من العلاقات بين السياسة والدين, تبين لاحقا,انها الأكثر عنفا ودموية في تاريخ البشرية, بسبب الحروب العدوانية, ورغبة السيطرة والهيمنة في أوساط الطبقات المُستغِلة خلال مراحل الاقطاعية والبرجوازية والرأسمالية والإمبريالية, لنهب ثروات الشعوب.

تهدف السياسة من الناحية النظرية الى خدمة أفراد المجتمع, بتنظيم وتحسين العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والعمل على اصلاح ما قد يعطب منها. ويسعى الدين الى بث روح المحبة ونشر التسامح والعدالة والمساواة بين الناس. أما الواقع, فيعكس غير ذلك, بعد اتضاح دور العلاقات الخفية والمصالح المتبادلة بين رجال السياسة والدين في قلب المفاهيم السياسية والدينية, وتحويلها الى نقمة بدلا من نعمة, كما هو واقع الحال في العراق, قبل وبعد الإحتلال .

لقد سقطت بعض قِلاع الدين في قبضة السياسيين قبل احتلال العراق, وأنزل العديد من رايات السياسة بأيدي المُعممين بعد الغزو, ولوحظت ظاهرة انقلاب الانتهازيين, وزيادة عدد القابضين بعد تديّن السياسيين وإيالة رجال الدين, ولم يعد للمواطن العراقي قيمة لدى أولئك "التقدميين" وهؤلاء "الرجعيين",فحاجتهم الى الدولار صارت ألح من الحاجة الى وقف نزف دماء الأبرياء, وأصبح تشبثهم بالمناصب أهم من تمسكهم بالقيم والثوابت الوطنية, وأضحت تبعيتهم الى سادة الشرق والغرب أوثق من الإنتماء الى الشعب والوطن .

لا شك ان فن مُمكنات السياسة يكون ناجحا,عند إختيار الإسلوب المطلوب لخدمة المجتمع, وجعله منسجما ومتجانسا اجتماعيا واقتصاديا وفقا للمكان ومتغيرات الزمان, إلا انه يصبح فاشلا, إن لم يحسن أداء دوره في ضمان استمرار رفاهية المجتمع. وقد يصبح الدين أفيون الشعوب فعلا, عندما يحاول بعض رجاله ودعاته فرض ارادتهم باسم الدين, وحين يقفون حائلا دون تقدم وتطور المجتمع ورفع مستوى وعي الأفراد الى حد يمنع التطرف واثارة التفرقة المذهبية والطائفية المقيتة.

ليس منطقيا ان نضع اللوم على الإحتلال وأعوانه فقط, وليس مقبولا ان نصب جام غضبنا على دول الجوار لتدخلها في شؤوننا الداخلية, وعيبٌ ان نتهم الآخرين بارتكاب الأخطاء ونستثني احتمال ان يكون العَيب فينا. ولعل نشر ما لا يُعد ولا يُحصى من الكتب والمقالات والبيانات والخطابات الموجهة من قبل هذا الحزب ضد ذاك وهذه الطائفة ضد تلك, دليل على إستمرار التخبط السياسي والديني,الذي يمكن ان تفسره ثلاثة احتمالات: أولها يؤكد على إهتمام القوى الخارجية في تعميق الخلافات السياسية والدينية, لكونها تصب في مصلحتها, دون ان تتحرك القوى الوطنية لضرب هذه المصالح بقوة وحدتها. وثانيها يكشف عن وجود منفعة متبادلة بين أطراف خارجية دافعة وأخرى داخلية قابضة. أما ثالثها, فيُبين مدى الغباء السياسي لمعظم القيادات السياسية والدينية, وعجزها المطلق عن وضع حد للخلافات والصراعات,التي التهمت نيران آتونها عشرات الألوف من أبناء الشعب العراقي .

الخــــلاصـة:

لو أراد السياسيون تحقيق الوحدة الوطنية لفعلوها, لكن مصالح شيوعيي الإحتلال وبعث المقاومة الإنترنيتية ستتضرر حتما, لذا فهم لا يتفقون, وبفارغ الأعذار يتبجحون.. ولو أراد المُعممون ( شيعة وسنة ) ان يوحدوا المسلمين على أساس "واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا" لفعلوها, لكن خوف الحرمان من الدولار والتومان والريال يُربك مُعممي الداخل والخارج, ويحول دون دعوتهم الى نبذ التفرقة الطائفية, وكبح جماح المتطرفين. ولو أراد قادة الكرد وحدة الوطن وتجاوز المحن, لفعلوها,لكنهم بالإنفصال يلوحون, وبقوى الإحتلال يحتمون, وبطول بقائها يحلمون, ومن غفوتهم لا يستيقظون.


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024