إتصل بنا مختارات صحفية  |  تقارير  |  اعرف عدوك  |  ابحاث ودراسات   اصدارات  
 

ان تضيئ شمعة,أفضل من ان تلعن الظلام

د. وسام جواد

نسخة للطباعة 2011-06-12

إقرأ ايضاً


من البديهي ان تؤدي التناقضات, بين مختلف الطبقات, الى تعدد الإنتماءات, وتنوع الولاءات, واختلاف القناعات. ومن المؤكد في مثل هذه الحالات, ان تلعب التربية, والثقافة, والوعي الاجتماعي والسياسي دورا في تضييق الخلافات وحصرها في مساحات يُراعى فيها احترام الآراء, وعدم الخروج عن حدود اللياقة وأطر اللباقة في النقاش أو الحوار .

ويصلح ما دار مؤخرا من جدل على موقع الكادر, بين د. نوري المرادي من جهة, والسيد ياسر الجوادي, ود. احمد الأسدي, من جهة أخرى, حول الأحداث الأخيرة في سوريا, ان يكون نموذجا على النقد الهادف, رغم ما يشوبه, من حدة في الردود والتعليقات اللاذعة على ما يتمسك به, ويصر عليه د. نوري المرادي. ورغبة في تقريب وجهات النظر,التي قد نختلف في بعض مضامينها, واساليب معالجتها, وجدت في مناقشة بعض ما كتبه المرادي عن سوريا ولبنان أمرا ضروريا, بعد ان تغلبت لدية نزعة التسرع في الأحكام على التأني المرغوب, والتعمق المطلوب, والنقد المحسوب.

التأني المرغوب :

قيل ان السلحفاة تعرف الطريق أفضل من الأرنب. ولو قرأنا ما كتبته من اختارت لنفسها اسم "بنتك ياصدام" عن الأوضاع في ليبيا, لوجدناه تكرارا مقيتا لما يردده النظام الليبي بحق المعارضين من عبارات وكلمات نابية, اثبتت الأيام أنها لا تليق إلا بقائليها. ورغم اطلاعي على الأوضاع السياسية في ليبيا, بحكم عملي هناك قرابة عشرة أعوام, وعلاقاتي الطيبة بالأخوة الليبيين المؤيدين والمعارضين لنظام القذافي على حد سواء, إلا ان القناعة بضروروة التغيير لم تحل دون التريث قبل الكتابة, بسبب خصوصية الأوضاع المعقدة, التي لا بد وان تُحل داخليا, دون تدخلات خارجية, ودون تسميات عاطلة, واتهامات باطلة, ضد هذا الطرف أو ذاك.

أما ما يخص سوريا, فلم أجد تبريرا لما يبديه د. نوري المرادي من غيض انفعالات وفيض اتهامات يومية ضد النظام السوري ورئيسه, دون ان نقرأ له عن الأدوار الإجرامية والتخريبية,التي تقوم بها زمر العمالة السياسية, وحثالة الطائفية والتكفيرية والسلفية, التي رفعت شعارات مذمومة, وهتافات مسمومة, لغايات مفهومة, وجهات معلومة :

• لا إيران ولا حزب الله, بدنا سني يعرف الله.

• مُحمد ما مات, محمد ما خلف بنات ( اي لم يخلف فاطمة الزهراء البتول, أم الحسن والحسين ! )

• بدنا نحكي عالمكشوف, علوية ما بدنا نشوف.

• النصارى عبيروت, والعلوية عالتابوت.

ومن المفيد مشاهدة ولو القليل من الأفلام الوثائقية, لمعرفة حقيقة اولئك المطالبين بالإصلاح, بقوة السلاح.

http://www.youtube.com/watch?v=TUu-yGTQW00

www.youtube.com/watch?v=PqpjqycBpjQ


إن القناعة بضرورة تغيير الأنظمة السياسية, لا تعني الفوضى والانفلات, واطلاق عنان الانفعالات, وتوجيه أصابع الاتهامات, وسيل الشتائم واللعنات الى طرف, دون الأخذ بما يقوم به الطرف الآخر من تصرفات تهدد الأمن الوطني, وتعين على خلق المبررات للتدخل الأجنبي, بالتعاون مع بعض اطراف داخلية, لا تتورع عن ارتكاب الجرائم لتحقيق المأرب, ونيل المكاسب, باستغلال المطالب المشروعة للجماهير, بالإصلاح والتغيير, وحرفها عن مسارها, وتحويلها الى خطر قائم , وتوتر دائم, لا يحمد عقباه, كما حصل للعراق .

لذا, لابد من درأ النوائب, وتهوين المصاعب, وتسكين المصائب, بالفكر الثاقب, والقرار الصائب, لا بفتنة خائب, وخائن هارب, وعميل موارب, وطائفي ناعب, وسلفي خارب, ومحرض راغب, بتسيير المواكب, ورفع المطالب, وخلق المتاعب, لنيل المناصب .

التعمق المطلوب :

لا ينبغي الأخذ بظواهر الأمور, دون التعمق في بواطنها, لتشخيص أسباب الحاصل . واذا شكلت الأنظمة الدكتاتورية والرجعية العربية أهم أسباب إنتفاضات الشعوب, فإن من الخطأ نفي وجود مخططات مُعدة من قبل القوى الصهيونية, الإمبريالية, الرأسمالية, والعربية الرجعية, بالتنسيق مع أطراف داخلية, لضمان الحفاظ على مصالحها السياسية والإقتصادية في المنطقة. ويكفي ما كتبته سارة فلوندر مؤخرا على موقع Globalresearch.ca لفضح الأساليب, التي تخطط لها الولايات الصهيونية المتحدة ضد سوريا, وما يحاك من دسائس ضدها وراء الكواليس :

On the side of the supposedly “democratic opposition” are such reactionaries as Sen. Joseph Lieberman, chair of the powerful Senate Homeland Security Committee, who called on the U.S. to bomb Syria next, after Libya. Outspoken supporters of the opposition in Syria include James Woolsey, former CIA Director and advisor to Senator John McCain’s presidential campaign.

لقد عانت الملايين في العراق من ظلم وجور وتعسف النظام السابق لعشرات السنين. ورغم من ذلك, لم يؤيد العدوان والإحتلال سوى قلة من الخونة والانتهازيين, ومرتزقة السياسة والدين. أما الأكثرية, فقد كابَرت لا مُغالطة, وإنما أصالة, وأكمت آلامها وأحزانها وجراحها, أمام جريمة تدمير العراق وقنل أبناء شعبة المجيد. فهل فكر المتحمسون, والمندفعون الى حد الجنون, بحقيقة ما يُخطط لسوريا, وما قد يَنجم عن العدوان على شعبها ؟.

إني لأعجب, حين يتوافق ويتزامن ما تطالب به الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية, مع دعوات مَن يَفترض وعيه وتجربته ونضجه السياسي ان ينأى بنفسه عن الوقوف, في سود الصفوف, في هذه الظروف.

النقد المحسوب :

لا بد للنقد ان يكون ملتزما, ومنضبطا, ومستندا الى الحجج والاثبات, لا الى التسرع والتكهنات, وتوجية الاتهامات, تحت تأثير الإنفعالات. وكلما علت ناصية المعرفة والثقافة الشخصية لأفراد المجتمع, كلما زادت دواعي الإلتزام بمبادئ النقد,التي يصعب بدونها التقارب والوصول الى فهم مشترك.

لقد حاول السيد ياسر الجوادي تفنيد اتهامات د. نوري المرادي,التي وجهها لأكثر من طرف, وفي أكثر من قضية: "أما اتهام الناقدين بأنهم أبواق فهي محاولة يائسة لتبرير العجز عن المحاججة العاقلة الناضجة البعيدة عن الألفاظ البذيئة والشتائم، وهي لعبة قد انكشفت مثلما انكشفت المواقف "الوطنية" للمرادي وازدواجية المعاييرلديه. بوق من إذاً هو المرادي؟ هل يعقل أن الكل أبواق وهو وحده المنزه ؟."

واذا لوحظت بعض الحدة في الرد, فذلك لا يقلل من واقعية وأهمية ما ذهب الية السيد الجوادي من دقة في التحليل, لا تقبل التأويل, وصواب في الإستنتاجات,التي تتعلق بسوريا, بغض النظر عن الموقف من النظام الحالي:" لا أحد يمتلك الحقيقة كلها، لكن العاقل من يزن الأمور بترو وحكمة, وبوضوح رؤية, ولا يتهور في قراراته, ولا يبني على أوهام أو أحقاد شخصية .وقد نختلف على أمور, لكن الثوابت الوطنية لا يمكن المساومة عليها. وسوريا تتعرض لهجمة شرسة من الصهيونية ودول الغرب عامة، وهو ما لا ينكره أحد. ومن الواضح لكل ذي بصيرة أن مخطط الأطاحة بالنظام في سوريا كان قد وضع مع مخطط احتلال العراق لكن تغير الأمور والمقاومة العراقية غيرت المعادلة، وجاء الآن وقت تنفيذها. وأنا لا أستطيع أن أدين المخطط الصهيوني وأدعم في نفس الوقت منفذيه من الغوغاء المسلحين والمجرمين الذين سلحهم عملاء الصهيونية وأعتبرهم ثواراً، فلا يمكن أن يكون الثوري حليفاً للمستعمر."

أما ما كتبه د. أحمد الأسدي, فقد وجدت فيه النقد النافع, للحيف الواقع, باسلوب ناجع, ومنطق رائع, وعلم واسع, لسياسي بارع: " في كل مرة استمع, الى خطاب السيد حسن نصر الله, اشعر ان الأمة ومشروعها المقاوم بخير, رغم كل ما لحق بها من تآمر المتخاذلين, وأعيش زهو حديث الفرسان, واقولها من دون حرج, ولا اعتبار عندي لهذا او ذاك, لله درك يا أبا هادي فلقد ألقمت كل متقول حجرا في فمه, وقطعت ألسنة القردة ,التي اعتقدت على غفلة من زمنها, إن باصطفافها مع مشروع بندر شهوة سلطان, قد تأسدت, ونعم حانت لحظة المكاشفة, ودحض الادعاء وبيان الحقيقة, وحكمنا رجل المقاومة وقائدها, الذي زرع في عيون نتنياهو ومن سبقه, الرعب والهوان."

" لقد اوقعت نفسك يا ابو الكميت في مصيبة الإدعاء مرات ومرات, ولكن بقولك في خطابك المعنون الى السيد حسن نصر الله ( وكذب من قال أن سوريا أو إيران مدتك بالسلاح, وستكذب أنت لو ادعيتها ), قد اثبت لي شخصيا, انك فعلا عن الحقيقة من التائهين ولا تملك من حجة الحوار غير ادعاءه.."

إن النقد يصبح حتميا, والرفض منطقيا, والرد ضروريا, والخلاف جوهريا, حين يُخاطب أحد أبطال حركة التحرر الوطنية, وعميد المقاومة اللبنانية الوطنية, السيد حسن نصر الله باسلوب لا يليق بمن عُرف عنه, مؤيدا ومناصرا للمقاومة في العراق وافغانستان وفلسطين ولبنان :

- كذب من قال أن سوريا أو إيران مدتك بالسلاح, وستكذب أنت لو ادعيتها !

- أنت امرؤ فيك طائفية !

- يا حسن..!

فيا صديقي لا تزعل, ان قلتُ يا نوري تمَهّل, وعن حِصان تجبُرك ترّجل, فقبلك جربه المُغتر وتبهذل, وقد قال الفيلسوف والأخطل, ان التواضع من الجمال أجمل, وعين التكبّر بالكُحل لا تجمَل, والواثق بعون المُتردد لا يَأمل. ففكر قبل ان تقول وتفعل, ففي بعض كلامك ما لا يُعقل, وفي طبخك روائح ما لا يؤكل, وليس العيب أن تسأل, اذا كنت بالتفاصيل تجهل, إنما العيب انك لا تقبل, نقد المُحقين والمُحبين وتغفل, فتهدم ما بنيته بالمِعول, وتقطع ما زرعته بالمنجل.

وإني لأرجو يا صاح, ان تكتب للقراء ما فيه منفعة, وتكف عن ان هذا إمعة, وذاك سفيه ما له شفعة, وان تضيئ شمعة, بدلا من ان تلعن الظلام.

وهنا اختتم الكلام, بأطيب تحية وسلام .


 
شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية غير مسؤولة عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه
جميع الحقوق محفوظة © 2024