إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

الدول النامية بين الإحتلال والتبعية

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2011-01-06

إقرأ ايضاً


شهد النصف الثاني من القرن العشرين نشاطا واسعا لحركات التحرر في العالم, تخللته انتفاضات شعبية, وثورات وطنية, وحروب تحررية ضد الدول الإستعمارية. وكان لإنتصار الحلفاء على النازية الألمانية والفاشية الإيطالية في الحرب العالمية الثانية, وظهور المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي, وتعاظم شعبية الأحزاب الشيوعية والمنظمات اليسارية, دورا حاسما في تخلص العديد من الدول في آسيا وأفريقيا من الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي .

وفي خضم نجاحات الدول المُستعمَرة في التحرر والإستقلال, ساد إعتقادٌ بانتهاء مرحلة الإستعمار مع نهاية القرن العشرين, دحضته الحرب على العراق عام 1991 بحجة تحرير الكويت. حيث خططت الأمبريالية الأمريكية والدول الرأسمالية والصهيونية لجعل هذه الحرب بداية لمرحلة لاحقة, لم يكن هدفها التخلص من النظام الدكتاتوري, وإنما لفرض السيطرة المطلقة على دول المنطقة, والقضاء على قوة عسكرية رائدة, واقتصادية صاعدة, وعلمية واعدة, عن طريق العدوان الغادر, والتبرير القاصر, والكذب السافر.

بينت حرب الخليج عام1991 واحتلال العراق في 2003 قدرة الولايات المتحدة والدول الرأسمالية على خلق المبررات والتفرد عند الحاجة في صنع القرار دون وازع تحذر رَدّه أو تقف عِنده, لا سيما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وحل المعسكر الإشتراكي, وتراجع المد اليساري, مما اتاح فرصة الدخول الى مرحلة جديدة, أكثر تطورا في أساليب الهيمنة والسيطرة, لا تستثني الإحتلال المباشر, اذا ما فشلت سياسة الإقناع بالانصياع , قبل الصراع عند الامتناع .

حلفاء الحرب الساخنة أعداء في الحرب الباردة :

تحالف الشيوعيون والرأسماليون لدرء خطر النازية والفاشية, وتخندقوا في جبهات الحرب الساخنة, لكنهم سرعان ما تفرقوا وافترقوا, وأخذت هوّة الجفاء وفجوة العداء تتعمق بين الحلفاء ما ان وضعت الحربُ أوزارها. وأراد الأمريكيون رغم انتهاء الحرب في اوروبا ان يتركوا إشارة لحلفاء الأمس, باسقاط قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناكازاكي, فهم القادة السوفييت مغزاها وردوا عليها بأسرع مما تتوقع مرسلوها, باعلان نجاح تجربة القنبلة النووية السوفيتية .

لقد أدركت الإمبريالية الإمريكية والرأسمالية الأوربية مرحلية التحالف مع النظام الشيوعي واستحالة تحقيق النصر عليه في ميادين الحرب الساخنة, خصوصا وأنه يملك سلاحين فعالين, أولهما نووي وثانيهما أيدولوجي ( الماركسية-اللينينية ), لذا قررتا فتح جبهات الحرب الباردة, التي لم تخلو من ارتفاع في درجات حرارتها, أثناء أزمة حصار برلين 1947-1948 والحرب الكورية 1950- 1953,التي ألحق فيها الطيارون السوفييت خسائر فادحة بسلاح الجو الأمريكي, وأزمة قناة السويس في 1956, وأزمة الصاريخ الكوبية في 1962, التي كادت تشعل فتيل الحرب العالمية الثالثة.

رياح التغيير في الإتحاد السوفييتي :

قررت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي بعد وفاة ستالين في 5 آذار 1953 أن يتولى السلطة أحد المرشحين الثلاثة (مولوتوف,مالينكوف, بيريا) فوقع الخيارعلى مالنكوف لرئاسة الحكومة واختير خرشوف أمينا عاما للحزب. إلا ان إعدام بيريا بتهمة الخيانة, وازاحة خروشوف لمولوتوف ومالنكوف وللقائد الفذ, المارشال جوكوف, وتعيين المارشال الكسندر بولغانين رئيسا للحكومة عام 1955 ثم إقالته بعد عامين, مهد لخروشوف الجمع بين أمانة للحزب ورئاسة الحكومة في آن واحد, ليسجل بذلك عودة الى نظام القيادة الفردية, بدلا من الجماعية,التي أوصت بها قيادات الحزب بعد وفاة ستالين.

شهدت فترة 1953- 1964 من حكم خروشوف تحولات داخلية وخارجية,اعتبرها البعض إنعطافا نحو درب الصواب, بينما اعتبرها البعض الآخر انحرافا باتجاه الخراب, ولكل من هذا وذاك ما يشير اليه ويستند علية. حيث ينطلق أصحاب الرأي الأول من أهمية التغييرات الإيجابية, التي حصلت في الداخل, بوضع حد لعبادة الفرد, ورد الإعتبار لعشرات الألوف ممن إعدموا بتهمة "عدو الشعب" أو تعرضوا للاعتقالات التعسفية, والسماح لعودة مئات الألوف ممن شردوا من ديارهم ( التتار والشيشان وغيرهم ), إضافة الى ما تحقق من انجازات علمية مرموقة, وتحسن في الظروف المعيشية للمواطن السوفييتي. وعلى الصعيد الخارجي, يشير مؤيدوا سياسة خروشوف الى حجم المساعدات الضخمة,التي قدمها الإتحاد السوفييتي الى حركات التحرر الوطنية في العالم ودور هذه المساعدات في التخلص من الإستعمار .

أما أصحاب الرأي الآخر, فإنهم يؤكدون على ان سياسة خروشوف الخارجية قد أحدثت صدعا في العلاقة بين الأحزاب الشيوعية, زاد تصدعها انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي ,الذي أعلن فيه خروشوف الحرب على سياسة ستالين"الدكتاتورية" والأخطاء,المتعلقة باهماله تحذيرات المارشال جوكوف من احتمال هجوم الألمان على الاتحاد السوفييتي .

إن الأزمة,التي إلتهمت نيرانها وحدة الأحزاب الشيوعية العالمية بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي لا تنفي وجود الشك في خيانة مَن عمل جاهدا على جمع الحَطب, وتسليم خروشوف ما يُشعل به النار. ومن غير المنطقي ألا يجري البحث عن اولئك الذين خططوا للانقلاب وحرضوا خروشوف على تنفيذه

وقد كتب الاخير في مذكراته " لقد فتحتُ ثغرة في جدار السد الكبير بخطابي السري دون أن أعلم أن المياه ستفيض من خلالها حتى صرت أخشى أن تغرقنا جميعا".

ولكي تكون الأحكام منصفة وعادلة, لابد من مراجعة الظروف الداخلية والخاجية,التي سبقت إنعقاد المؤتمر. وقد يساعد البدء بأعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر,التي ضمت كل من كاغانوف وشبيلوف وسوسلوف وفرشيلوف وميكويان,على فهم أسباب التقلب في مواقف بعض الكوادر القيادية, إن لم نقل انتهازيتها. فهؤلاء الذين حَضّروا للمؤتمر, سرعان ما انقلبوا وكادوا ينجحون في إقاله خروشوف لولا دفاع المارشال جوكوف عنه في اجتماع اللجنة المركزية.

ولا شك في ان العوامل الداخلية لم تكن كافية لإشعال فتيل الأزمة بدون ضغوط سياسية واقتصادية خارجية لاختراق الداخل والتأثيرعليه بحيث تجري رياح التغيير بما تشتهي سَفنُ الإمبريالية. وقد مهدت الأجواء بعد وفاة برجينيف واندروبوف وتشرنينكو لصعود كرباتشوف,الذي وضع بسياساته الغبية ديناميت تفجير النظام الاشتراكي وسلم الصاعق الى يلسن,الذي لم يتردد في الضغظ علية ليحقق بذلك,حلم أعداء الشيوعية في القضاء على الإتحاد السوفييتيى والمعسكر الاشتراكي من الداخل.

وحدة مصالح الإمبريالية والرأسمالية والصهيونية :

غمر الأمبريالية الأمريكية شعور ملؤه الثقة بالنفس أثناء الحرب على العراق عام 1991 بعد تأكدها من إحتضار وانهيار الإتحاد السوفييتي في نفس العام, ونجحت في إقامة تحالف لم يحصل مثله في السابق, حيث ضم 34 دولة, تغلبت لديها حسابات المصالح, فانضوت تحت قيادة الولايات المتحدة, رغم قناعتها بأن ما قد يحصل يُعد جريمة لا تغتفر.

كان الهدف المُعلن من الحرب على العراق "تحرير الكويت", لكن أهدافا أكبر وأخطر مما أعلن عنه كانت هناك, دلت عليها شروط الحصار غير الإنساني على الشعب العراقي, والإبقاء علية قرابة ثلاثة عشر عاما, عانى خلالها العراقيون من نقص خطير في الغذاء والدواء, ومات مئات الألوف من الأطفال,عدا ما أصاب البنيهُ التحتية من تدمير شامل, لم يتوقف الأمريكيون عنده, بل قرروا المضي نحو تحقيق أحد أهدافهم غير المعلنة ( احتلال العراق ), فشنوا حربهم الثانية في 2003 بحجة التخلص من النظام الدكتاتوري هذه المرة. وقد تبين أن من أهم أهداف احتلال أفغانستان في 2001 والعراق في 2003, وتهديد إيران ولبنان, هو النفط وضمان أمن إسرائيل,الذي بَذلت الصهيونية من أجل تحقيقه كل جهدها, بنفوذها القوي وتأثيرها المباشر في السياسة الأمريكية والأوربية.

الخلاصة :

أحدثَ انهيار الإتحاد السوفييتي فراغا كبيرا في العالم, تحركت الإمبريالية والرأسمالية والصهيونية لسده, وتحقيق حلم السيطرة على دول العالم باسم الديمقراطية تارة, ومحاربة الدكتاتورية والإرهاب تارة أخرى, دون أي اعتبار للخسائر البشرية والمادية الناجمة عن ذلك. وقد شعرت الدول النامية بوقوفها أمام خيارين, أولهما الإحتلال, وثانيهما التبعية في ظل سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا" واعتبار ما جرى في أفغانستان والعراق "عِبرة" لمن قد يفكر بمجابهة قوة إستعمارية غاشمة. لذا, سارع البعض الى تقديم الولاء والطاعة, مفضلا التبعية على الاحتلال, لكونها تمثل النموذج الضامن لبقاء الأنظمة العميلة والرجعية في السلطة, ولأنها لا تتعارض مع رغبات الدول الاستعمارية في السيطرة على مقدرات الدول دون خسائر.

ولعل شراء النظام في شبه الجزيرة للأسلحة الأمريكية بقيمة 60 مليار, وبقيمة 15 مليار من قبل حكومة الإحتلال في بغداد, خير مثال على التبعية, ودليل قاطع على جرائم الأنظمة في هدر الأموال وتحطيم الاقتصاد الوطني إنقاذا للإقتصاد الأمبريالي .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024